قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في ذلك: (إذا أحبَّ اللَّهُ عَبدًا حماهُ الدُّنيا كَما يظلُّ أحدُكُم يَحمي سَقيمَهُ الماءَ).
فالله يحمي العبد الذي يُحبّه من فِتن الدُّنيا، كالأموال، والزخارف، والزينة، وغيرها؛ بأن يمنعها عنه كما يمنع الإنسان قريبَه المريض من الماء إذا طلب منه الطبيب ذلك؛ لأنّ فيه ضرراً عليه.
ويشير الحديث السابق إلى أنّ ما يقع للعبد من حرمان في بعض ما يراه النّاس خيراً هو في حقيقته خيرٌ أراده الله لعبده، وقد لا يعلم المرء علّة المنع أو ما ادّخره الله تعالى له جزاءً لصبره، وفيه دلالة كذلك على أنّ منع الله النّعمة عن بعض عباده المتّقين ليس سخطاً عليهم، بل حبّاً لهم ورفعاً لدرجاته.
اتِّباع المسلم للرسول
قال -تعالى- واصفاً قول النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّـهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّـهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).
تواضُع المؤمنين لبعضهم وعزّتهم في دينهم
وصفَ الله -تعالى- العباد الذين يُحبّهم بأنّهم لا يخشون لومة لائم في سبيل الله -تعالى-، وهم يتّصفون بأنّهم مُتواضعون، وغير مُتكبّرين، بعضهم على بعض، إلى جانب كونهم أعزّة في دينهم؛ فقد قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّـهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّـهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّـهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ).
كتابة القبول للعبد في الأرض
قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في ذلك: (إِذَا أحَبَّ اللَّهُ العَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ: إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فأحْبِبْهُ، فيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، فيُنَادِي جِبْرِيلُ في أهْلِ السَّمَاءِ: إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فأحِبُّوهُ، فيُحِبُّهُ أهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ له القَبُولُ في الأرْضِ).
تسخير العبد جوارحَه لله تعالى
يُسخّر العبد جوارحَه لله -تعالى-، ووصول العبد إلى هذه المرحلة يوصله إلى مرحلة الولاية، وهو في هذه الدرجة لا يسمح لحَواسّه إلّا أن تُستعمَل فيما يُحبّه الله -تعالى-؛ فلا يستعمل يدَيه في الأخذ والعطاء إلّا بما يُرضي الله -تعالى-.
ولا يسمع بأذنَيه إلّا ما أحبّه الله -تعالى-، ولا يمشي برجلَيه إلّا إلى ما يُحبه الله -تعالى-، ولا يرى بعينَيه إلّا ما يُحبّه الله -تعالى-؛ قال -تعالى- على لسان نبيّه -عليه الصلاة والسلام: (فإذا أحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الذي يَسْمَعُ به، وبَصَرَهُ الذي يُبْصِرُ به، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بها، ورِجْلَهُ الَّتي يَمْشِي بها، وإنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، ولَئِنِ اسْتَعاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ).
إخلاص العبد لله تعالى
إخلاص العمل لله -تعالى- يُوجِب مَحبّته؛ لأنّ المَحبّة ثمرة من ثمرات الإخلاص، ومن حقّق مَحبّة الله، حقَّق مَحبّة الملائكة، ومَحبّة الناس جميعاً.
حبّ العبد للقاء الله
في الجنّة يتشوّق كلّ محبوب دائماً إلى رؤية محبوبه ولقائه، ولا يتعارض هذا الحبّ مع كراهة المؤمن للموت؛ لأنّ لقاء الله -تعالى- الذي يُحبّه المؤمن يأتي بعد الموت؛ أي في جنّة الخُلد؛ قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم: (مَن أَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ، أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَمَن كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ، كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ).
نيل العبد القُرب من الله تعالى
يُحبّ الله -تعالى- العبد؛ فيدفع عنه مشاغل الدُّنيا، ويُطهّره من المعاصي، ويُبعده عنها؛ ليتسنّى له الوصول إلى مرتبة الإحسان؛ فيعبد الله -تعالى- كأنّه أمامه ويراه.
ابتلاء الله -تعالى- للعبد قال -صلّى الله عليه وسلّم- في ذلك: (إنَّ عِظمَ الجزاءِ مع عِظمِ البلاءِ ، وإنَّ اللهَ إذا أحبَّ قومًا ابتَلاهم ، فمَن رَضي فله الرِّضَى ، ومَن سخِط فله السَّخطُ).
اتِّصاف العبد بالرفق
قال -صلّى الله عليه وسلّم- في ذلك: (إنَّ اللهَ إذا أحبَّ أهلَ بيتٍ أدخلَ عليهِمُ الرِّفقَ).[١٩] حُسن تدبير الله تعالى للعبد يجعل الله -تعالى- العبد مشغولاً بعبادته، ويُشغل لسانَه بذِكره، ويُشغل جوارحه بطاعته وعبادته، ويكون همّه نيل رضوان الله -تعالى-، ومن ذلك اصطفاء الله -تعالى- لأنبيائه إبراهيم وموسى -عليهما السلام-.
- التمسّك بالطاعات والقُربات، والامتثال لله ولرسوله في الأوامر والنواهي؛ حيث إنّ الشيطان يعتزل مواطن ذكر الله تعالى، وأهمّها لحظات سجود العبد، يقول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (إذا قرَأ ابنُ آدَمَ السَّجدةَ فسجَد اعتزَل الشَّيطانُ يبكي ويقولُ: يا ويلَه أُمِر ابنُ آدَمَ بالسُّجودِ فسجَد فله الجنَّةُ وأُمِرْتُ بالسُّجودِ فأبَيْتُ فلِيَ النَّارُ).
- الحرص على اجتناب البدع، ويكون ذلك بالإقبال على العلم، والتعرّف على هدي النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- الذي جاء عنه أنّه قال: (إياكم ومحدثاتِ الأمورِ، فإنّ كلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ).