عاطف عبد الغنى يكتب: حديث البركة (!!)

عاطف عبد الغنى يكتب: حديث البركة (!!)عاطف عبد الغنى يكتب: حديث البركة (!!)

* عاجل6-1-2018 | 17:00

حدث ذات مرة وأنا سائر مع أحد المعارف وبصحبتنا ابنه الصبى، أن استأذنت الرجل أثناء مرورنا بـ «سوبر ماركت» مشهور فى المنطقة، يحمل اسم «البركة»، أن أشترى شيئًا، فأبدى الرجل شيئًا من الامتعاض، وسألنى مستنكرًا بما معناه: إن أصحاب هذا "السوبر ماركت أقباط" لماذ لا توجه نقودك لمسلم، فهو أولى بالنفع؟!.

وحاول أن يضفى على نصيحته بعدًا دينيًا بالاستشهاد بنصوص من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم أو القرآن، لكننى قاطعته بشكل حاد بالقول إن استشهاداته ليست صحيحة أو فى محلها، ودخل ابنه الصبى على الخط مؤكدًا على كلامى.

ويبدو أن معارضتنا له أغاظته، فحول دفة الكلام من البعد الدينى إلى البعد الاجتماعى، وألقى بحجته فقال إنهم (يقصد المسيحيين بعامة) لا يسمحون للمسلمين بالعمل فى مشاريعهم، وتأكيدًا لكلامه جاء بملاحظة، وهى أن كل العاملين فى «السوبر ماركت» من الأقباط وليس بينهم مسلم، وكان محقًا فى ملاحظته التى لم تكن تعنى بالنسبة لى شيئًا، ولم تمنعنى من دخول "السوبر ماركت" والشراء منه، خاصة أنه يبيع أرخص بشكل ملحوظ عن جيرانه ويوفر سلعًا أكثر، وتناقل سكان المنطقة سيرة «البركة» وتناصحوا فيما بينهم بالشراء منه، لذلك نجح المشروع وافتتح أصحابه فرعا آخر، ولم يتوقف أحد عند ملحوظة أن كل العاملين فى فرعى «البركة» جرجس وبطرس ومينا.. وليس بينهم على أو محمد أو أحمد، ولم أعرف أن أحدا اتهمهم بسلوك التمييز الطائفى إلا هذا الشخص الذى أخبرتكم عنه.

(1)

تذكرت ما سبق وأنا أتهيأ للرد على الدكتور عماد جاد الذى يفتح نيران اتهامات التمييز  ضد المسيحيين على الجميع حتى وصل باتهاماته إلى الدستور فيما يخص علاقة الدولة بالدين، ويهاجم قانون بناء الكنائس، ومؤسسات الدولة، وخاصة مؤسسة الشرطة، والبلد التى ينتشر فيها – حسب قوله – الفقر والجهل والمرض والخرافة.

وهذه هى المرة الثانية التى أكتب فيها مقالًا أذكر فيه د. عماد جاد بالاسم، وفى الأولى التى لم يمر على نشرها 3 أسابيع، لم أرد أن أخوض معه فى حديثه المهاجم، المتحامل، المتهم لأطراف عديدة بممارسة التمييز ضد الأشقاء المسيحيين، واكتفيت بتذكيره بالرسالة الوطنية الجليلة التى كان يؤديها لوطنه وأمته من خلال إشرافه على نشرة «ضد التمييز» التى توقفت، وكانت موجهة لعدو وطنه وأمته الصهيانة.

لكن استمرار د. جاد وإصراره على مواصلة معركته الآن ضد طواحين الهواء، جعلتنى أعود لمخاطبته، وأصحح له اعتقاده الخاطىء عن رجال الداخلية، والتمييز  فى تعاملهم بين المسلمين، والمسيحيين.

(2)

والدكتور جاد يدعو فى مقال له إلى تغيير الواقع المصرى، بعد أن يتحدث عن الدول المتقدمة وقوانينها المتحضرة التى تطبقها بصرامة وشفافية دون تحيز على الجميع وكلام من هذا القبيل، ثم ينتقل فى فقرات تالية من ذات المقال ليدعو إلى مخالفة القانون حين يضرب مثلًا بـ «قانون بناء الكنائس» منتقدا ورافضا شرط «الرجوع إلى الجهات المعنية» لطالب بناء كنيسة، ثم يفسر هذه الجهات المعنية بأنها الجهات الأمنية، ثم يفسر الجهات الأمنية بأنها الأمن الوطنى، ثم يتهم الأمن الوطنى بأنه يبذل محاولات يائسة للحفاظ على السياسات التمييزية وأن أعمال ضباط الجهاز هى التى تقدم المبررات للدول الأجنبية للتدخل فى الشئون المصرية الداخلية!!

 "دى لفة كبيرة قوى يا دكتور (!!)"

 لماذا لا تأتى لننزل على أرض الواقع بدلًا من أن نستغفل القارىء أو نبتز مشاعره لنكسب تعاطفًا مبنيًا على وهم.

(3)

والواقع يشير إلى أن قانون بناء الكنائس الصادر فى 28 سبتمبر 2016 قد نال موافقة الطوائف الثلاث الرئيسية للإخوة المسيحيين أثناء مناقشته وقبل صدوره، ووصف البابا تواضروس رأس الكنيسة الأرثوذكسية القانون بأنه «جاء ليضمد جراحات استمرت طويلاً من أجل الاستقرار والمواطنة»، لا ينبغى أن يزايد أحد على قوله، إلا أن يكون المزايد فى صدره شىء ما يخفيه.

وحين نعرف أن محافظ المنيا الذى يمثل الجهة الإدارية المختصة حسب قانون بناء الكنائس، أصدر فى شهر نوفمبر الماضى، قرارات بناء وترميم وإقامة شعائر فى ١٩ كنيسة، للطائفة الإنجيلية (أصغر الطوائف المسيحية عددا) من٢٠ طلب قٌدم له بهذا الشأن، وأنه جار فحص أوراق الكنيسة الأخيرة فى مدة لن تتجاوز ٦ أشهر، يكون الأصل فى المسألة الآن السماح وليس الممانعة.

أما أن يلجأ المحافظ للأمن للاسترشاد والاستعانة برأيه، أو يؤخر طلبًا واحدًا، فى قرية أو مدينة فى محافظة ملتهبة الطرفين (المسيحيين والمسلمين) لأسباب ليس للدين دخل فيها على الإطلاق، ولكنها المكايدة والنزعة القبلية والفئوية والجهل بالدين.

ضع نفسك يا دكتور مكان المسئول، محافظ، أو مدير أمن، وقل لنا ماذا يمكن أن تفعل حين لا تجد المكان ينطبق عليه شروط الترخيص، فتطبق الأجهزة القانون بعدم منح الترخيص، فيصرخ الطرف الذى جاوز القانون بدعاوى الظلم، والاضطهاد، ويتلقف أصحاب دكاكين الحقوق، ومن فى قلبهم مرض الواقعة ليتاجروا بها، ويسكبوا مزيدًا من الزيت على النار ليشعلوها فى الداخل والخارج.

وفى تصريحات سابقة للدكتور جاد قال: «إن السفيرة الأمريكية آن باترسون طلبت من البابا تواضروس منع خروج الأقباط ضد حكم مرسى فى 30 يونيو»، وإنها قالت فى سبب ذلك: «مش عايزاكم تعادوا المجتمع المصرى»!! فهل كانت باترسون تعتقد حقًا أو تصدق ما تقوله؟! بالطبع لأ، والسفيرة تنفذ مخططات بلدها أمريكا التى كانت تريد استمرار الإخوان فى الحكم لتشعلها نارًا، بزيادة الاستقطاب والتفسخ، وإسقاط مصر فى فخ الحرب الأهلية، وفهم البابا غرضها، حين ميزت الأقباط، فرد عليها البابا الوطنى: «المسيحيون جزء من المجتمع المصرى وخروجهم فى 30 يونيو قرارهم ولا أملك توجيه أحد».

(4)

وبمناسبة أمريكا فالمجتمع المصرى، أقباطه قبل مسلميه، لايريد استنساخ نموذج مجدى خليل، أو يمنح الفرصة لمنظمات الفتنة وتصدير الكراهية مثل «منتدى الشرق الأوسط» و«منظمة التضامن القبطى» التى تحرض أمريكا على غزو مصر أو على الأقل تجعل من الأقباط ورقة ضغط سياسية تخرجها وتلقى بها على «الترابيزة» وقتما تشاء لنرضخ لابتزازها، وتمرر مصالحها التى هى ضد مصالحنا، وأحدث التحركات فى هذا الصدد التلويح بإصدار قانون «دعم الأقباط فى مصر» بعد طرحه على الكونجرس الأمريكى ليناقشه.

والخلاصة يا دكتور أن الدولة لا تمارس تمييزًا، والذى يفعل ذلك هم أفراد فى المجتمع بالفعل يصح وصفهم بالجهالة الدينية، وسواد القلب، وهم لا يقتصرون على أتباع دين دون آخر، وأولى بمثلك أن تعمل على علاجهم بدلًا من أن تتهم الدولة، أو تحرضها على الدين، وكل سنة وأنت وكل أشقاء الوطن من المسيحيين بخير، أعاد الله علينا الأعياد ونحن فى رباط، وأبعد عنا دعاة الفرقة والفتنة.

أضف تعليق