تتوسط حي محمد بلوزداد (أحد مهندسي الثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي) بالجزائر العاصمة، وعلى بعد أمتار عن البحر الأبيض المتوسط، حديقة "التجارب"، ورئة الجزائر، التي تعد متحفا طبيعيا، ومكتبة عالمية للنباتات، وإحدى ثلاث حدائق تاريخية في العالم بعد حديقتين؛ إحداهما في بريطانيا، والثانية في الولايات المتحدة الأمريكية.
كما باتت هذه الحديقة مقصدا سياحيا كبيرا، ليس لكونها تضم 2500 نوع من النباتات من جميع أنحاء العالم، وتعود لنحو قرنين من الزمان على مساحة أكثر من 79 فدانا فحسب، وإنما لكونها تتميز بمناخ معتدل صيفا وشتاء؛ مهما كانت درجات الحرارة في العاصمة.
ففي الوقت الذي تبلغ درجة الحرارة في العاصمة ما بين ٦ درجات شتاء، و٣٨ درجة صيفًا، لا تنخفض درجة الحرارة فيها عن ١٥ درجة شتاء، ولا تزيد عن 25 درجة صيفا، وهو ما أثار حيرة روادها، ولم يفلح الكثيرون في إيجاد سبب علمي لهذه الظاهرة.
تعود نشأة حديقة "التجارب" في العاصمة الجزائرية إلى عام 1832، وتم تسميتها بهذا الاسم لأنها كانت أرضا للتجارب العلمية، التي يجريها الاستعمار الفرنسي على النباتات عقب إحضارها من المستعمرات الأفريقية الأخرى، حيث يتم زراعتها في الحديقة لتتأقلم مع المناخ المتوسطي الرطب، ثم يصدرها إلى أوروبا بعد ذلك.
لم يساعد هذا المناخ الدافئ والمعتدل على تنوع النباتات في هذه الحديقة فحسب، بل ساعد أيضا إطالة عمرها لنحو 200 عام.
تضم الحديقة العديد من الممرات الرئيسية؛ يتفرع من بينها 11 ممرا صغيرا، وتحتوي بعض هذه الممرات على حديقتين متوسطتين على الطراز الفرنسي والطراز الإنجليزي، وتم إنشاؤهما عام 1914 بعد مسابقة عالمية لتنسيق الحدائق النباتية.
ونظرا لطبيعة أشجارها المعمرة والنادرة، والتي تحيط كافة جوانبها، والنباتات المستوردة من مختلف أرجاء العالم، كانت الحديقة محل تصوير العديد من الأفلام الوثائقية والعالمية على غرار الفيلم الشهير "طرزان" في عام 1938، ونال الفيلم إعجاب ملايين المشاهدين، وحصد شهرة فائقة.
كما تحوي الحديقة جناحا مخصصا للحيوانات؛ بعضها نادر، والآخر مسجل في موسوعة جينيس للأرقام القياسية، على غرار النسر الأميركي "الكوندور" الذي يبلغ عمره 118 عاماً.
وجعلت كافة هذه العوامل الطبيعية، والمناخية والبيولوجية، من حديقة "التجارب" ليست مجرد حديقة، لتحظى باهتمام الباحثين والسائحين داخل وخارج الجزائر على حد سواء.