عندنا مشكلة غريبة جدًا فى مصر، ناس عايزة تشتغل ومش لاقية الشغل اللى يناسبها وبعائد معقول، وشركات ومصانع محتاجة «شغيلة»، ولكن مش لاقية أصحاب المهارات أو الخبرات المطلوبة لطبيعة الشغل، أو مش عارفة توصل للمطلوبين!.
والمعنى.. أن عندنا «فجوة» بين الطلب والعرض فى مجال سوق العمل، حيث توجد زيادة فى كل منهما ولكنهما لا يلتقيان، ولذلك يطلق عليها الاقتصاديون «فجوة هيكلية» يعنى فيه اختلال فى سوق العمل.. مش شفاف ولا منظم!
والأخطر من ذلك ما تكشف عنه بعض الأرقام المتاحة، فقد بلغ عدد الملتحقين بمرحلة رياض الأطفال مؤخرا حوالى 2 مليون و500 ألف طفل، فى حين يبلغ عدد الخريجين من الجامعات – فى الوقت الحالى– حوالى 600 ألف خريج، هذا بخلاف المعاهد والمدارس الفنية الثانوية.
ومن ثمّ، يجب على المجتمع أن ينتبه من الآن إلى ما سوف يواجهه بعد سنوات قليلة، وأن تبدأ وزارة التعليم بإعادة النظر فى مناهجها الحالية، ومدى مطابقاتها لاحتياجات السوق المحلى والخارجى، وأيضًا على الطلاب تحديد توجهاتهم من الآن وتأهيل أنفسهم للمجالات التى يحتاجها سوق العمل حاليا ومستقبلا.
وما تقدم هو «المطلوب» والضروري لما كشف عنه تعاون مثمر بين مؤسستين وطنيتين، هما «المركز المصرى للدراسات الاقتصادية»، و«البنك الأهلى المصرى».فقد تعاونا على إجراء دراسة تحليلية تفصيلية للوظائف المطلوبة من قبل الشركات والمصانع، وكذلك طلبات التوظيف من الأفراد المتعلمين.. «أصحاب الياقات البيضاء»، والعاديين «أصحاب الياقات الزرقاء» للوظائف المهنية والحرفية والفنية، حيث تم الاستعانة بما يسمى بمنصات التوظيف على شبكة الإنترنت لجمع البيانات المطلوبة للدراسة خلال الثلاثة أشهر الماضية من يوليو إلى سبتمبر الماضى، وذلك بعد أن قسمت مصر إلى ستة أقاليم جغرافية لإجراء المقارنات بين الأقاليم المختلفة.
اكتشف فريق البحث بالمركز أن إجمالى عدد الوظائف المطلوبة خلال عام مضى – وبشكل تقريبى – لم تتجاوز 250 ألف وظيفة سنويا.
وقد قام الفريق بعرض كافة البيانات التى توصل إليها من خلاله لوحة عرض على منصة تفاعلية، يسهل الوصول إليها والتعامل معها على شبكة الإنترنت، وبالطبع يوفر التحليل والدراسة بيانات تفصيلية للتوزيع النسبى لوظائف كل فئة على حدة، وطبقًا للنوع، والعمر، والمكان الجغرافى، ونوع الدوام، ومجالات العمل، والقطاعات المختلفة والمتاحة.
الطريف.. أن هذه الدراسة وما يجرى لها من تحليل سوف يتم تحديثها بشكل ربع سنوى، وسوف تعلن نتائج الربع المقبل فى فبراير القادم، لكى يتمكن الجميع والمهتمين بالمتابعة من قراءة التغيرات وإجراء المقارنات والتعرف على رد فعل السوق على السياسات الاقتصادية أو القرارات الإدارية المنظمة.
وبالطبع سوف تتيح المنصة الجديدة التوافق والمقابلة بين الراغبين فى العمل، وما تبحث عنه الشركات والمصانع من مهارات أو خبرات خاصة.
ولكن مما تجدر الإشارة إليه وما كشفت عنه الدراسة، أن أكثر طلبات سوق العمل حاليا من فئة «المتعلمين» كانت فى مجالات، خدمة العملاء وتكنولوجيا المعلومات والبرمجيات، وكان الأقل طلبا هو قطاع السياحة والسفر وكذلك الصحافة وسوق المال!
أما الأشخاص العاديون «أصحاب الياقات الزرقاء».. فكانت أغلب الطلبات فى التسويق والمبيعات والتى لا تحتاج تعليم عالى. وقد استحوذت محافظة القاهرة على المركز الأول سواء فى توفير الوظائف المتاحة، أو فى عرض الرغبات الوظيفية المطلوبة.
والمعنى والخلاصة.. أنه أصبح لدينا الآن ما يشبه «قاعدة بيانات» حقيقية لرغبات العمل، والوظائف المتاحة، وهو ما سوف سيتفيد منه الجميع، سواء كانوا باحثين عن وظائف أو طلاب فى مستويات التعليم المختلفة أو شركات تبحث عن عاملين، أو وهو الأهم صانع القرار الاقتصادى ، والسياسى أيضًا.
وأخيرا.. شكرا لكل من الأصدقاء عمر مهنى، رئيس المركز المصرى للدراسات الاقتصادية والدكتورة عبلة عبد اللطيف، مدير المركز ورئيس فريق العمل وأيضا لفريق الباحثين الذى أعد الدراسة وللأستاذ هشام عكاشة، رئيس البنك الأهلى.. على هذا العمل الجديد المفيد.