«القصر الأبلق».. وهذا ما قال عنه المقريزي؟

«القصر الأبلق».. وهذا ما قال عنه المقريزي؟ القصر الأبلق .. وهذا ما قال عنه المقريزي ؟

منوعات28-11-2021 | 13:26

يُعتبر القصر الأبلق في القاهرة أفخر القصور المملوكيَّة بمصر، وواحدًا من روائع عمارة المماليك، بناه السلطان الناصر محمد بن قلاوون محاكيًا به قصر الأبلق في دمشق، فجاء روعةً في البناء والزخرفة، وقد انتهى من بنائه سنة (714هـ=1314م)، وهو الآن ضمن أبنية قلعة الجبل في المكان المحصور بين مسجد محمد علي وقصر الجوهرة.

كان القصر الأبلق قائمًا في الجهة الغربية من قلعة الجبل، حيث المكان الواقع على يمين الداخل من البوابة الوسطى للقلعة على الساحة التي بها جامع محمد علي، وقد اندثر هذا القصر، وتقع بقايا هذا القصر في المكان المحصور بين مسجد محمد علي وقصر الجوهرة على الجانب الغربي لمنحدر جبل القلعة.

يُعتبر قصر الأبلق تحفةً معماريَّةً إسلاميَّة، ومن أعظم أبنية عصره. وحرص الناصر محمد علي أن يجعله من أعظم أبنية زمنه، فجمع له مهرة الصُّنَّاع في البناء والزخرفة، وكانت واجهته مكوَّنة من أشرطة عرضيَّة متوازية من الأحجار ذات اللونين الأسود والأصفر على التوالي‏.‏

ويتكوَّن من ثلاثة مستويات: المستوى العلوي المكشوف، ويُمكن رؤيته إذا وقفنا عند سور القلعة أمام مسجد محمد علي في الجهة الغربية ونظرنا إلى أسفل المنطقة‏،‏ ويتم الوصول إليه عن طريق سُلَّم، وينقسم هذا المستوى إلى جزءين مختلفين في المنسوب، بينهما سور، ويوجد انهيار في جزءٍ من أرضيَّة هذا المستوى، كما توجد بعض الحوائط المبنيَّة حديثًا‏. أمَّا المستوى الأوسط للقصر فنصل إليه عبر سُلَّم حلزوني مثل آخر مدخلين للقصر. أمَّا المستوى الثالث فيوجد بجوار قصر الجوهرة، ويقع معظمه أسفل مسجد محمد علي، ويتكوَّن الجزء السفلي من جزءين يحتاج أحدهما إلى عمليَّة اسكشاف‏.‏

وقد أورد تقيُّ الدِّين المقريزي في كتابه المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار، ذكر قصر الأبلق، فقال: "القصر الأبلق: هذا القصر يُشرف على الاصطبل، أنشأه الملك الناصر محمد بن قلاون في شعبان سنة ثلاث عشرة وسبعمائة (713هـ)، وانتهت عمارته في سنة أربع عشرة (714هـ)، وأنشأ بجواره جنينة، ولمـَّا كمل عمل فيه سماطًا حضره الأمراء وأهل الدولة، ثُمَّ أفيضت عليهم الخلع، وحمل إلى كلِّ أميرٍ من أمراء المئين ومقدِّمي الألوف ألف دينار، ولكلٍّ من مقدِّمي الحلقة خمسمائة درهم، ولكلٍّ من أمراء الطبلخاناه عشرة آلاف درهم فضَّة، عنها خمسمائة دينار، فبلغت النفقة على هذا المهم خمسمائة ألف ألف درهم وخمسمائة ألف درهم.

وكانت العادة أن يجلس السلطان بهذا القصر كلَّ يومٍ للخدمة ما عدا يومي الاثنين والخميس؛ فإنَّه يجلس للخدمة بدار العدل ، وكان يخرج إلى هذا القصر المطل على الاصطبل، وتارةً يقعد دونه على الأرض والأمراء وقوف خلا أمراء المشورة والقرباء من السلطان؛ فإنَّه ليس لهم عادةٌ بحضور هذا المجلس، ولا يحضر هذا المجلس من الأمراء الكبار إلَّا من دعت الحاجة إلى حضوره، ولايزال السلطان جالسًا إلى الثالثة من النهار، فيقوم ويدخل إلى قصوره الجوَّانيَّة، ثم إلى دار حريمه ونسائه، ثم يخرج في أخريات النهار إلى قصوره الجوَّانيَّة فينظر في مصالح ملكه، ويعبر إليه إلى قصوره الجوَّانيَّة خاصَّته من أرباب الوظائف في الأشغال المتعلِّقة به، على ما تدعو الحاجة إليه، ويُقال لها خَدَمَة القصر.

وهذا القصر تجاه بابه رحبة يسلك إليها من الرحبة التي تجاه الإيوان، فيجلس بالرحبة التي على باب القصر خواص الأمراء قبل دخولهم إلى خدمة القصر، ويمشي من باب القصر في دهاليز مفروشة بالرخام، قد فرش فوقه أنواع البسط إلى قصر عظيم البناء شاهق في الهواء، بإيوانين أعظمهما الشمالي، يطل منه على الاصطبلات السلطانية، ويمتدُّ النظر إلى سوق الخيل والقاهرة وظواهرها إلى نحو النيل وما يليه من بلاد الجيزة وقراها، وفي الإيوان الثاني القبلي باب خاص لخروج السلطان وخواصِّه منه إلى الإيوان الكبير أيَّام الموكب، ويدخل من هذا القصر إلى ثلاثة قصور جوَّانيَّة، منها واحدٌ مسامتٌ لأرض هذا القصر، واثنان يصعد إليهما بدرج، في جميعها شبابيك حديد تشرف على مثل منظرة القصر الكبير.

وفي هذه القصور كلِّها مجاري الماء مرفوعًا من النيل بدواليب تديرها الأبقار من مقرِّه إلى موضع ثم إلى آخر، حتى ينتهي الماء إلى القلعة ويدخل إلى القصور السلطانيَّة وإلى دور الأمراء الخواصِّ المجاورين للسلطان، فيجري الماء في دورهم، وتدور به حمَّاماتهم، وهو من عجائب الأعمال لرفعته من الأرض إلى السماء قريبًا من خمسمائة ذراع من مكانٍ إلى مكان، ويدخل من هذه القصور إلى دور الحريم، وهذه القصور جميعها من ظاهرها مبنيَّة بالحجر الأسود والحجر الأسفر، موزَّرة من داخلها بالرخام والفصوص المذهَّبة المشجرة بالصدف والمعجون وأنواع الملونات، وسقوفها كلُّها مذهَّبة قد موِّهَت باللازورد، والنور يخرق في جدرانها بطاقات من الزجاج القبرسي الملون كقطع الجوهر المؤلَّفة في العقود، وجميع الأراضي قد فُرِشت بالرخام المنقول إليها من أقطار الأرض ممَّا لا يوجد مثله، وتشرف الدور السلطانية من بعضها على بساتين وأشجار وساحات للحيوانات البديعة والأبقار والأغنام والطيور الدواجن .

أضف تعليق