عاطف عبد الغنى يكتب: فى السوبر ماركت!

عاطف عبد الغنى يكتب: فى السوبر ماركت!عاطف عبد الغنى يكتب: فى السوبر ماركت!

*سلايد رئيسى17-11-2017 | 17:58

كيف يخدعون الزبون فى «السوبر ماركت» ويدفعونه إلى شراء ما لا يحتاجه؟! أستطيع أن أسرد عليك 12 خدعة – على الأقل – يلجأ إليها القائمون على هذه المتاجر الكبيرة لزيادة مبيعاتهم، وبالتالى أرباحهم، وعلى حساب الزبون، الذين يسعون إلى تنفيض «جيوبه» بعد أن ينفذوا إلى عقله ويزينوا له ما لا يحتاجه، أو ما هو زاهد فيه، فيشتريه.

وهذه الخدع التى سوف نسردها، لا يسقط فى اختبارها الأغرار فقط، ولكن يمكن أن يسقط فيها أيضًا أصحاب الخبرة، لأنها ليست طرقًا عشوائية، ولكنها طرق مدروسة، ومجربة، ومصممة بحيث تتعامل سيكولوجيا مع مزاج الزبون.

(1)

من هذه الطرق مثلًا توظيف الموسيقى، ولا تحسب أن الموسيقى التى تتسرب من جنبات «السوبر أو الهايبر ماركت» وتصل إلى دماغك عبر أذنيك، لا وظيفة لها، فالأبحاث تشير إلى أنها تحدث تأثيرات عصبية وكيميائية محددة فى الزبائن.. فإذا كان إيقاع الموسيقى مرتفعا، فالزبائن يتنقلون بسرعة فى المتجر ولا يشترون غالبًا إلا ما هم عاقدون العزم عليه، وعلى العكس من ذلك إذا كان الإيقاع منخفضًا، فهذا يجعل حركتهم بطيئة، ويشترون بكميات أكبر.

وإذا كانت الموسيقى كلاسيكية، فهى تحرك فى الزبائن العواطف نحو البضائع الفاخرة، حيث تشعرهم الموسيقى بالرقى.

ومن المحفزات السيكولوجية أيضًا فى أقسام الخضراوات والفواكه: وضع الفواكه الملونة فى المقدمة، فالألوان الخلابة تجعل لعاب الزبون يسيل، كما يقولون.

ويمكن أن تضيف إلى ما سبق خدعة الأرقام غير المقفولة المستخدمة فى الأسعار، كأن يكتب السعر مثلا (4.99) جنيه،فتذهب العين للرقم الكبير ويترجم المخ السعر بأنه (4) مع أنه فى الحقيقة (5) والباقى قرش صاغ لا يبحث عنه أحد.

فى السوبر ماركت أيضًا يجعلون قسم الأطفال بجانب قسم المواد الأساسية، وما أن يتوجه الأبوان لشراء حاجاتهم الأساسية حتى يتعلق أطفالهم بما يخطف عقولهم من ألعاب، ويبدأون فى الإلحاح على ذويهم لشرائها، وقريب من هذا عرض أكثر الحلويات إثارة للشهية عند «كاونتر الدفع» ، وتفسير هذا على المستوى العملى هو أن الأهل إذا لم يستسلموا لرغبات أطفالهم بالشراء من قسم الحلويات بالداخل فسيجدون أنفسهم محرجين أمام الحشود التى تنتظر دورها للدفع وسوف يستسلمون ويشترون لأولادهم ما يطلبونه لإسكاتهم.

(2)

والآن دعنى أخبرك بأن هذا المقال ليس موجهًا لربات البيوت ولا هو وسيلة لفضح الممارسات الترويجية لبضاعة قوامها الطعام والشراب لأنها فى النهاية سوف تسكن بطوننا ونهضمها، ولكننى أردت أن أنبهك أن شيئًا مثل هذا يحدث مع البضاعة الموجهة، للعقول، والتى يستخدمون فى ترويجها أيضا خدعًا سيكولوجية، تدخل فيها الإبهار البصرى والسمعى واللفظى، يعنى المناظر المتحركة، والثابتة،والألوان، والموسيقى، وإيحاءات الطزاجة، وإثارة الشهية، وكلها رسائل مهندسة لغسل أفكار، وتثبيت أخرى، وتغيير مفاهيم، وتوجهات، إذا سقط الزبون فى فخ الإقبال عليها، فسوف توجه عقله ومشاعره وتترجمها أفعاله إلى سلوك واع.

(3)

وأكبر سوبر ماركت لهذه البضاعة الأخيرة،هو الإعلام الرقمى، ووسائله الفضائيات، ووسائل التواصل الاجتماعى، «السوشيال ميديا»، وكما هو حادث فى ماركت السلع الاستهلاكية فبضاعة هذه الوسائل مهندسة وليست عشوائية، أو ناتج اجتهاد غير مدروس، أو اجتهاد فردى لأشخاص يمثلون أنفسهم فقط.

ولا تحسبن أيضًا الأمر بمنأى عن تنظيمات مؤسساتية، أقصد أنه يقف وراءه أجهزة تعمل فى العلن، وأخرى تعمل فى الخفاء، فهناك دائما أجهزة استخبارات تدعمه ماديًا ومعنويًا ومعلوماتيًا أيضًا، هذا على مستوى الدول، وهناك مساحات مشتركة كبيرة بين عمل تلك الأجهزة، ووسائل الإعلام فى الوسائل والغايات، ويكفى أن نقرر أن المعلومات هى المشترك الأكبر، ونحن هنا نتحدث عن مؤسسات عمومية لها شكل مهنى محترف أيًا كان نوع النظام الذى يقف خلفها.

أما الحركات والتنظيمات الإرهابية التى روعت العالم شرقه وغربه، فقد اعتمدت بشكل أساسى وبرعت فى استخدام وسائل الإعلام الرقمية، ومواقع التواصل فى التجنيد والشحن، والحشد للأتباع، وهناك كلام كثير يمكن أن يقال بخصوص هذا، لكن يمكن أن نلخص كثيرًا من هذا الكلام فى عبارة وردت فى تقرير للأكاديمية الإسبانية للدراسات السياسية والاستراتيجية تقول إن «الإنترنت أداة للحروب فى القرن الحادى والعشرين».

والعبارة تنقلنا إلى ما أكدته مؤسسة مشهورة لأمن المعلومات هى (mcafee) فى تقرير لها حمل عنوان: (الجريمة الإلكترونية) وجاء فى التقرير أنه خلال العقود القادمة سوف يكون من المحتمل جدًا خوض «حرب إلكترونية باردة» يقوم بها جواسيس إلكترونيون وجنود إلكترونيون، ومن أهداف هذه الحرب: الاستغلال، والخداع، والتدمير، والتدخل، وقطع الخدمات الإلكترونية.

وما سبق – أيضا - ليس ما قصدته بالضبط، ولكننى قصدت الأفكار التى تأتى عبر وسائل الاتصال والتواصل ويكون زبائنها مراهقينا وشبابنا الذين تبهرهم عقولهم ويندفعون لطلبها لأنها تثير غرائز أو مشاعر أو شهوات لديهم.

(4)

والأيام القليلة الماضية صادف أن تواصلت مع عدد من هؤلاء الشبان الصغار، سواء فى جلسات عائلية، أو محاضرات، كنت ألقيها عليهم فى فن الصحافة، وبقدر ما لمست فيهم ومنهم من تمرد على الواقع بقدر ما اكتشفت ما لديهم من وعى، أرى أنه تغير كثيرًا فى الأيام الأخيرة ووصلوا إلى ما يشبه القناعة بخطورة إعلام العالم التخيلى على المستويين الاجتماعى والسياسى تحديدًا.

واكتشفت أيضًا رفضهم النفسى لما أحدثته هذه الوسائل فى تفكيك الأواصر الاجتماعية، وتحديدا مؤسسة الأسرة، وحتى علاقاتهم بـ (أقرانهم).. التى تحكمها الآن أساليب الإقصاء، والاستقطاب.

لكن دعونى أعترف أن القلق مازال يساورنى بشأن العلاج السريع لهذه الظواهر، أو نجاح الكبار فى الوصول إلى هؤلاء الشباب والتواصل معهم لتوعيتهم، ونقل خبرات يحتاجها الشباب بشدة مع نقص الثقافات المعمقة لديهم (أقصد الشباب).

أضف تعليق

خلخلة الشعوب و تفكيك الدول

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
إعلان آراك 2