لماذا لن يرسل الرئيس جو بايدن قوات أمريكية إلى أوكرانيا؟
سؤال يتردد على نطاق واسع بعد بدء روسيا عمليتها العسكرية أمس، خاصة أن إدارة بايدن أطلقت مرارا تحذيرات بشأن "غزو وشيك" وأعلنت أن الأمر يضع النظام الدولى على المحك.
لكن بايدن استبعد إرسال قوات إلى أوكرانيا لإنقاذ المواطنين الأمريكيين، إذا تطلب الأمر ذلك. وقد قام بالفعل بسحب القوات التى كانت تعمل فى البلاد من مستشارين ومراقبين عسكريين.
وقد تناول تقرير نشرته هيئة الإذاعة البريطانية "بى بى سى" أهم الأسباب التى جعلت بايدن يرسم هذا الخط الأحمر فى أكثر أزمات السياسة الخارجية أهمية خلال فترة رئاسته.
لا مصالح تتعلق بالأمن القومى
أولا، أوكرانيا ليست جارة للولايات المتحدة، وليس بها قاعدة عسكرية أمريكية، ولا يوجد بها احتياطات استراتيجية من البترول كما أنها ليست شريكا تجاريا رئيسيا.
ولكن غياب المصلحة الوطنية لم يمنع رؤساء سابقين من بذل الدم والمال نيابة عن الآخرين، فى الماضى.
فى عام 1995، تدخل الرئيس بيل كلينتون عسكريا فى الحرب التى أعقبت انهيار يوغوسلافيا. وفى عام 2011، قام باراك أوباما بالأمر نفسه فى الحرب الأهلية فى ليبيا، وسبب التدخل فى الحربين يعود بالأساس لأسباب إنسانية وحقوقية.
وفى عام 1990، برر الرئيس جورج بوش الأب تكوين تحالف دولى لطرد العراق من الكويت، بالقول إنه لحماية سيادة القانون ضد قانون الغابة.
واستخدم كبار مسئولى الأمن فى إدارة بايدن لغة مماثلة حين وصفوا التهديد الروسى للمبادىء الدولية الخاصة بالأمن والسلام.
ولكنهم كانوا يروجون لحرب اقتصادية، من خلال عقوبات مقيدة، كرد فعل، وليس عمليات عسكرية.
بايدن لا يتبنى سياسة التدخل العسكرى
بالرغم من أن بايدن دعم العمل العسكرى لبلاده خلال تسعينيات القرن الماضى للتعامل مع الصراع العرقى فى البلقان، وصوت لصالح الغزو الأمريكى المشئوم للعراق عام 2003، ولكن منذ ذاك التاريخ أصبح أكثر حرصا فى استخدام القوة العسكرية الأمريكية.
وقد رفض تدخل أوباما فى ليبيا وكذا رفض قيامه بزيادة القوات فى أفغانستان، ويصمم الرئيس الأمريكى الحالى على الدفاع عن قراره بسحب القوات الأمريكية من أفغانستان العام الماضى، على الرغم من الفوضى التى رافقت الأمر، والكارثة الإنسانية التى نجمت عن ذلك.
وحدد وزير الخارجية أنتونى بلينكن - الدبلوماسى المقرب جدا من بايدن والذى شكل السياسة الخارجية للرئيس على مدار أكثر من عشرين عاما خلال عمله معه - الأمن القومى للولايات المتحدة ليكون متعلقا بمكافحة التغير المناخى والأمراض العالمية، والتنافس مع الصين أكثر من سياسة التدخل العسكرى.
الشعب الأمريكى لا يريد الحرب أيضا
أظهر استطلاع للرأى - أجراه مركز AP-NORC - أن 72 فى المئة من الأمريكيين قالوا إن بلادهم يجب أن تلعب دورا "محدودا" فى الصراع الروسى - الأوكرانى، أو لا تتدخل مطلقا.
وتقول "بى بى سى" إنهم يركزون على قضايا الرواتب، لا سيما ارتفاع التضخم، وهو أمر يجب على بايدن أن ينتبه إليه مع اقتراب موعد الانتخابات النصفية.
وفى واشنطن، تستهلك الأزمة جهود المشرعين، من الحزبين الديمقراطى والجمهوري، الذين يطالبون بأشد العقوبات. ولكن حتى الأصوات المتشددة التى يمكن الاعتماد عليها، مثل السناتور الجمهورى تيد كروز، لا تريد من بايدن إرسال قوات أمريكية إلى أوكرانيا و "بدء حرب مع بوتين".
كما قال السيناتور الجمهورى ماركو بيو، وهو صقر آخر فى السياسة الخارجية، إن حربا بين أكبر قوتين نوويتين فى العالم لن تكون أمرا جيدا لأى شخص.
خطر المواجهة بين قوتين عظميين
وهذه هى خلاصة القول ــ مخزون بوتن من الرؤوس الحربية النووية.
لا يرغب بايدن فى إشعال "حرب عالمية"، بما يحويه هذا من مخاطر الاشتباك المباشر بين القوات الأمريكية والروسية فى أوكرانيا، وقد كان صريحا عن هذا الأمر.
وفى وقت سابق من هذا الشهر، صرح الرئيس لشبكة "إن بى سى" الإخبارية قائلا: "ليس الأمر وكأننا نتعامل مع منظمة إرهابية، نحن نتعامل مع واحد من أكبر الجيوش فى العالم. هذا وضع صعب للغاية ويمكن أن تسوء الأمور بسرعة جنونية".
لا توجد معاهدة ملزمة
كما أنه لا توجد معاهدة تحمل التزامات تجبر الولايات المتحدة على الإقدام على هذه المخاطرة.
وبحسب المادة الخامسة من اتفاقية حلف شمال الأطلسى - الناتو - فإن أى هجوم على دولة عضو فى الناتو هو هجوم على باقى الأعضاء، إذا هى مادة تلزم جميع الأعضاء بالدفاع عن بعضهم البعض.
لكن أوكرانيا ليست عضوا فى الناتو، وهو عامل استشهد به بايدن ليوضح لماذا لن يحارب الأمريكيون من أجل القيم التى لطالما مجدوها بشدة.
ويرى ستيفن والت، الأستاذ فى جامعة هارفارد والمتخصص فى السياسة الخارجية، أن رفض واشنطن وأعضاء الناتو التسوية مع روسيا أمر لا معنى له من الناحية العملية، وذلك لعدم استعدادهم لإظهار خيار استخدام القوة العسكرية فى مواقفهم.