في إحدى أسواق فرانكفورت، يؤكد الشاب سيمون فيندلاند الأب لتوأمين، أنه يشعر بقوة بالتضخم المتسارع في ألمانيا بينما أعلنت الشركة التي تزوده الكهرباء زيادة في أسعارها "بمقدار الضعف"،وفي منزله في المدينة حيث يبحث عن مسكن أوسع بعد ولادة التوأمين، تشير زوجته لينا فيندلاند إلى إنها "تواجه ارتفاع أسعار المساكن" الذي يثير "بعض الخوف".
وأضاف سيمون الذي كان مع أحد الرضيعين البالغين من العمر ثلاثة أسابيع يغطيه معطفه "لا نعرف إلى أين سيقودنا كل هذا"، ومن الطاقة إلى الفواكه والخضر والإيجارات وغيرها، تسجل الأسعار في ألمانيا ارتفاعا كبيرا كما هي الحال في معظم الدول الأوروبية، نتيجة تضخم يقترب من 5 في المئة بوتيرة سنوية، وهذا لم يحدث منذ حوالى ثلاثين عاما.
و تهاجم الصحف الشعبية البنك المركزي الأوروبي الذي ينظر في ألمانيا تقليديا إلى سياسته المتمثلة بإبقاء معدلات الفائدة عند أدنى مستوياتها - لدعم الاقتصاد - على أنها سبب لارتفاع الأسعار و"إفلاس" المدخرين.
كما شكلت رئيسة البنك المركزي الاوروبي كريستين لاغارد هدف هجوم لصحيفة بيلد اليومية التي تشن باستمرار حملات مناهضة لهذه المؤسسة الأوروبية. وقد منحتها لقب "السيدة تضخم"، مشيرة إلى أنها "ترتدي ملابس (من علامة) شانيل" لكن "لا يهمها مصير المتقاعدين والموظفين والمدخرين".
ولا يهم الصحيفة ما أبدته لاغارد من تعاطف مع البلد المضيف عندما اعترفت في تصريحات لمجلة "دير شبيغل" أنها لاحظت في السوبرماركت ارتفاع أسعار "اللبن أو الخبز أو الزبدة"، وكان سلفها الإيطالي ماريو دراغي أيضا هدفا لهجمات الصحيفة لسنوات. وقد اختارت له لقب "دراغيلا"، مصاص الدماء الذي "يفرِغ حساباتنا حتى آخر قطرة".
هل هو تضخم عابر أم سيستمر؟ تساءلت المدرسة السابقة مارلوت كروبر (72 عاما) التي كانت تقوم بالتسوق "حسب السيدة لاغارد، سنكون قد تغلبنا على كل ذلك منتصف العام المقبل، لكن المشكلة هي انها هي التي تقول ذلك"،ولا يؤمن كبار المصرفيين الألمان بهذا السيناريو المتفائل أيضا ويحضّون البنك المركزي الأوروبي على التحرك بسرعة.
وقال مانفريد كنوف رئيس "كوميرتسبنك" إن "هناك مزيدا من المؤشرات التي تفيد بأن هذا الارتفاع في الأسعار ليس موقتا بطبيعته، وأنه سيتعين علينا التعايش معه بعد هذا العام".
ويطلب نظيره في "دويتشه بنك" كريستيان سيفينغ، من المصارف المركزية بما في ذلك البنك المركزي الأوروبي "إيجاد وسيلة للخروج من سياستها النقدية المريحة جدا"، موضحا أنه "كلما كان ذلك أسرع كان الأمر أفضل".
وقال كارستن بريزيسكي الخبير الاقتصادي في مجموعة "آي ان جي" لوكالة فرانس برس إن سكان ألمانيا، أول اقتصاد أوروبي، ما زال يتملكهم هاجس الأزمتين التضخميتين في عشرينات القرن الماضي وسبعيناته.
وفي بلد كان المصرف المركزي الاتحادي (بوندسبنك) يحظى بالاحترام بسبب كفاحه الدؤوب ضد ارتفاع الأسعار، لا تلقى السياسات السخية للبنك المركزي الأوروبي ترحيبا.
وقد فجر الرئيس الحالي لمجموعة "بوبا" ينس فيدمان الذي كان معزولا دائما في مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي في دعوته إلى تبني سياسة أكثر تقييدا، قنبلة في هذا المجال بإعلان استقالته أخيرا.
وأشادت صحيفة "دي فيلت" اليومية المحافظة بفيدمان قائلة "استسلم المدافع الأخير عن المدخر الألماني"، ونشرت له رسما بدرع وسيف مقاتل.
لكن بريزيسكي رأى أن هذا يعني "نسيان أن المؤسسة عملت بذلك على ضمان استمرار دعم الاقتصاد، والحفاظ على منطقة اليورو وأن سوق العمل الألماني يشهد طفرة" غير مسبوقة منذ عشرين عاما.
واستفادت الأجور كذلك من الوضع الاقتصادي الجيد ويمكن للحكومة الفدرالية الاقتراض عبر الاستفادة من معدلات الفائدة السلبية.
ومازال بعض المستهلكين واثقين من مواجهة الأسعار المرتفعة ويعتقدون مثل المتقاعد هيرمان فوغت أن البنك المركزي الأوروبي "يفعل الأمر الصحيح إلى حد كبير" لكن عليه إيجاد الوسائل الصحيحة في منطقة تضم 19 اقتصادًا.