توجهت قافلة من مشيخة الأزهر ب طور سيناء برئاسة الشيخ مصطفي الشهاوي ومجموعة من أساتذة جامعة الأزهر لزيارة دير سانت كاترين باعتباره ملتقى للأديان والحضارات وكان فى استقبالهم الآثارى حسام صبحى والذى قام بشرح تاريخ ومعالم الدير للوفد والذى أبدى إعجابه بالدير وأشاد بمشروع التجلى الأعظم الجارى تنفيذه حاليًا بتوجيهات من رئاسة الجمهورية ومتابعة مستمرة من رئاسة مجلس الوزراء والوزارات المعنية واللواء خالد فودة محافظ جنوب سيناء.
وفى هذا الإطار يلقى خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بجنوب سيناء بوزارة السياحة والآثار الضوء على تاريخ الدير ومعالمه المعمارية والفنية وأهميته كملتقى للأديان والحضارات موضحًا أن الإسم الأصلى للدير هو دير طور سيناء حين أنشأه الإمبراطور جستنيان لإحياء ذكرى زوجته ثيودورا عام 560م، وتاريخ وفاة ثيودورا هو 548م، ووفاة جستنيان 565م، وكانت ثيودورا الزوجة المحببة لجستنيان وشاركت فى كثير من أمور الحكم وكانت مهتمة بالمناطق الشرقية من الإمبراطورية وحرصت على إقامة علاقات سلمية معهم، ويتضح من نقش رقم 3 من عوارض سقف كنيسة التجلى أن مهندس بناء الدير هو اسطفانوس من أيلة ( أيها الرب الذى تجليت برؤيتك فى هذا المكان احفظ وارحم عبدك اسطفانوس من أيلة بانى هذا الدير) وتغير اسمه إلى دير سانت كاترين فى القرن التاسع الميلادى بعد العثور على رفات سانت كاترين على أحد الجبال والذى حمل اسمها وهو أعلى جبال سيناء 2642م فوق مستوى سطح البحر.
ويشير الدكتور ريحان إلى منشئات الدير المختلفة منها كنيسة التجلى التى تحوى داخلها كنيسة العليقة الملتهبة وتسع كنائس جانبية صغيرة، كما يشمل الدير عشر كنائس فرعية، قلايا للرهبان، حجرة طعام، معصرة زيتون، منطقة خدمات، معرض جماجم والجامع الفاطمى، علاوة على مكتبة الدير التى تحوى 4500 مخطوط منها 600 مخطوط باللغة العربية علاوة على المطويات بالإضافة إلى المخطوطات اليونانية، الأثيوبية، القبطية، الأرمينية والسوريانية، وهى مخطوطات دينية، تاريخية، جغرافية وفلسفية، أقدمها يعود إلى القرن الرابع الميلادى، كما تحوى المكتبة عددًا من الفرمانات من الخلفاء المسلمين لتأمين أهل الكتاب.
وتابع الدكتور ريحان بأن الإمبراطور جستنيان أعاد بناء كنيسة العليقة الملتهبة التى بنتها الإمبراطورة هيلانة أم الإمبراطور قسطنطين فى القرن الرابع الميلادى وكانت قد تهدمت وأدخلها ضمن كنيسة التجلى، وبنيت كنيسة التجلى بحجارة ضخمة من الجرانيت المنحوت، طول الكنيسة 40م وتشمل كنيسة العليقة المقدسة، وعرضها 19.20م وتشمل الكنائس الفرعية، وهى كنيسة على الطراز البازيليكى تنقسم إلى صحن وجناحان.
ويغطى الجزء العلوى من نصف قبة شرقية الكنيسة أجمل وأقدم لوحة فسيفساء فى العالم وتصور تجلى السيد المسيح المخصصة له كنيسة التجلى مصنوعة من قطع صغيرة من الزجاج متعددة الألوان، حيث نجد السيد المسيح واقفًا فى وسط هالة بيضاوية الشكل عن يمينه النبى إيليا وعن يساره النبى موسى وكلاهما يرفع يده اليمنى إيماءً لمخاطبة السيد المسيح.
وأوضح الدكتور ريحان أن الدخول إلى كنيسة العليقة الملتهبة يتم من خلال بابين فى الحجرتين على جانبى الشرقية بكنيسة التجلى، وتنخفض أرضيتها 70سم عن أرضية كنيسة التجلى، مساحتها 5م طولًا، 3م عرضًا وتحوى مذبح دائرى صغير مقام على أعمدة رخامية فوق بلاطة رخامية تحدد الموقع الحقيقى لشجرة العليقة، ويقال أن جذورها لا تزال باقية فى هذا الموقع والآن توجد شجرة عليقة بالدير أصلها داخل الكنيسة وأغصانها خارجه ولا يدخل هذه الكنيسة أحد إلا ويخلع نعليه خارج بابها تأسيًا بنبى الله موسى عليه السلام عند اقترابه من العليقة الملتهبة.
ونوه الدكتور ريحان إلى البرج الشهير بالدير الذى يعانق مئذنة الجامع الفاطمى والذى بناه راهب من سيناء يسمى غريغوريوس عام 1817م، ويشمل تسعة أجراس معدنية مهداه من الكنيسة الروسية عام 1817م، وجرس خشبى قديم يستخدم يوميًا، أمّا الأجراس المعدنية فتستخدم فى الأعياد وإلى آبار الدير الشهيرة منها بئر موسى شمال كنيسة التجلى وهى بئر قديمة مطوية بالحجر، قيل هى أقدم من الدير وأنها البئر الذى سقى منها نبى الله موسى غنم بنات الرجل الصالح شعيب، وبئر العليقة بجانب العليقة الملتهبة وهى بئر عميقة مطوية بالحجر، قيل أيضا أنها أقدم من الدير، وبئر اسطفانوس جنوب غرب كنيسة التجلى وجنوب كنيسة اسطفانوس وماؤها عذب حيث يشرب منها الرهبان الآن، وفى تقاليدهم هى البئر الذى حفرها اسطفانوس مهندس الدير وبجانبها شجرة سرو، كما يوجد ثلاثة آبار وثلاثة عيون بالحديقة خارج أسوار الدير.
ولفت إلى وجود حديقة متسعة خاصة بالدير لها سور، بها أشجار فاكهة مثل التين، العنب، الخوخ، المشمش الكمثرى والبرتقال، كما تضم الحديقة أشجارالزيتون واللوز والسرو والصفصاف بالإضافة إلى الخضروات والبقول والأزهار مثل الورد والقرنفل والريحان، وبالحديقة ثلاثة آبار وثلاثة ينابيع وتضم مقبرة الرهبان المعروفة باسم الطافوس ومعرضًا للجماجم فى وسط حديقة الدير ويدفن الرهبان موتاهم فى هذا المدفن ويتركون الجثث حتى تتحلل فينبشونها ويأخذون عظامها ويجعلونها فى معرض خاص قرب المدفن يطلق عليه كنيسة الموتى الذى يسمى الآن معرض الجماجم.
وعن الجامع الفاطمى داخل الدير يشير الدكتور ريحان إلى بناؤه فى عهد الخليفة الفاطمى الآمر بأحكام الله 500هـ ، 1106م للعلاقة الطيبة بين المسلمين والمسيحيين وليصلى فيه حراس الدير من قبيلة الجبالية واعتياد الفاطميين على إنشاء المساجد فى الأماكن المباركة، ونقش الحجاج المسلمون أسماؤهم بمحراب الجامع أثناء عبورهم سيناء إلى مكة المكرمة، ويقع الجامع فى الجزء الشمالى الغربى داخل الدير ويواجه الكنيسة الرئيسية حيث تتعانق مئذنته مع برج الكنيسة، وتخطيطه مستطيل جداره الجنوبى 9.88م، الشمالى 10.28م، الشرقى 7.37م، الغربى 7.06م، ارتفاعه من الداخل 5.66م، ينقسم إلى ستة أجزاء بواسطة عقود نصف دائرية، ثلاتة عقود موازية لجدار القبلة وأربعة متعامدة عليه وله ثلاثة محاريب، الرئيسى متوج بعقد ذو أربعة مراكز كالموجود فى الجزء القديم من الجامع الأذهر وله منبر خشبى آية فى الجمال يعد أحد ثلاثة منابر خشبية كاملة من العصر الفاطمى، الأول منبر جامع الحسن بن صالح بالبهنسا بمحافظة المنيا، والثانى منبر الجامع العمرى بقوص كما يشبه المنبر الخشبى بمسجد بدر الدين الجمالى الذى يعود تاريخه إلى 484هـ 1091م المنقول من عسقلان إلى الحرم الإبراهيمى بفلسطين، وللجامع مئذنة جميلة تتكون من دورتين قطاعهما مربع، وهى المئذنة التى تعانق برج كنيسة التجلى فى منظر لا يتكرر ولن يتكرر إلا فى مصر هذا التعانق والوحدة التى تجمع الأديان فى بوتقة واحدة.