16 مارس عيد المرأة المصريـة وذكرى اشتراكها في ثورة 1919

16 مارس عيد المرأة المصريـة وذكرى اشتراكها في ثورة 1919عيد المرأة المصريـة

المرأة المصرية تاريخ عظيم من العمل والامومة والرعاية والكفاح والوطنية ،ومصر تحتفل كل عام يوم 16 مارس بيوم المرأة المصرية ويتم تكريم نماذج رائعة قامت بدور لا يمكن ان ينسى كل فى مجالها ،ولكن لماذا يوم 16 مارس تحديدا هو الذى يتم الاحتفال فيه بيوم المرأة المصرية ؟

يقول المؤرخ ابراهيم العنانى عضو اتحاد المؤرخين العرب لقد جاءت الحرب العالمية الأولي سنة 1914 وانتهت في سنة 1918 ورأت مصر أن الوقت قد حان لتحصل علي استقلالها ، ومن ثم طلب بعض رجالها من السلطات الإنجليزية إنهاء احتلال البلاد وإجلاء جيوشهم عن أرض مصر ، ورفض الإنجليز ذلك وقامت ثورة سنة 1919 الكبري ورأي التاريخ المرأة المصرية لأول مرة في عصره الحديث تخرج بكل فئاتها مكافحة ومضحية بكل ما تملك من روح وزوج وولد من أجل استقلال مصر دون نظر إلي تقاليد أو إلي إمكانات لماذا ؟ لماذا ساهمت المرأة المصرية في هذه الثورة بما لا يسجله تاريخ ثورة مصرية من قبل ؟ قد تستطيع الأسطر التالية الإجابة عن هذا السؤال الذي يتردد في أذهان الكثير منا.

المرأة المصرية وثورة 1919 :

بعد احتلال الإنجليز لمصر سنة 1882 وقولهم بأن هذا الاحتلال إنما هو احتلال مؤقت طالبت مصر بريطانيا بوفائها بعهودها المتكررة في الجلاء ثم اعلنت بريطانيا الحماية علي مصر في سبتمبر سنة 1914 وظهر من ذلك أن الإنجليز لن يجلو قريباً وإنما قولهم بالجلاء لذر الرماد في العيون وأخذت بريطانيا أثناء الحرب العالمية الأولي تستولي علي أرزاق الشعب المصري قصراً كما أخذت الرجال ليحاربوا لها في ميادين القتال وليقوموا بالأعمال ذات الطابع الحربي لتخفف العبء عن جيوشها وجيوش حلفائها دون مقابل تقريباً ، ووقع عبء كل هذا علي كاهل المرأة المصرية فقد فقدت العائل في ميادين القتال أو أثناء أعمال السخرة وفقدت القوت الذي منه يقتات أطفالها ، وفقدت الدابة التي تساعدها في أعمال الحقل لاستيلاء السلطات علي الدواب والماشية فقدت كل ذلك علي يد رجال الاحتلال الإنجليزي الغرباء عنها.

ورفضت بريطانيا وتنكرت لكل ما قدمته مصر وشعبها وكان من الطبيعي أن يخرج الشعب ثائراً ومعه نساء مصر بكل فئاتهن ورأي الشعب ضمن ذاك أكثر من 350 سيدة يسرن في صباح يوم الأحد الموافق 16 مارس سنة 1919 متظاهرات ضد الاحتلال البريطاني ، وقدمن عريضة احتجاج للمعتمد البريطاني علي الأعمال الوحشية ضد المصريين واعتقال زعمائهم وعلي الاحتلال الإنجليزي لمصر وتنص المذكرة علي ما يأتي :

جناب المعتمــد :

يرفع هذا لجنابكم السيدات المصريات أمهات وأخوات وزوجات ممن ذهبوا ضحية المطامع البريطانية ويحتججن علي الأعمال الوحشية التي قوبلت بها الأمة المصرية الهادئة لا لذنب ارتكبته سوي المطالبة بحرية البلاد واستقلالها تطبيقاً للمبادئ التي وفاه بها "ولسن" وقبلتها جميع الدول محاربة أو محايدة نقدم المبادئ المذكورة والعمل عليها ، ونرجوكم إبلاغها وما رأيتموه وما شاهده رعاياكم المحترمون من أعمال وحشية وإطلاق الرصاص علي الأبناء والأطفال والأولاد والرجال العزل من السلاح بمجرد احتجاجهم بطريق المظاهرات السلمية علي منع المصريين من السفر للخارج لعرض قضيتهم علي مؤتمر السلام أسوة بباقي الأمم وتنفيذاً للمبادئ التي اتخذت أساساً للصلح التام ولأنهم يحتجون أيضاً علي اعتقال بعض رجالهم وتسفيرهم إلي جزيرة مالطة.

ويضيف المؤرخ ابراهيم العنانى لقد كان لهذه الثورة فضل معرفة الشعب قدر المرأة ولم يقتصر نشاط المرأة المصرية ومساهمتها في ثورة سنة 1919 علي هذا النطاق بل إنها شاركت مع الرجال في أعمال الاحتجاج علي السلطات الانجليزية فقد خرجت في قري أسيوط والفيوم والمنصورة وغيرها من بلاد مصر لتنسف وسائل المواصلات وتمنع العتاد عن جيوش الاحتلال مما جعل الانجليز يطلقون رصاصهم علي صدور المصريات ويبقرون بطون الحوامل منهن وسقطت شهيدات في مدن كثيرة كان أولهن الشهيدة نعيمة عبد الحميد محمد من " كفر الشوام " مركز امبابة وفي نفس اليوم وهو السبت 15 مارس استشهدت مع من استشهد من الرجال "فاطمة محمود" و "نعمات محمد" و "حميدة سليمان" من مدينة الفيوم وفي اليوم التالي الأحد 16 مارس استشهدت "أم محمد جاد" من قليوب "ويمن صبيح" من الشرقية وبعد ذلك بأسبوع في الأحد 23 مارس استشهدت "سيدة بدران " من قرية كفر الوزير دقهلية وفي نفس اليوم 23 مارس قامت مذبحة في ميت القرشي دقهلية واستشهد كثيرون ومن ضمنهم عروس تدعي " صديقة " كانت تزف إلي " عبد المجيد إبراهيم " وفي يوم الخميس الموافق 27 مارس هجم الانجليز علي قرية تفهمنا الإشراف وقتلوا كثيرا من الأهالي بما فيهم الرجال والشيوخ والأطفال والنساء ، يحتفظ التاريخ باسم واحدة منهم هي " رقية أحمد متولي " وقبل ذلك بأيام قلائل أي في يوم الاثنين 24 مارس أغارت طائرتان بريطانيتان بقنابلهما علي مدينة أسيوط فاستشهد العشرات وفي ذلك الهجوم فقد المحامي الشرعي عبد الله الشامي ابنتيه إحداهما "فائقة محمد " التي استشهدت يوم 10 ابريل سنة 1919 وشيعت جنازتها مع شهداء يوم 11 ابريل وفي يوم 12 ابريل اشتركت نساء القاهرة في تشييع شهدائها من الرجال وتحمس الرجال لهذا المنظر المؤثر وهتفوا بسقوط الاستعمار فأطلق جنوده الرصاص علي أهالي القاهرة وسقطت شهيدات مع من سقط من الرجال ومن أولاء الشهيدات " حميدة خليل " من حي الجمالية و "سيدة حسن" من حي عابدين ، وكان قد سبق المظاهرة النسائية يوم 16 مارس 1919 تجمع نسائي في منزل هدي شعراوي تدارس الحاضرات ما يجب أن يقمن عليهن بعمله لمؤازرة رجال الدين من المصريين واستقر الرأي علي إرسال المذكرة السابقة إلي المعتمد البريطاني وإرسال خطاب إلي الليدي برونيت زوجة المندوب السامي البريطاني.

وقال الخطاب وكان بتوقيع هدي شعراوي " سيدتي في هذه الظروف الحزينة التي تجتازها بلادنا الآن أذكرك بمحادثتنا في الصيف الماضي عن نتائج الحرب المؤلمة وكنت تؤكدين لي إذاك إن بريطانيا العظمي نزيهة في اشتراكها في هذه الحروب وإنما لم تسهم فيها إلا لخدمة العدل والإنسانية ولكي تدافع عن حرية الشعوب المظلومة وحماية حقوقها فهل تتفضلين بأن تصرحي لي إذا كان هذا ما زال رأيك اليوم ؟ وما رأيك يا سيدتي في حكومتك إذ تعطي لنفسها حق بسط الأحكام العرفية في زمن السلم وتنفي أناسا من بلادهم لا يطلبون إلا أن يعيشوا أحرارا فيها وما قولك في جنودكم الذين يجوبون شوارع مصر الهادئة بالمدافع الرشاشة يطلقونها علي شعبها الأعزل إذا ارتفعت أصوات أفراده مطالبين بالحق والحرية أرجو أن تخبريني يا سيدتي إذا كانت هذه الأعمال نتيجة كل المجهودات التي بذلتها انجلترا في خدمة الإنسانية والعدالة وإلا فلتتفضلين بشرح المعني الصحيح لكلماتك الجميلة التي اسمعها منك وإذا كانت فئة من الصبيان المصريين قد ضربوا بعض الحوانيت فما فعلوا ذلك إلا لأنهم اتبعوا للأسف المثل الذي ضربه لهم جنودكم المتمدنون جدا من زمن غير بعيد وتقبلوا يا سيدتي في عبارات شعوري الحزينة مع تحياتي إليك.

فلم تضن المرأة علي مصر بزوج أو ولد أو أب بل صبرت علي فقد أعز ما تملك في سبيل استقلال مصر ومجدها ولم تيأس أو تتبرم مما شجع الرجال علي الصمود في وجه الاحتلال ومقاومته الأيام والسنين الطوال حتى استطاعت البلاد أن تحصل علي استقلالها بفضل أبنائها ويقال أن ابنة الطبقة الموسرة أو الطبقة الارستقراطية هي التي أسهمت في الثورة والأعمال السياسية المجيدة بعدها أي أن ابنة الطبقتين المتوسطة والدنيا هي التي استشهدت بيد الاستعمار وهي التي شعرت بذلك الاستعمار وظلمه وما ارتكبه من مآس لأنها هي التي شعرت بكل ذاك الظلم والمهانة و هي التي وقع عليها عبء الاحتلال جميعا فهي التي فقدت العائل والوالد وأخذ منها القوت والدواب نهبا وأكثر من ذلك هي أدري الناس بقسوة الظلم لأنها التي عانت من ظلم المجتمع فهي إذا أول من تشعر بما تعانيه بلادها وتعيش معها في محنتها الاستعمارية القاسية ومن ثم لم تفقد حماسها من أجل حصول مصر علي حريتها واستقلالها وكانت المرأة المصرية تدفع أبناءها للاستمرار في الكفاح من أجل حرية مصر ، لذا قدمت كل سيدة مصرية إلي بلادها ما استطاعت عمله مما مكن البلاد من الاستقلال فما من والدة شهيد وإلا وقدمت الكثير وما من أسرة مصرية في الكفور والقرى والمدن إلا وفقدت أحد أفرادها بالاستشهاد أو بالسجن أو الفقد.

أما في مدينة المحلة الكبرى فإن السيدة هانم المزين ابنة المحلة عاد ابنها "محمد حلمي صلاح " من القاهرة بعد أن أغلقت المدارس والمعاهد أبوابها .. وكان من نتائج اشتراك المرأة في ثورة سنة 1919 اشتراكا فعليا أن شعرت بالثقة وبقدرتها علي المساهمة مع الرجال في الأعمال القومية والتي عرف عنها أنها من اختصاص الرجل وحده هذا كما أن أنباء خروج المرأة المصرية عن المألوف دفع عديد من الصحف الأجنبية مثل صحيفة " سنداي اكسبريس " و " الديلي نيوز " و "التايمز اللندنية " لأن تنشر أنباء الثورة المصرية ، وتأخذ أحاديث من بعض نساء مصر عن الثورة ورأيهن في الاحتلال الانجليزي وهذا لفت أنظار الرأي العام العالمي والمنظمات النسائية الدولية لوضع المرأة المصرية الجديد وبأهمية القضية المصرية فدعاها الاتحاد النسائي الدولي إلي إيفاد مندوبات عن نساء مصر حضور المؤتمر الذي عقد بجنيف سنة 1920 بيد أن النساء المصريات لم يكن علي استعداد لتلبية الدعوة لاستمرار أحداث الثورة ولتهيبهن السفر للخارج وحضور مؤتمرات دولية ، وكانت ثورة سنة 1919 نقطة تحول مهمة في مساهمة المرأة المصرية في السياسة المصرية بعد ذلك فقد تكونت " لجنة الوفد المركزية للنساء" من زوجات وقريبات أعضاء حزب الوفد ، ومكانة هذه اللجنة من الحركة النسائية إنها كانت أول تجمع نسائي سياسي كبير تشاهده مصر الحديثة ، كما أن بعض أعضاء هذه اللجنة حمل لواء الصحافة النسائية في العشرينيات والثلاثينيات وأنها كانت النواة للاتحاد النسائي المصري الذي ظل يتزعم الحركة النسائية في مصر منذ إنشائه في مارس سنة 1923 حتي نهاية الخمسينيات ، وقد رأست اللجنة المركزية للنساء الوفديات "هدي شعراوي" وتولت سكرتاريتها "فكرية حسني" ومن أعضائها نجد " استر ويصا" و "إحسان القوصي" التي كانت وكيلة الرئيسة و " جميلة عطية" و "روجينا خياط" أمينة الصندوق و "وحيدة ثابت" وشقيقتها "فهيمه ثابت " رفيقة "صفية زغلول" في سفرها إلي "سعد زغلول" في منفاه بجبل طارق وحرم كل من رياض باشا ، وراتب باشا ، وقد انتخب تلك اللجنة مؤتمر نسائي عقد في الكنيسة المرقسية وحضره حوالي 500 سيدة يمثلن الفئات المختلفة من نساء مصر فقد اشتركت في المظاهرات وفي تشييع الجنازات ونسفت وسائل المواصلات التي كانت تساعد المحتل في تنقلاته وحملت في ملابسها السوداء المفرقعات والمنشورات الثورية والأطعمة والملابس والأدوية لثوار وجرحي ثورة سنة 1919 وأخفت المناضلين في منازلها عن أعين رجال الاحتلال البريطاني وساعدت في تهريبهم من السجون ومن حبل المشنقة وأصدرت المذكرات وخطبت في التجمعات النسائية وكونت اللجان السياسية والاجتماعية لمساعدة زعماء الثورة من الرجال وأسرهم في حالة استشهادهم أو اعتقالهم ولرعاية من في حاجة إلي الرعاية المادية والمعنوية من أفراد الشعب أو أسرهم ومن أهم هذه اللجان لجنة المقاطعة وغيرها ، ومهما يكن من شئ فقد أعطت المرأة المصرية بلادها خلال ثورة 1919 وما تلاها من أحداث كل ما تملك من أهل وولد ومال وجهد ودم وروح مما دفع الشعب في مصر والعالم العربي والخارجي أن يكن لها كل احترام وتقدير ويعيد إليها ثقته السابقة في قدراتها علي المساهمة الفعالة في بناء وطنها في كافة ميادين البناء والتعمير.

أضف تعليق