ينتقد الكثير ممن تابعوا اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن العمليات العسكرية الروسية ضد أوكرانيا قرار مصر، ورأوا أنه ما كان يجب على مصر أن تصوت على هذا القرار بالتأييد لأن هناك الكثير من المصالح الكبرى المشتركة بين القاهرة وموسكو، ورأى البعض أنه كان من الممكن أن تأخذ مصر موقفا محايدًا وتمتنع عن التصويت استنادا أيضا لمبدأ المصالح المشتركة بين القاهرة وكييف ومن ورائها الغرب وأمريكا، رغم أنه فى الحقيقة وإعمالا لمبدأ "المصالح" هذا صحيح، لكن فى المطلق واستنادًا إلى وضع مصر ومكانتها التى اكتسبتها فى السنوات الأخيرة ومواقفها الدولية المعلنة والمؤثرة، كان يجب أن يكون قرار مصر بالتأييد، فالدبلوماسية المصرية - أحد أعرق الدبلوماسيات الدولية - تستند إلى عدد من الأسس والمبادي التي لا يجب أن تحيد عنها – دون أن تهدر مصلحة مصر وشعبها- ويجب ألا ننسى موقف روسيا فى جلسة مجلس الأمن الخاصة بسد النهضة الإثيوبي فقد كان هو الآخر مبني على توازنات ومصالح خاصة ومشتركة.
أيدت مصر بالفعل القرار ولكنها فى شرح وتفسير حيثيات قرارها وضّحت مكانتها وعراقة دبلوماسيتها وخبرتها الطويلة فقد قالت إنها وافقت انطلاقا من إيمانها الراسخ بقواعد القانون الدولي ومبادئ ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة، ودعت الجميع للبحث عن حل سیاسي وسريع لإنهاء الأزمة عبر الحوار وبالطرق السلمية ومن خلال دبلوماسية نشطة، وأنه لا ينبغي أن يتم غض الطرف عن بحث جذور ومسببات الأزمة الراهنة، والتعامل معها بما يضمن نزع فتيلها.
ثم قصفت جبهة الجميع عندما قالت إن فاعلية ومصداقية قدرة آليات العمل الدولي متعدد الأطراف فى مواجهة التحديات والأزمات المتلاحقة تعتمد على تناول كافة الأزمات الدولية وفقًا لمعايير "واحدة وثابتة" متسقة مع مبادئ الميثاق ومقاصده دون أن تمر عقود تم خلالها تكريس الأمر الواقع والمعاناة الإنسانية، وأيضا قصفت جبهة الجميع عندما أعلنت رفضها توظيف منهج العقوبات الاقتصادية خارج إطار آليات النظام الدولي متعدد الأطراف، فى إشارة ضمنية إلى الازدواجية التى تتسم بها تصرفات وقرارات بعض الدول الكبرى، مشيرة إلى أن هناك تجارب سابقة كان لها آثارها الإنسانية السلبية البالغة، وتسببت معاناة المدنيين طوال العقود الماضية.
ومن منطلق إيمانها بدورها الدولي المقدر والمؤثر دعت مصر لأن تتحلى كل الأطراف بالمسئولية الواجبة لضمان تدفق المساعدات الإنسانية لكل محتاج، دون أي تمييز، مع كفالة مرور المقيمين الأجانب بانسيابية عبر الحدود، وجددت التحذير من مغبة الآثار الاقتصادية والاجتماعية للأزمة الراهنة على الاقتصاد العالمي برمته.. هذه هى مصر الكبرى.
حفظ الله الجيش.. حفظ الله الوطن