الأرض التى نصلحها أو نزرعها تأكلها البيوت التى نبنيها.. لكن هناك حل!

الأرض التى نصلحها أو نزرعها تأكلها البيوت التى نبنيها.. لكن هناك حل!د. مصطفى

كنوز أكتوبر20-2-2022 | 15:53

وقفة مع مشاكلنا الزراعية.. كيف نوفر احتياجاتنا من المواد الغذائية؟.. الحل فى إقامة المجمعات الزراعية الصناعية.. لكن كيف يتم ذلك فى ظل تفتيت الملكية الزراعية؟.. يجيب عن هذا التساؤل وغيره أول من وضع أسس هذه الفكرة فى مصر.. د. مصطفى الجبلى، وزير الزراعة السابق.

إن قضية الزراعة فى مصر محيرة.. أما لماذا؟ فلأننا أكلنا من الأراضى الزراعية القديمة لحساب المساكن بما يعادل ما أضفناه من الأراضى الجديدة.. وأننا أنفقنا 650 مليونا من الجنيهات على استصلاح هذه الأراضى، إنها عملية مكلفة.

ولقد بحثوا عن الحل لكى نوفر احتياجاتنا من المواد الغذائية، ونحقق الاكتفاء الذاتى منها، فوجدوا أن الحل والمخرج يتحقق بإقامة المجمعات الزراعية الصناعية.

ولأن الفكرة مازالت فى بدايتها، فإن الأمر يحتاج إلى وقفة، لنناقش عوامل النجاح والفشل إذ كيف نستطيع إقامة هذه المجمعات فى ظل التفتيت الرهيب فى الملكية الزراعية عندنا، إن أكثر من أربعة ونصف مليون فدان، وتمثل 78% من المساحة الزراعية لا تصلح لإقامة المجمعات الزراعية الصناعية، إنها تحتاج إلى مساحات شاسعة لا تتوافر فى هذا القطاع، والأمر يحتاج إلى نظرة جديدة على قانون الإصلاح الزراعى، وإلى سلسلة من الإجراءات والقوانين.

وإذا كانت الأراضى الجديدة التى يملكها القطاع الحكومى – وهى تقدر بحوالى 300 ألف فدان – صالحة للتطبيق الفورى لفكرة المجمعات الزراعية الصناعية، فلماذا يتم التصرف فيها بالتوزيع أو بالبيع، إنها سياسة لا تتفق مع التطبيق.

ثم قطاع الإصلاح الزراعى الذى يمثل 18% من المساحة الزراعية، رغم أنه نواة حقيقية لإقامة المجمعات، فإن ما يحدث فى إدارة هذا القطاع لا يسمح بالتطبيق كذلك، فما هو المطلوب؟

كل هذه التساؤلات كانت موضوع الحوار الذى دار مع د. مصطفى الجبلى، وزير الزراعة السابق، ورئيس منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة.

أما لماذا د. الجبلى بالذات.. فلأنه المصرى الوحيد الذى استعانت به بلغاريا فى إقامة المجمعات الزراعية الصناعية بها فى الفترة من عام 1969 حتى عام 1972، وهو أول من وضع أسس هذه الفكرة فى مصر عام 1968 فى الأراضى الجديدة.

قلت له:

يظهر أن هناك خلطا بين المجمعات الزراعية الصناعية كفكرة.. وبين الصناعات الزراعية كنشاط صناعى، عندنا مثلاً قطاع يشرف على الصناعات الزراعية، ويتضمن حوالى 30 شركة، إنها تعتمد على الخامات الزراعية، مثل صناعة السكر والزيوت والأغذية المحفوظة وغيرها، ولقد بدأ هذا القطاع عام 1960، ووصل إنتاجه هذا العام 534 مليونا من الجنيهات.

وكان رد د. الجبلى:

أن المجمع الزراعى الصناعى هو نوع من التكامل بين أنشطة زراعية لإنتاج سلع زراعية كمادة أولية، وأنشطة صناعية تحويلية على نفس المزرعة، وأنشطة اجتماعية تتناول العلاقات الإنتاجية بين جميع العاملين فى المجمع.
أما التصنيع الزراعى كما هو ممارس حاليًا فيمثل نشاطا صناعيا تمويليا مستقلاً، ولا تربط بين القائمين به وبين المنتجين الزراعيين للمواد الخام علاقات إنتاجية مباشرة ولذلك نشأت فجوة بين عملية الإنتاج الزراعى للمواد الأولية وعملية التمويل الصناعى وبين العاملين فى الزراعة والعاملين فى الصناعة.

إننا نحتاج إلى العديد من المجمعات الزراعية الصناعية ولكنى أتساءل: هل يمكن أن ننتقل فجأة من مرحلة الزراعة المتخلفة إلى مرحلة المجمعات؟!

إننا لا نستطيع، إذًا لا بد لنجاح الفكرة أن تتوافر عدة عوامل.

ويوضح د. الجبلى مقومات النجاح أنها تتمثل فى ضرورة توافر وحدات إنتاجية زراعية كثيرة، ثم ضرورة التخصص فى الإنتاج النباتى والحيوانى بما يسمح بإنتاج سلع متجانسة صالحة للتمويل الصناعى، وضرورة الاهتمام بإدخال الميكنة الزراعية بالقدر الذى يسمح برفع الكفاية الإنتاجية للعامل الزراعى إلى مستوى العامل الصناعى.

وبينما تبلغ قيمة الإنتاج للعامل الزراعى نحو 370 جنيها فى السنة، فإنها للعامل الصناعى تبلغ 2200 جنيه فى السنة.

إننا فى تحليلنا للقطاع الزراعى فى مصر نجد أنه يحتاج إلى نظرة جديدة، حتى تتحقق فكرة إقامة هذه المجمعات.

ففى بلغاريا مثلاً وهى دولة اشتراكية، نجد أنها أقامت هذه المجمعات على مساحات شاسعة تسير بنظام التفاتيش الزراعية.

وفى الدول الرأسمالية ليست هناك مشكلة، فالملكيات الزراعية فيها واسعة، أما فى مصر فإن الأمر يختلف.

ويستكمل د. الجبلى الحديث وهو يقول:

ذلك لأن عندنا ثلاثة قطاعات مميزة: القطاع الحكومي مثلاً.. وهو عبارة عن الأراضى المستصلحة التى لم يتم التصرف فيها بالبيع أو التوزيع، وتبلغ مساحتها حوالى 300 ألف فدان، وظروف هذا القطاع من حيث المساحة ونظام الاستغلال الزراعى يسمح بالبدء الفورى فى تنفيذ فكرة إقامة المجمعات الزراعية الصناعية على أساس من التركيز والتخصص فى الإنتاج والميكنة والتصنيع الزراعى، وتعتبر مناطق مريوط وشمال التحرير وغرب النوبارية وجنوب التحرير وغرب المنصورية، ملائمة لتطبيق الفكرة، إذ لا تعانى حاليا من التفتيت أو البعثرة، التى تعانى منها الزراعة فى الأراضى القديمة.

وهنا يظهر تناقض بين المناداة بالسير فى اتجاه المجمعات الزراعية الصناعية والتى تحتاج إلى مساحة كبيرة نسبيًا من الأراضى الزراعية، وبين سياسة بيع وتوزيع الأراضى الجديدة فى وحدات مفتتة صغيرة يصعب تجميعها مستقبلاً..

ولما كانت مساحة الأراضى المستصلحة التى يمكن تطبيق فكرة المجمعات الزراعية الصناعية بها لا تتعدى 300 ألف فدان أى أقل من 5 فى المائة من المساحة الكلية فإن قصر المجمعات على هذه الأراضى لن يحل المشكلة الزراعية أو يحقق اكتفاء ذاتيا.

وقطاع الإصلاح الزراعى؟

هو الآخر يحتاج إلى تقييم لإقامة هذه المجمعات.

إنه يشمل نحو مليون فدان موزعة فى وحدات صغيرة تتراوح ما بين 3 – 5 أفدنة، ومجمعة فى دورات محصولية ذات مساحة تبلغ نحو عشرين فدانا أو أكثر، ثم جمعيات تعاونية تساهم جزئيا فى عمليات إنتاج وتسويق المحاصيل، ويمكن لهذا القطاع أن يبدأ خطوات جدية نحو إنشاء المجمعات الزراعية الصناعية.

وقد بدأت بالفعل بعض مناطق الإصلاح فى إبيس وإنشاص نوعا مبسطا من المجمعات عام 1972 فى مجالات تربية الدواجن وتسمين المواشى وإنتاج الألبان.

وفى رأينا أن لدى هذا القطاع نواة من التنظيم الزراعي السليم ودرجة من الميكنة تسمح بالسير فى تطوير الزراعة الصناعية، ولابد من التوسع فى تجميع المحاصيل بحيث يقسم زمام الجمعية التعاونية إلى ثلاثة أقسام تتراوح مساحة الوحدة المحصولية بين 300 إلى 500 فدان بما يسمح بتطبيق مبدأ التركيز ثم التخصص فى الإنتاج وتعميم الميكنة.

لكن بهذا الشكل فإن مساحة وإمكانيات الجمعية التعاونية المحلية الواحدة لا تسمح بتحقيق الفكرة؟

هذا صحيح، ولابد من أن يشترك عدد من الجمعيات المحلية – من 10 إلى 15 جمعية – زمامها حوالى من 10 إلى 15 ألف فدان فى إنشاء المجمع الزراعى.

على أساس أن تتخصص كل جمعية فى إنتاج أحسن ما هى مهيأة له، مع ضرورة تحقيق التكامل الرأسى بين أنشطة الجمعيات المختلفة فى إطار المسئولية المزدوجة مثل كل من التعاونية المحلية والتعاونية المشتركة.

ولابد من التنسيق والتكامل بين المجمعات الزراعية الصناعية على مستوى الإصلاح الزراعى ككل، عن طريق الجمعية العامة للإصلاح الزراعى، وذلك فى إطار الخطة التى تقرها الدولة.

إننا نحتاج إلى مدة لتحقيق عملية التحول هذه؟

عشر سنوات نحتاج إليها لكى ننتقل من مرحلة الزراعة التقليدية إلى مرحلة المجمعات الزراعية الصناعية بأراضى الإصلاح الزراعى، ولا شك فإن عملية التحويل سوف تؤثر على الإنتاج الزراعى كمًا ونوعا، ويحقق قدرا معقولا من الاكتفاء الذاتى.

ونأتى إلى لب المشكلة، إن مساحة أربعة ونصف مليون فدان تقف عقبة فى إقامة المجمعات الزراعية الصناعية، إن مساحة تمثل 78 فى المائة من مجموع المساحة الكلية يتمثل فيها كل مظاهر التخلف الزراعى والتشتت والتفتت، إن الملكية فيها لا تزيد على ثلاثة أفدنة.

فهل نترك هذه المساحة دون التفكير فى وسيلة للنهوض بها من البعثرة والتفتت؟

فيقول الدكتور الجبلى:

حقيقة إن هذا القطاع يعتبر أكثر القطاعات الثلاثة تخلفا من حيث تنظيم الإنتاج الزراعى والعلاقات الإنتاجية، وإذا كان قانون الإصلاح الزراعى لم يتناول حل المشكلة الزراعية فى أراضى الائتمان من جذورها، وبقى منوال الزراعة المبعثرة هو المنوال السائد فيما عدا القطن.

مما يتعذر معه تطبيق الأساليب الحديثة فى الزراعة أو الدخول إلى مرحلة المجمعات الزراعية الصناعية.

* والحل؟

إن إدخال المجمعات الزراعية الصناعية إلى هذا القطاع الهام والأساسى للاقتصاد الزراعى يحتاج أولاً إلى سلسلة من القوانين والإجراءات تشمل تحسين شكل الملكية وتجميع المحاصيل فى وحدات تسمح باستخدام وسائل الإنتاج الكبيرة، وتحويل الجمعيات التعاونية الخدمية إلى جمعيات إنتاجية متخصصة تتولى مسئولية التخطيط لتطوير الزراعة والإشراف على تنفيذ الخطة بما فيها تعميم المجمعات الزراعية الصناعية.

إن ذلك يحتاج إلى التحول من الزراعة المبعثرة إلى الزراعة المركزة المتخصصة على أساس تقسيم زمام كل قرية إلى ثلاث وحدات محصولية، وإشراف الجمعيات المشتركة على النشاط المتكامل بين الإنتاج الزراعى والصناعى فى إطار خطة الدولة.

إن تطوير هذا القطاع يعتبر أساسًا لأى حل جذرى لمشكلة الزراعة المصرية، وأن هذا التطوير هو مسئولية الدولة أولاً وأخيرًا.

* وقلت للدكتور الجبلى.

إذا كانت الدولة تسعى إلى تعميم المجمعات الزراعية الصناعية فهل نستطيع أن نتخيل التصور النهائى لهذا التعميم؟

إن ذلك يستدعى تقسيم الجمهورية إلى مناطق بيئية يحدد لكل منها نوع الاستغلال الأمثل لمواردها الأرضية والمائية والبشرية، على أساس التركيز والتخصص فى الإنتاج، كأن تخصص مناطق لزراعة الموالح، وأخرى للعنب وثالثة للبنجر، ورابعة للمحاصيل الزيتية وخامسة للخضر.. وهكذا.

على أن تقسم كل منطقة بيئية إلى عدد من المجمعات الزراعية الصناعية على أساس ما يمكن إقامته لكل منها من أنشطة زراعية صناعية متكاملة، فإذا ما تحققت هذه الخطوة فيمكن الانتقال إلى المرحلة الأخيرة الأكثر تقدمًا والتى تسمى بالمجمعات الصناعية الزراعية حيث تتجمع المجمعات التى تمارس أنشطة متماثلة فى مجمع واحد كبير يتطور فيه النشاط تدريجيا، بحيث تكون الغلبة فى النهاية للأنشطة الصناعية.

والهدف النهائى من تحديث وتصنيع الزراعة هو تحقيق الرخاء الاقتصادى والأمن الاجتماعى للعاملين فى هذا القطاع، وهذا ما يقتضى بذل كل جهد ممكن من أجل أن تتحول النظرية إلى واقع مطبق.

تم نشر المقال فى مجلة أكتوبر، ونعيد نشره ضمن كنوز أكتوبر

أضف تعليق

حظر الأونروا .. الطريق نحو تصفية القضية الفلسطينية

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
إعلان آراك 2