كاميرا عمياء لصاحب بلا بصيرة

كاميرا عمياء لصاحب بلا بصيرةإيهاب القسطاوى

الرأى21-12-2021 | 18:31

كما جرت العادة فى مصر، وتواكبًا مع نشر أي صورة أو مقطع فيديو ما، بغض النظر عن قيمتهما أو أهميتهما، أو مدى تقبل المجتمع لهما، تشتعل ساحات الفضاء الأزرق، كالنار المضرمة فى الهشيم، وتطفو على السطح الافتراضي كائنات إلكترونية منعدمة المشاعر، كنسَخ باهتة مكررة، منزوعة الرؤية والهدف لا تحمل فى طياتها سوى السخرية والاستهزاء والسبّ والشتم واللعن، ومن ثم يقومون بنصب المشانق بيد، وبالأخرى يمنحون صكوك الغُفران على من يسير فى ركبهم الضال، ورمي تهم الجهل والتخلّف على من يخالفهم الرأي.

فقد ضجت ساحات الفضاء الأزرق خلال الأيام القليلة الماضية بسيل متدفق من التدوينات الساخرة متناولة فيديو لبائع سبح بسيط، يبدو من هيئته أنه يُعاني من اضطراب نفسي، قاده حظه العاثر أن يقع فريسة سائغة فى شراك كاميرا عمياء لصاحب بلا بصيرة وهو يقبع على رصيف أحد شوارع حي الدقي بمحافظة الجيزه متكئًا على همومه، فيقوم على الفور من دون تردّد كذئب جائع كان ينتهز الفرصة للانقضاض على فريسته دون وازع سليم من ضمير له، بالتقاط مقطع فيديو له، والحديث معه عن سبب بقائه على الرصيف، فيجيبه الرجل بعفوية وتلقائية، قائلا له: إن طليقته التي انفصلت عنه هى من طردته من المنزل بسبب إتلافه للثلاجة وبعض أواني وأدوات المطبخ الأخرى، ثم يقوم هذا الشخص صاحب الكاميرا العمياء بإلقاء هذا الصيد الثمين فى عمق ساحات الفضاء الأزرق البعيدة، كطعم جذاب لآلاف من الكائنات الإلكترونية لتبدأ مأساة الرجل وعائلته، ليتعرضوا لقدر كبير من السخرية والاستهزاء، ويصبح الرجل بين ليلة وضحاها حديث الساعة، ويحقق مقطع الفيديو رواجاً كبيراً من قِبل رواد الفضاء الأزرق، ويحصد كما كبيرا من التدوينات الساخرة، ويخلق حالة من الجلبة والبلبلة، لدرجة دفعت بعض المواقع الإعلامية أن تطلق عليه لقب رجل الثلاجة، لتجني أسرة هذا الرجل المزيد من الأزمات والمشاكل الصحية والاجتماعية جراء نشر هذا المقطع.

والحقيقة أنني إذ أستغرب من تداول هذا الفيديو على أوسع نطاق ممكن، أشد الاستغراب، فإنني قد أتفهم أننا قد نقع فى شعور السخرية والاستهزاء عندما نرى أشخاصًا تصدر عنهم أعمال تتسم بالحمق وهم بكامل صحتهم النفسية، فيثيرون سخريتنا، فهل صدر من هذا الرجل المريض ما يثير السخرية ؟!

ويبقى السؤال الأهم؟ ألم نحكم عقولنا وضمائرنا ولو للحظة واحدة قبل المضي فى اتخاذ أي قرار قد يؤثر على حياة إنسان فيقلبها رأسا على عقب؟! ألم نتساءل ولو للحظة؟! هل هذا الرجل مريض، وبحاجة إلى علاج نفسى؟!

وفى النهاية وحتى نكون منصفين وموضوعيين، فإن من الحق الإقرار أن مجتمعاتنا العربية تعد من أسوأ من استخدم مواقع التواصل الاجتماعي فى العالم على الإطلاق، بعد أن جردوها من مضمونها المتمثل فى صُنع علاقات جيدة مع الآخرين، وحولوها إلى ساحات للسخرية والاستهزاء والسبّ والشتم واللعن.

أضف تعليق