يا رجال الدين استيقظوا.. أجراس الخطر تدق الطريق!
«الحرية فى حقيقتها حق للفرد والتزام قبل المجتمع.. وإلا كانت الفوضى.. ولسنا رقباء على فكر الناس وعقيدتهم.. فدرونا يأتى عندما يتحول هذا الفكر إلى تنفيذى تخريبى يدخل فى إطار التجريم».
هذا نص من حوار اللواء حسن أبو باشا رئيس مباحث أمن الدولة فى ذلك الوقت يتحدث فيه عن التطرف والإرهاب والجماعات المتطرفة وخاصة جماعة «التكفير والهجرة».. وعن كيفية مواجهة الأفكار المتشددة قبل أن تستقطب الشباب بمنهج فكرى بعيد عن الإسلام.
الحوار نشر فى العدد السابع من مجلة أكتوبر عام 1976.. وما أشبه اليوم بالبارحة!
مباحث أمن الدولة.. اسم يزعج بعض الناس.. و أمن الدولة هو أمن المواطنين الشرفاء لا المنحرفين أو المخربين.
ورجال المباحث دورهم هو تأكيد سيادة القانون وتدعيم الحريات ورفع المعاناة عن الأفراد مع دراسة نقطة الضعف والثغرات فى جميع قطاعات الدولة، ثم عرضها على السلطات والقيادات لوضع القرارات على ضوء نبض الجماهير ومطالبها.
عملى كمدير مباحث أمن الدولة أن أحافظ أنا ورجالى على الشرعية الدستورية وأحميها فى هذا البلد.. واتخاذ الإجراء القانونى المناسب قبل الشخص الذى يعتدى على أمن الدولة بمعنى آخر أمن المواطنين.. وهذا هو التطبيق الفعلى والعملى لسيادة القانون والحماية الحقيقية للحرية.. لأن الحرية فى حقيقتها حق للفرد والتزام قبل المجتمع.. وإلا كانت الفوضى.. ولسنا رقباء على فكر الناس وعقيدتهم.. فدورنا يأتى عندما يتحول هذا الفكر إلى عمل تنفيذى تخريبى يدخل فى إطار التجريم أى أن قانون العقوبات يحرم هذا الفعل وهذا هو الفيصل بين الناس وهو التطبيق الحر لمبدأ سيادة القانون ما دام فى هذا العمل أو الفعل هدر الحريات.. وبذلك ترسى قواعد الديمقراطية.. ولا ديمقراطية بدون سيادة القانون.
وتأكيدًا لهذا المفهوم لم تتحرك أجهزة مباحث أمن الدولة بإلقاء القبض على بعض زعماء التنظيم المسمى (بجماعة التكفير والهجرة) إلا بعد أن قامت هذه القيادات والهجوم على منازل بعض الأفراد المنشقين عن هذه الجماعة بعد أن تبينوا أنها جماعة مضللة آثمة تدعو إلى التعصب والكراهية والبطش ودين الإسلام دين الحب والتسامح.. ففى فجر يوم 18 من هذا الشهر هل هذا دين الحب والتآخى لا الفوضى إذن الأمر مرفوض.. غابة.. بربرية.. والقتل والتخريب.. وبالرغم من أن بعضا من أعضاء هذه الجماعة قام منذ شهور بالاعتداء بالضرب على بعض الأفراد المنشقين.. وبالرغم من أننا نعرف جميع أسماء وعناوين منازل أغلب أعضاء هذه الجماعة إلا أننا لم نتدخل بالرغم أننا نعلم بهذا الفكر المشبوه وحاولنا معهم بشتى الطرق بالحوار والإقناع أن نبرز لهم مدى خطأ هذه التعاليم فقد اقتنع جزء منهم والباقى أصر على فكره وتركناهم ما دام هذا الفكر لم يخرج إلى حد الجريمة بشتى أنواعها.
متى بدأت هذه الجماعة؟
بدأت فى نشاطها عن طريق شكرى أحمد مصطفى الذى تمكن من ترويج بعض الأفكار الإسلامية المتطرفة الخاطئة وبثها فى مجموعات الشباب المثقف حديث السن، وبدأ ينادى بتكفير المجتمع ومفاصلته والانعزال عنه مع تجهيله وضرورة الهجرة إلى مناطق جبلية نائية تماثل فى طبيعتها البيئة التى ظهر فيها الإسلام فى جميع مراحله للاستعداد والتثقيف دينيا وإعداد العدة والسلاح والأفراد وتدريبهم للزحف على المجتمع الكافر والقضاء عليه وإقامة الدولة الإسلامية.
وقال اللواء حسن أبو باشا، مساعد وزير الداخلية ومدير مباحث أمن الدولة، أنا أسمى هذه الجماعة – وإن كان ذلك سيثير الناس – (جماعة الهيبز الإسلامية) فالإسلام لا يحض المسلم على ترك عمله أو دراسته وينعزل عن المجتمع بل يكفر به.. بل الإسلام يدعو إلى الحكمة والموعظة والمبادئ السامية.. كما أن هذه الجماعة تدعو إلى التحلل من القانون والعرف والتقاليد وبالذات فيما يتعلق بالزواج وتقاليد الأسرة المصرية الإسلامية.
وأخطر شىء هو موضوع العودة إلى الإرهاب.. فكل منشق على هذه الجماعة وكل مخالف لفكرهم لا بد من قتله ويطلقون عليه (التصفية الجسدية) والغريب فى الأمر أن جميع أعضاء هذه الجماعة وبالذات الشباب الصغير منهم تحت تنويم مغناطيسى يرددون كلاما لا يفهمونه ولا يعونه.
من الذى نصب المدعو شكرى أحمد مصطفى أميرًا لجماعة التكفير والهجرة ومن أعطاه هذه السلطة؟!
يكفى أن هذه الجماعة غررت بشباب مصر المثقف عماد الأمة ومستقبل هذا الوطن.. أجبروهم على ترك كلياتهم ومنهم المهندس والطبيب والمدرس والمحاسب.. بل أجبروهم على ترك وظائفهم لأن المرتبات التى يتقاضونها من الدولة مال حرام فيه الربا ويرتدون الجلاليب ويقومون ببيع الخضر والفواكه فى الشوارع والحوارى أو يبيعون الكتب فى ميدان الأزهر.. هذه خسارة على الدولة وضياع لشباب مصر وتتصور مدى الحزن والحسرة اللتين ينتابان أهاليهم.
قلت.. وما الحل فى رأيك؟
هذه الجماعة كتلة حقد على المجتمع تتنفس الكراهية وتنفث سمومها فى زهرة الشباب وتستقطبه بمنهج فكرى ليس من الإسلام فى شىء.. وهذه الجرائم التى ترتكب بواسطة زعيم هذه الجماعة وبعض قياداتها والتى ظهرت فى الفترة الأخيرة فى المعصرة و مصر الجديدة وإمبابة والهرم والإسكندرية لا تعالج بزاوية أمنية فقط.. لأن القضية تمثل زوايا كثيرة.. دينية واجتماعية ونفسية وهناك فراغ دينى كبير بين الشباب.. ولا توجد مفاهيم دينية واضحة والأجراس تنذر وتدق بشدة وتصل إلى آذان العلماء من رجال الدين والاجتماع والفكر والتربية والإعلام ليتصدوا لهذه الظاهرة الخطيرة، إنه سرطان يسرى بسرعة.. علاجه دينى.. نفسانى.. اجتماعى.. إعلامى.. ويجب أن تعقد ندوات واسعة يوميا فى التليفزيون والإذاعة والصحف.. حوار موسع يحضره علماء الدين ورجال التربية ورجال الاجتماع والأطباء النفسيون باعتبار أنها تشكل ظاهرة لها مظاهر نفسية لأن جميع أفراد الجماعة أصبحوا مسلوبى الإرادة ويتكلمون بلسان رئيسهم.
ويرجع كل ذلك إلى القصور الشديد من جانب الأجهزة المعنية بالدولة.. وزارة الأوقاف والأزهر.. الدعوة الدينية.. جميع أجهزة الإعلام.. إنها لا بد أن تخصص برامج دورية مستقلة لعلاج هذه الظاهرة وغيرها.
خاصة أن هذه الجماعة أصبحت على مستوى الجمهورية وبعض منهم يعيش فى الدول العربية وقد سبق أن عرضت الأمر على المسئولين فى هذه الأجهزة.. دون جدوى!
تم نشر المقال فى مجلة أكتوبر ، ونعيد نشره ضمن كنوز أكتوبر