أصبح شيئًا لافتًا للنظر أن معظم الجالسين على المقاهى من الشباب.. وممن فى مقتبل العمر.. بعد أن كانت "المقاهى" زمان لا يجلس عليها إلا كبار السن وأصحاب المعاشات.. وهى ظاهرة تدعو للتوقف أمامها.. فلا نمر على مقهى إلا ونجده يعج بالشباب على آخره ليلاً ونهارًا.. وطوال الأسبوع ورغم أننا لسنا فى أيام عطلات.
والعجيب أيضًا أن الأمور وصلت إلى أن الفتيات –هن الأخريات– أصبحن من رواد المقاهى (!!).. ولم تعد اسمها "قهاوى"، وإنما يطلقون عليها "كافيهات" لزوم الموضة، حيث أصبح معظمها مزودًا بـ"الواى فاى"، بجانب الشيشة لجذب الشباب.. والكل مشغول "بموبايله"، وكأنهم فى عالم آخر.. غير عابئين بما يدور حولهم.
والغريب أيضا أن المقاهى أصبحت عامرة بالشباب.. طوال اليوم.. وطوال الأسبوع، ولم تعد مقصورة على أيام العطلات، وكأنه ليس عندهم دراسة أو امتحانات أو عمل.. بعد أن كان خروج هذه الفئة العمرية من البيوت مقصورًا فقط على يومى الخميس والجمعة فقط من كل أسبوع وأيام الإجازات المرتبطة بالمناسبات كالأعياد للترويح عن أنفسهم من عناء الدراسة أو العمل.. مما يشير إلى أن "فيه حاجة غلط"، حدثت فى المجتمع.. ونشعر بأن الشباب "إنفلت" عيارهم.
فالحال تبدل بأن أصبح كبار السن هم الجالسون فى البيوت أمام التليفزيون.. والشباب هم الجالسون على المقاهى، بعد أن كان من الأشياء المعيبة جلوس النشء الصغير على المقاهى.. والتى معها اختلفت نوعية الكلام، والألفاظ، وطريقة الحوار بفارق 180 درجة.. وتغيرت تقاليد المجتمع، وإن كنت أرى أن السبب الرئيسى وراء هذه الظاهرة هو البطالة، والفراغ، وهى ظاهرة ليست وليدة اليوم وإنما ترجع إلى 40 سنة مضت، حيث كانت إحدى سياسات الحزب الوطنى (المنحل) وقتها، هو التوسع فى فتح "القهاوى" فى كل مكان لاحتواء الشباب لعدم وجود وظائف ولتكون بديلاً عن الأندية، والتى يتطلب الاشتراك فيها آلاف الجنيهات، والتى ليست فى مقدرة الشباب.
والحقيقة أن مشكلة البطالة تحتاج للمواجهة؛ لأن الاستثمار فى البشر، يعد من الأشياء المهمة، وخاصة أننا على أبواب الجمهورية الثانية، والتى أحد عناصرها هو بناء الإنسان.. فلا يمكن أن نترك الشباب هكذا جالسين على "القهاوى" بلا عمل.
وهى قضية لا أعرف هل نلوم على شبابنا أو نلوم على الحكومة؟!.. فالأمر يتطلب التفكير خارج الصندوق لتوفير الوظائف للشباب عن طريق تشجيع إقامة المشروعات الصغيرة.. وأن تكون هناك وزارة مهمتها المساعدة فى التشغيل، وتغيير السياسات التعليمية بالإقلال من إنشاء الكليات، التى عفا عليها الزمن، ونهايتها البطالة والاتجاه لإنشاء الكليات والتخصصات الجديدة التى يحتاجها سوق العمل.. فأحد مكونات بناء الإنسان هو إيجاد الوظيفة المناسبة له.