نعم.. كل منا كان لديه أحلام، وكانت تختلف باختلاف مراحلنا العمرية، ومنا من استطاع تحقيق أحلامه، ومنا من لم يستطع!، وتلك طبيعة الحياة..
ولكن هذه السيدة المصرية.. حلمت.. وجاهدت ثم «صبرت ونالت»، ولكنها مازالت تحلم بالمزيد..
إنها الصبى فى ورش خان الخليلى والصاغة (عزة فهمى) التى أصبحت «علامة تجارية» أو كما يقال «براند» عالمى يحمل اسم مصر فى كافة المعارض المتخصصة.
هذه السيدة العصامية والتى بدأت من الصغر تروى قصة نجاحها فى تحويل حرفة إلى مهنة فنية متقدمة لها أصول وقواعد من خلال مذكراتها التى أصدرتها مؤخرًا.
وكما وصفها د. محمد أبو الفار فى المقدمة «خمسون عاما من العمل الجاد والأحلام الطموحة» فى تطوير الحلى المصرية من خلال الفكر والتصميم والتنفيذ.. وتحولت إلى «مدرسة للحلى الشرقية» انتشر خريجيها فى جميع أنحاء البلاد العربية وبعض الدول الشرقية.
لقد قضيت ساعات طويلة ممتعة مع مذكرات عزة فهمى والتى كتبت فيها «كل اللى جه على بالها» مرة بالعامية وأخرى بالفصحى، بداية من مرحلة الطفولة فى ريف ومدينة سوهاج وانتهاء بالمبنى والمصنع والمعرض.
لقد بدأت مذكراتها بأبيات شعرية معبرة للشاعر جورج جرداق «أنا مصرية.. كالأرض حميمة وبهية، كالشمس قديمة.. وصبية».
سيدة صاحبة خيال واسع فى الفكر والتصميم وقدرة وخبرة فى التنفيذ لإبراز التاريخ المصرى بمراحله المختلفة من خلال مشغولات ذهبية وفضية ونحاسية، وقد يعود ذلك لأنها «مخلطة» الجذور، فهى مصرية/ سودانية من ناحية الأب، فجدها مصرى وجدتها سودانية، وهى أيضا من أم مصرية وجدة تركية، ثم أنها صعيدية المنشأ.. قاهرية التعليم..
وكان أبوها مديرًا لشركة بيل الإنجليزية فى سوهاج وجدها محمد فهمى خريجا للكلية الحربية التى أنشأها محمد على عام 1811 ووصل إلى درجة المفتش العام للجيش المصرى وخدم مع السير لى ستاك فى السودان!
ولكن الأب توفى فجأة بسبب مرض الضغط العالى، فاضطرت الأسرة للانتقال إلى مدينة حلوان حيث منزل الجدة، وتروى عزة فهمى كيف عاشت تلك المرحلة من المراهقة العاطفية.. وأنها لم تكن تستطع الخروج من منزلها حتى لو كان لزيارة مريض أو للمشاركة فى مناسبة اجتماعية للعائلة إلا بعد استئذان الحبيب (إبن الجيران) والحصول على موافقته!
ولكن بدخولها كلية الفنون الجميلة (لتحقيق حلمها) ودراسة هوايتها بشكل علمى منظم فاقت من الوهم السابق ووجدت نفسها فى عالم مختلف حيث الصداقات المتعددة والعلاقات الودية المحترمة من خلالها الرحلات الجامعية التى كانت تنظمها الكلية وتحت إشراف الأساتذة.
وبعد التخرج أصرت عزة فهمى أن تبدأ من أول السلم حيث ذهبت إلى ورش خان الخليلى وتتلمذت على أيدى أسطواتها الذين ذكرت أسماءهم وحكت عن كل منهم وماذا تعلمت منه، وفى تلك المرحلة اكتسبت خبرة تنفيذ ما تصممه وتنقلت من ورش الفضة إلى ورش الذهب وتعاملت مع الوكالات التجارية المختلفة لتوفير ما تحتاجه من مواد خام للصناعة، حتى أصبح الآن لديها مدرسة متخصصة للحلى القديمة.
المذكرات طويلة.. تمتد إلى 400 صفحة من القطع الكبير مع الصور.. والحكايات.. وتحتاج لمساحات أخرى للعرض، وشكرا صديقى أحمد رشاد على هذه الهدية القيّمة.