قال الدكتور علي جمعة، المفتي السابق للجمهورية، إن مسيرة الإصلاح يعرقلها تشويه فهم الحرية، ووصف الحرية بأنها لا تعني التفلت، مؤكدًا أن الحالة الثقافية التي نمر بها خرج ممن وصفهم بـ"الرويبضة" ليساهم فيها ويتكلم في الشأن العام من التصدر للنصيحة الطبية منها إلى الإفتاء ولو بغير علم مع أنه لم يحفظ آية كاملة إلا في قصار السور، إلى من يريد إرهابًا فكريا، إما هو وإما الجحيم؛ ثم جحيمه هي الجنة، وأن جنته هي الجحيم؛ لأنه دجال من الدجاجلة، بحسب وصف علي جمعة.
وأضاف جمعة أن المخرج من ذلك كله هو الصبر، والتأكيد على الحرية الملتزمة، وترك الرويبضة يكتشفه الناس في تفاهته وفي هشاشة تفكيره، قائلًا: "أنا مستبشر خيرًا أن هذه الحالة من الكسل والتفاهة سوف تنتهي، وحتى نصل إلى هذه الحالة علينا أن نصبر".
وكتب الدكتور علي جمعة تدوينة على الفيس بوك "افتخر أنني أنتمي إلى هذا الوطن العزيز، وأفرح له كلما رأيته يعلو ويتقدم ويقوى، وأحزن إذا رأيت ما يعرقله ويعوقه ويؤرقه ويعكر صفوه، استبشر عندما أراه حرًا مبدعًا، وأحمل الهم إذا رأيته مكبلًا أو رأيت من يحاول تشويهه، دائمًا أبحث عن الخير فيه وفي أبنائه، وصار هذا طبعا لنفسي لا أستطيع الفكاك منه والحمد لله رب العالمين".
وقال "وأتحيز تحيزًا أراه حميدًا أحمده ولا أفقده، ولا أسمح لأحد ينصح بترك حب هذا الوطن، أو يأخذ في جلد ذاته التي يريد أن يخرج منها إلى الأوهام والأحلام، وأتذكر قول أبي العلاء: وقُلْتِ الشّمْسُ بالبَيْداءِ تِبْرٌ * ومِثْلُكِ مَنْ تَخَيّلَ ثُمّ خالا.. وفي ذَوْب اللُّجَيْنِ طَمِعْتِ لمّا * رأيْتِ سَرَابَها يَغْشَى الرّمَالا".
وأضاف جمعة "ومما يعرقل مسيرة الإصلاح تشويه فهم الحرية، وتطبيق ذلك المفهوم، هل الحرية تعني التفلت؟ أو أن الحرية تستلزم الصدق، ومثال ذلك في مجال الصحافة مثلًا، هناك أخبار تحتاج إلى معلومات هذه المعلومات لها حرية في نشرها وهي أعلى أنواع الحرية الصحفية أن يتاح لك أن تذكر المعلومات بشرط أن تكون جادة، وأن تكون صادقة دقيقة، وحتى يصل الكاتب إلى ذلك يحتاج إلى بذل مجهود لا إلى تأليف الأحداث أو حتى استنباطها بعقله دون جمع المعلومات الحقيقية عنها وهذا هو الذي أدى إلى قضية (ووتر جيت) التي انتهت إلى استقالة نيكسون".
وتابع: "والذي يقرأ ما فعله الصحافيان بوب وودوارد (Bob Woodward) وكارل برنستين (Carl Bernstein) في تلك القضية عام 1974من مجهود وتتبع ما أتيح لهما من حرية للنشر يعلم أن العمل الجاد لابد أن يؤتي ثمرته، حتى تم تخليد دورهما في قضية (ووتر جيت) بكتاب ألفاه بعنوان (كل رجال الرئيس) والذي تحول إلى فيلم بنفس العنوان وحصد إيرادات ضخمة سنة 1976".
وقال جمعة "هذا النوع من الحرية في نشر المعلومات يحتاج إلى أذهان تتلقاه بالقبول وتفهمه وتكون قد هيئت وتدربت للتعامل معه، ويكون هناك ثقافة سائدة قد وضعت المعايير للفصل بين الصحافة الجادة، وصحافة الإثارة، وتم تصنيف مجموعة الصحف الرصينة الصادقة التي تأبى أن تنشر إلا الصدق، وهذه المسكينة التي لا تبالي ماذا تنشر وكل ذلك مكتوب مدروس لا يحتاج إلى مزيد كلام، ولكن يحتاج إلى تنبيه".
وأضاف "وهناك حرية الآراء والأفكار، وهناك حرية الخدمة، وبهذه الثلاثة تتم حرية الصحافة التي نص الدستور المصري في نهايته على أنها سلطة رابعة مستقلة".
وتابع: "يقول رسول الله ﷺ: (تأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة. قيل يا رسول الله وما الرويبضة ؟ قال الرجل التافه يتكلم في أمر العامة) [أخرجه الحاكم في المستدرك]. ونطق الرويبضة علامة وليس له حكم في ذاته، وأعني بذلك أنه قد يكون ضروريًا للوصول إلى بناء الملكة عند القارئ حتى يميز الصحيح من القبيح"
وأضاف "وفي حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه وهو حديث طويل عبارة (ولن يكون ذلك كذلك حتى تروا أمورًا عظامًا يتفاقهم شأنها في أنفسكم، وتساءلون بينكم هل كان نبيكم ذكر لكم منها ذكرا) [أخرجه ابن حبان] فهذه الحالة الثقافية التي نمر بها والتي خرج الرويبضة ليساهم فيها ويتكلم في الشأن العام من التصدر للنصيحة حتى الطبية منها إلى الإفتاء ولو بغير علم مع أنه لم يحفظ آية كاملة إلا في قصار السور، إلى الكلام في الشيوعية البائدة أو الفن الجديد، إلى من يريدنا أن ننسلخ عن أنفسنا وديننا وتاريخنا، إلى من يريد إرهابًا فكريا، إما هو وإما الجحيم؛ ثم جحيمه هي الجنة، وأن جنته هي الجحيم؛ لأنه دجال من الدجاجلة"
وعن المخرج من ذلك قال: “يقول رسول الله ﷺ في شأن الدجال: (يخرج الدجال معه نهر ونار، فمن وقع في ناره وجب أجره وحط وزره، ومن وقع في نهره وجب وزره وحط أجره) [أخرجه أحمد وأبو داود]. والمخرج من ذلك كله هو الصبر، والتأكيد على الحرية الملتزمة، وترك الرويبضة يكتشفه الناس في تفاهته وفي هشاشة تفكيره، والاستمرار في بناء الإعلام الجاد الملتزم الذي سوف يطرد الهش والغث، والذي سيجعل التافه يتعلم أو يستحي أو يتوارى أو يسير مسار الجادين أو يحاول حتى لو لم يصل إلى مستواهم”