عقدت وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية بمقر معهد التخطيط القومي ورشة عمل مع الخبير الدولي جيفري ساكس رئيس مركز التنمية المستدامة ب جامعة كولومبيا بالولايات المتحدة الأمريكية، وذلك بمشاركة الدكتورة هالة السعيد، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية، والدكتورة ياسمين فؤاد، وزيرة البيئة، والدكتور محمود محيي الدين، المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لتمويل أجندة 2030 للتنمية المستدامة والمدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي، والدكتور أشرف العربي، رئيس معهد التخطيط القومي، وعدد من الخبراء والأكاديميين.
ناقشت الورشة عددا من الموضوعات، مثل اقتصاد المعرفة وأهميته، والأزمات البيئية، وضرورة التعاون الإقليمي، والتغيرات الجيوسياسية.
وخلال الحلقة النقاشية، قالت الدكتورة هالة السعيد إنه في ضوء التطورات الأخيرة التي حدثت في العالم، أصبح من المهم أكثر من أي وقت مضى تسريع تنفيذ أجندة 2030، مشيرة إلى التحديث القائم على رؤية مصر 2030، الذي يأتي بهدف مواكبة التطورات العالمية من جائحة كورونا إلى الصراع بين أوكرانيا وروسيا.
أضافت السعيد أن مصر قدمت في يوليو الماضي تقرير المراجعة الوطنية الطوعية الثالث أمام المنتدى السياسي رفيع المستوى للأمم المتحدة، الذي يقيس مدى التقدم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، موضحة أن مصر تقدم تقريرها الطوعي بانتظام، الذي يؤكد التزام مصر بتقييم ما تحرزه من أهداف ومشاركة خبراتها مع المجتمع الدولي.
وأشار إلى أن مصر واحدة ضمن عشر دول على مستوى العالم، التي شاركت في المراجعة الوطنية التطوعية، فضلا عن أن مصر أول دولة في العالم قدمت تقريرا عن تمويل اهداف التنمية المستدامة بالتعاون مع جامعة الدول العربيه وتحت إشراف الدكتور محمود محى الدين.
وأكدت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية أنه من أجل ترسيخ مكاسب المرحلة الأولى من برنامج الإصلاح الاقتصادي المصري، الذي أطلقته الحكومة في 2016، فقد بدأت الدولة في المرحلة الثانية من الإصلاح الاقتصادي، وهو البرنامج الوطني للإصلاحات الهيكلية، الذي أطلقه السيد رئيس الوزراء في أبريل 2021، مؤكدة أن الإصلاح يعني رفع القدرة الإنتاجية والتنافسية للاقتصاد.
أضافت السعيد أن برنامج الإصلاحات الهيكلية يستهدف تحويل مسار الاقتصاد المصري؛ ليُصبح اقتصادًا إنتاجيًا يرتكز على المعرفة ويتمتّع بقدرات تنافسية في الاقتصاد العالمي، وذلك من أجل تشجيع النمو الاحتوائي وخَلق فرص عمل لائق ومُنتِج، وتنويع وتطوير أنماط الإنتاج وتحسين مناخ الاستثمار وبيئة الأعمال وتوطين الصناعة المحلية وزيادة تنافسية الصادرات المصرية، مشيرة إلى تحديد ثلاثة قطاعات إنتاجية ذات أولوية رئيسية لبرنامج الإصلاحات الهيكلية هي الزراعة والصناعة والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وذلك بالتوازي مع دعم القطاعات الخدمية الـمُكمّلة والداعمة للقطاعات الإنتاجية.
كما أشارت الدكتورة هالة السعيد إلى المشروع القومي لتنمية الأسرة المصرية، الذي يعتمد على الارتقاء بالخصائص السكانية كالتعليم، والصحة، وفرص العمل، والتمكين الاقتصادي، والثقافة إلى جانب ضبط النمو السكاني، مع إدماج المكون السكاني في خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية وبتحقيق اهداف سكانية من خلال تنفيذ المشروعات القومية، لافتة إلى مبادرة حياة كريمة، التي تهدف إلى تحسين جودة حياة المواطنين بالريف المصري.
ومن جانبها، استعرضت الدكتورة ياسمين فؤاد وزيرة البيئة آليات دمج معايير الاستدامة البيئية وتحدي المناخ ضمن فترة التحول التنموي، التي تمر بها مصر، سواء على مستوى السياسات من خلال خلق المناخ الداعم، الذي يضمن استدامة الموارد الطبيعية وكفاءة إدارتها وتيسير عملية التنمية، وذلك بإعادة النظر في الإجراءات المنظمة وآليات تطوير قطاع البيئة فى مصر وتوسيع قاعدة الشركاء ، مشيرة إلى رفع مستوى الاهتمام السياسي والمؤسسي بقطاع البيئة وقضية تغير المناخ، فأصبح المجلس الوطني للتغيرات المناخية تحت رئاسة السيد رئيس مجلس الوزراء وبعضوية الوزارات المعنية، كما تم الانتهاء من أول استراتيجية وطنية لتغير المناخ ٢٠٥٠، التي تتناول المناخ الداعم على المستوى الوطني لمواجهة تحدي تغير المناخ بشكل شامل، حيث تتناول إلى جانب موضوعات التكيف والتخفيف، حوكمة المناخ وإدارة تمويل المناخ والبحث والتكنولوجيا.
وأكدت وزيرة البيئة فيما يخص تمويل المناخ، ضرورة إيجاد آلية تمويلية مبتكرة تسمح بمزيج من التمويل العام والخاص، وايجاد سبل للوصول لمصادر التمويل، والبحث عن التكنولوجيا منخفضة التكلفة، لذا تسعى مصر من خلال رئاستها لمؤتمر المناخ القادم COP27، الذي سيكون مؤتمرا للتتفيذ، إلى جمع قصص نجاح المشروعات حول العالم لتسريع وتيرة العمل المناخي.
واستعرض جيفري ساكس خلال اللقاء عدد من القضايا، مشيرًا إلى التغيرات الجيوسياسية التي تحدث حاليا، موضحا أن مصر لديها فرصة كبيرة لجذب الاستثمارات الخضراء فى مجال الطاقة المتجددة، لافتا إلى أن محطة بنبان بأسوان، التي تعد أكبر محطة للطاقة الشمسية وواحدة من المشروعات الواعدة في قارة أفريقيا، وأن مصر تتمتع بشمس ساطعة من الممكن استغلالها بالشكل الأمثل فى توفير احتياجتها من الطاقة المتجددة وتصديرها للخارج؛ لتكون أحد أهم نقاط تحقيق تقدم في مجال الطاقة المتجددة.
وأوضح جيفري ساكس أن أكبر مشكلة تواجه الاستثمار فى الطاقة المتجددة هو تحمل المستثمر لكل النفقات والتكلفة الرأسمالية، مؤكدا أن العالم يحتاج إلى تغيير معتقداته وتشجيع التحول نحو الاقتصاد والاستثمار الأخضر، وتمويل المشروعات الخضراء فى ظل ما يعانيه النظام البيئي للعالم كله من الانهيار.
وأكد جيفري ساكس أن مصر لديها فرصة؛ لتحقيق التقدم بالتركيز علي اقتصاد المعرفة والطاقة المتجددة والتعليم الفنى، موضحا أنه من المهم أن يتم توجيه أحد الأولويات الكبرى لنظام التعليم، حيث يجب أن ينتهي الطلاب على الأقل من المرحلة الثانوية فى التعليم، مشيرا إلى أهمية التعليم المهنى وتعليم البالغين، الذين لم يحصلوا على تعليم جيد، الذين يمكن لهم أن يكتسبوا عددا من المهارات من خلال الانترنت، بالإضافة إلى الحصول على شهادة فى التنمية المستدامة ومجالات اخرى كالصحة من خلال الدراسة عبرالانترنت.
كما أكد أهمية وجود اقتصاد يعتمد على المعرفة، مشيرا إلى أنه يمكن تخصيص جزء من الناتج المحلى لتحقيق هذا الغرض، مشددا على أن الاقتصاد المبنى على المعرفة يجب أن يكون نصب أعيننا وفى مقدمة أولوياتنا.
وأبدى جيفري ساكس إعجابه بمبادرة حياة كريمة، مؤكدا أن الكرم هو مفتاح الحياة، وأن المبادئ الإنسانية هي الأساس لحياة كريمة، موضحا أن مبادرة حياة كريمة تعد نموذجا للمشروعات التنموية، التي تحقق أهداف التنمية المستدامة.
وأشار الدكتور محمود محيي الدين إلى مؤتمر المناخ cop 27، الذي ستستضيفه مصر، موضحًا أهمية نجاح هذا المؤتمر فهي ليست فقط مؤتمرا للحديث ولكن أيضا لاتخاذ الخطوات الفعالة للحفاظ على الكوكب، وأن الحكومة المصرية تبذل أقصى الجهود لتمويل الاقتصاد الأخضر.
تابع محيي الدين أنه من المهم التركيز على الجانب العملي، فلا يصح الحديث عن المناخ في عزلة عن باقي القضايا، لذا فإن الكثير من الدول فلت فى إدارة التحول على الرغم من اقتصاداتها المتطورة، مؤكدا أنه بالنسبة لمصر؛ فالدولة تعمل بكفاءة لتنفيذ رؤية 2030 وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، فهي رؤية كاملة، فلا نستطيع التحدث عن التغير المناخي والمشكلات البيئية والناس تعاني من الفقر والبطالة وعدم المساواة، لذا فإن رؤية مصر هي رؤية شاملة لجميع القضايا، مؤكدا أهمية توافر التمويل من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة وكيفية إدارة ومحاسبة ومتابعة هذا التمويل بشكل جيد، مؤكدا أن التنمية المستدامة تجعلنا في وضع أفضل وتعيدنا على المسار الصحيح، مشيرا إلى الخطوات، التي تساعدنا على ذلك فيما يتعلق بالاستثمار لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وخلال كلمته استعرض الدكتور أشرف العربي تاريخ نشأة معهد التخطيط القومي كأول مركز فكري مستقل في مجال التخطيط والتنمية في المنطقة العربية ودول الخليج العربي والشرق الأوسط وأفريقيا، مشيرا إلى تواجد أكثر من 120 من أعضاء هيئة التدريس من مختلف المجالات داخل المعهد، الذي يعد مؤسسة فكرية متعددة التخصصات توفر الدعم الفني للحكومة والقطاع الخاص من خلال أساليبها العلمية، التي تشمل التدريب والاستشارات وخدمات المجتمع، حيث يوجد لدى المعهد ثمانية مراكز أكاديمية تغطي مجالات التخطيط والتطوير، لافتا إلى الخدمات التعليمية والتدريبية والبحثية المتنوعة التي يقدمها، مشيرًا إلى أن المعهد عقد مجموعة من الشراكات مع العديد من المنظمات الدولية والإقليمية مثل البنك الدولي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، والاسكوا، ومنظمة الفاو، ومنظمة العمل الدولية، والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، والبنك الأفريقي للتنمية، ومعهد التخطيط العربي، ومؤخرا مع المعهد الدولي لتحليل النظم التطبيقية.
وأشار إلى أن المعهد لعب دورًا رئيسيًا مع شركاء آخرين تحت مظلة وزارة التخطيط في تصميم وتحديث رؤية مصر 2030، بالإضافة إل عقد مؤتمر دولي سنويًا حول التنمية المستدامة منذ عام 2017.