خلال الأيام القليلة الماضية تلاحقت التصريحات الأمريكية والإيرانية بشأن الاتفاق النووي الإيراني وبشائر عودة أمريكية إلى المفاوضات بعد أن أعلنت إدارة بايدن الأسبوع قبل الماضي تخفيف بعض العقوبات التي كانت تفرضها إدارة الرئيس الأمريكي السابق (دونالد ترامب) على طهران.
عقب ذلك الإعلان تلاحقت التصريحات من كلا الجانبين الأمريكي والإيراني رغم أن الإدارة الأمريكية كانت قد نفت نهاية شهر ديسمبر من العام الماضي حدوث أي تقدم فى المفاوضات ردًا على التصريحات الإيرانية فى ذلك الوقت، بل إن المتحدث باسم الخارجية الأمريكية ذكر فى بيان رسمي فى 16 ديسمبر 2021 أنه من السابق لأوانه الحديث على أي تقدم فى المفاوضات بشأن الاتفاق النووي الإيراني.
رغم حالة الجذب والشد والأخذ والرد بين واشنطن وطهران، كانت منطقة الخليج العربي تشهد أحداثًا تشير بقوة إلى أن الأذرع الإيرانية ما زالت تعبث بأمن واستقرار المنطقة، الأمر الذي يهدد الأمن والسلم الدوليين، فى الوقت الذي بدأ فيه تنظيم داعش يعود من جديد بوجه ورؤية مختلفة وهو ما يثير العديد من التساؤلات، أهمها ما يلي:
من وراء عودة تنظيم داعش الإرهابي للسطح مرة أخرى؟ فرغم إعلان واشنطن مقتل زعيم التنظيم إبراهيم القرشي الذي خلف أبو بكر البغدادي، إلا ما نُشر على صفحات الصحف الأمريكية عن خلفية الإرهابي إبراهيم القرشي طرح تساؤلات أخرى عديدة.
عمل القرشي مخبرًا للجيش الأمريكي فى العراق، ونفذ مع الجيش الأمريكي العديد من العمليات وكانت مكافأة القيادة الأمريكية له عقب إفشائه أسرار التنظيم هو إطلاق سراحه من السجن.
وفى الوقت الذي كانت تلوح فى الأفق بوادر انفراجة فى العلاقات الإيرانية الأمريكية، كانت أذرع طهران من الحرس الثوري والحوثيين وحزب الله تواصل العبث بمزيد من العمليات الإرهابية ضد كلا من المملكة العربية السعودية والإمارات، بالتزامن مع العمليات التي يقوم بها التنظيم الإرهابي (داعش) فى كلا من العراق وسوريا.
ربما بدا إلى البعض أنه ليس ثمة علاقة بين المشهدين، إلا أن المدقق فى الأحداث يدرك الروابط والتقاطعات التي تربط كلا من طهران وأذرعها الخارجية وحرسها الثوري بالتنظيمات الإرهابية خاصة تنظيم داعش.
فى الوقت ذاته، كانت الاجتماعات بين واشنطن وطهران بشأن الاتفاق النووي الإيراني تتحرك باتجاه تخفيف العقوبات عن الأخيرة.
وبحسب تصريحات مسؤول أمريكي رفيع المستوى، فقد أعادت إدارة الرئيس جو بايدن إعفاء إيران من العقوبات مع دخول المحادثات غير المباشرة بين الولايات المتحدة و إيران بشأن العودة إلى الاتفاق النووي لعام 2015 المرحلة النهائية.
وكان هذا الإعفاء يسمح للشركات الروسية والصينية والأوروبية بتنفيذ عمليات لا تتعلق بالانتشار النووي فى المواقع النووية الإيرانية، وقد ألغت الولايات المتحدة هذا الإعفاء فى 2019 و2020 خلال حكم إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب الذي انسحب من الاتفاق النووي.
وأرسلت وزارة الخارجية الأمريكية تقريرًا موقعًا من وزير الخارجية أنتوني بلينكن إلى الكونجرس يوضح أن إعادة الإعفاء ستساعد المحادثات فى فيينا بشأن العودة إلى الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين إيران ومجموعة من الدول من بينها الصين وفرنسا وألمانيا وروسيا وبريطانيا والولايات المتحدة، ويُطلق على الاتفاقية رسميًا اسم «خطة العمل الشاملة المشتركة».
وأضاف التقرير أن الإعفاء «يهدف أيضًا لخدمة مصالح الولايات المتحدة فى عدم الانتشار والأمن النووي وفرض قيود على الأنشطة النووية الإيرانية».
على الجانب الآخر، رأى وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان أن الإجراءات الأمريكية بشأن رفع العقوبات المفروضة على طهران «جيدة لكن غير كافية».
وإبان حالة السجال تلك والتصريحات المتبادلة بين واشنطن وطهران، استهدف الحوثيون عددًا من المواقع المدنية والحيوية فى كلا من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة بطائرات مسيرة وصواريخ باليستية، وقد تصدت الإمارات للعديد من تلك المحاولات وكذلك المملكة العربية السعودية، إلا أن واشنطن التي تسعى إلى العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران لم تبلغ إيران احتجاجها على ما يحدث ويقوض أمن الخليج العربي، رغم أنها تعلم العلاقة القوية بين الحوثيين وإيران.
اكتفت واشنطن ببيان مقتضب جاء على لسان المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس فى مؤتمر صحافى ذكر فيه إن «الهجمات على الإمارات والسعودية، وكذلك الضربات الجوية الأخيرة على اليمن التي قتلت مدنيين، تمثل تصعيدًا مقلقًا لا يؤدي سوى إلى مفاقمة معاناة الشعب اليمني».
وأضاف «نجدد التزامنا بالمساعدة فى تعزيز دفاعات شركائنا السعوديين والإماراتيين».
ولم يُجرِّم البيان أفعال الحوثيون أو يصف ما حدث بأنه جريمة إرهابية، بل ولم يلفت النظر إلى الداعم والممول الأكبر لجماعة الحوثي الإرهابية (إيران).
إن إدارة بايدن التي تتحدث عن السعودية والإمارات كشركاء استراتيجيين فى منطقة الخليج العربي هي من اتخذت قرار بإلغاء تصنيف جماعة الحوثي كمنظمة إرهابية أجنبية بدءًا من 16 فبراير 2021؛ كما تذرعت إدارة بايدن بأنها تهدف إلى تخفيف حدة أسوأ أزمة إنسانية فى العالم وتعزيز الجهود الدبلوماسية لإنهاء الحرب الأهلية اليمنية.
رغم أن الإدارة الأمريكية تتابع العمليات الإرهابية التي يقوم بها «جماعة أنصار الله»، وهو المسمى الذي تطلقه على الحوثيين، ولكن التصرفات الأمريكية والقرارات المتخذة بشأن التعامل مع إيران يكشف حجم العلاقة بين واشنطن وأدوات زعزعة أمن واستقرار المنطقة (الخليج).
وهنا قد يتساءل البعض: ما مصلحة واشنطن من استمرار تهديد أمن المنطقة وحالة التوتر التي تشهدها؟
الإجابة كشفتها صحيفة «واشنطن بوست» وعددٌ من الصحف الأمريكية الأخرى والجارديان البريطانية عندما تحدثت عن شكل جديد للتنظيمات الإرهابية وتطور قد تشهده المنطقة.. خاصة العراق وسوريا وشمال إفريقيا، فيما يتعلق بشكل التنظيم الإرهابي (داعش) إذ لن يكون ثمة حديث مرة أخرى عن إقامة الدولة، ولكن ستظهر عمليات إرهابية متفرقة فى تلك الدول بعد أن استحدث التنظيم مصادر جديدة للتمويل والدعاية والاعتماد بشكل أكبر على المواجهات غير المباشرة كما حدث فى العراق مؤخرًا من هجمات على ارتكازات أمنية واغتيال عناصر معينة، بالإضافة إلى العودة إلى عمليات الخطف وطلب الفدية من أجل توفير الأموال للتنظيم.
كما سيعمل التنظيم من خلال مناطق متفرقة تتواصل فيما بينها وتعمل على استنزاف اقتصاد الدول الموجودة بها وتجعل الحكومات غير قادرة على الموجهة لتسقط فى خطر الفشل وتصبح الحكومات غير قادرة على تلبية مطالب شعوبها وعدم الشعور بالأمن، وسيستهدف أفراد التنظيم الجدد المنشآت الحيوية فى البلدان التي ينشطون بها.
يمنح هذا المشهد المتوتر فى المنطقة الولايات المتحدة فرصة الحصول على مزيد من مبيعات الأسلحة فى الوقت نفسه يمنح إسرائيل فرصة استراتيجية لمزيد من التوسع فى الاستيطان على حساب الأراضي الفلسطينية وسط انشغال تام بحالة التوتر الموجودة فى الشمال (سوريا والعراق) أو استهداف الحوثي للأراضي السعودية والإمارات.
كما يمنح إيران فرصة أكبر لمواصلة دعم وتقوية أذرعها فى المنطقة فى ظل تغافل متعمد من جانب الولايات المتحدة والقوى الدولية عن العلاقة بين أذرع إيران و تنظيم داعش خاصة فى بلاد الشام والعراق.
فى الوقت الذي كانت طهران تعلن فيه دعمها للعراق وسوريا فى المواجهة ضد التنظيم الإرهابي، كان فيلق القدس الإيراني فى الحرس الثوري ينفذ، بالتنسيق مع مليشيات حزب الله اللبنانية ومليشيات الحشد الشعبي التابعة لإيران، عمليات نقل المئات من مسلحي تنظيم داعش من سوريا إلى العراق، وتزويدهم بالأسلحة والذخائر ضمن مخطط إيراني لإعادة الحياة للتنظيم الإرهابي.
هذا ما كشفه تقرير خبراء فى الأمم المتحدة زعموا أن إيران تعمل على لملمة شتات تنظيم «داعش» وجيوبه فى سوريا لإعادة تأهيل وبناء التنظيم.
ورغم أن البعض يرى أنه من المستحيل أن تكون ثمة علاقة بين تنظيم داعش و إيران نظرًا للاختلاف المذهبي بين الاثنين (سنة وشيعة)، إلا أن المصالح هي التي تحكم تلك العلاقة، فطهران تستهدف ضرب استقرار المنطقة من خلال ذلك التنظيم الإرهابي، والأخير (داعش) يستهدف استمرار تواجده بالمنطقة وتقوية جيوشه وزيادة أعداد عناصره مرة أخرى بعد أن فقد عددًا كبيرًا من عناصره السابقة خلال المواجهة.
ريان والسوشيال ميديا
الحالة التي عاشتها المنطقة العربية والعالم من حبس الأنفاس وتوحيد الدعوات من أجل الطفل المغربي «ريان» - الذي سقط فى أحد الآبار وظل بها لمدة 5 أيام وبعد محاولات الإنقاذ خرج الطفل من البئر لكنه كان قد فارق الحياة - كشفت حجم تأثير السوشيال ميديا فى المشهد الإعلامي وتأثيرها على العقل الجمعي.
كان المشهد الذي تحول إلى حدث عالمي بمثابة شهادة جديدة تثبت نفوذ السوشيال ميديا ودليل على قدرتها على خلق حالة وتوجيه الإعلام حسب توجهاتها.
فقد تحولت أنظار كافة وسائل الإعلام فى العالم لمتابعة عملية إنقاذ الطفل، ولم نجدها تتوحد لكشف الجرائم اليومية لقوات الاحتلال الإسرائيلي ضد أطفال فلسطين فى حي الشيخ جراح.
هنا لا بد أن نتساءل: من وراء جعل خبر سقوط الطفل «ريان» حديث الساعة «ترند» على السوشيال لتتلقفه كافة وسائل الإعلام ويصبح الحدث الأبرز والأهم؟!