قوة العرب

شهدت القاهرة ومنطقة الخليج العربى جولات رئاسية رفيعة المستوى عقدت على آثارها أكثر من ثمانى قمم، حملت جميعها رسالة مفادها؛ وحدة الصف العربى فى مواجهة كل التحديات لعبور مرحلة فارقة فى تاريخ المنطقة، فتطابق الرؤى بين الأشقاء يجعل القرار العربى أكثر قوة وتأثيرًا.

تذكرت خلال متابعتى، فى الأسبوعين الماضيين، قمم عربية ثنائية شهدتها القاهرة أو قمم عقدت خارج القاهرة خلال زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى لكل من مسقط والمنامة، تلك الأبيات التى شكلت وجداننا وحفظناها خلال المرحلة الابتدائية فى نشيد حمل عنوان «الوطن العربي»:

بلاد العرب أوطانى

وكل العرب إخوانى

أنا فى أرض ليبيا

أو بسوريا أو بلبنان

أنا فى تونس الخضرا

أو فى مصر والسودان

أنا فى أرض العرب

أحيا بين أوطاني

لنا ماض نمجده وتاريخ لشجعان

وسوف تعود أمجادى وسوف تعود أزماني

ونحيا فوق أرض العرب

فى عز وسلطان

فالوطن العربى لن يقوى ولن يكون قادرًا على مواجهة التحديات إلا بوحدته التى طالما ظهرت فى مواجهة أى من التحديات أو المشكلات كان أكثر قدرة على قهر تلك التحديات وحل المشكلات.

(1)

صحيح أن الجامعة العربية «بيت العرب» تأسست فى منتصف الأربعينيات لتوحيد كلمة العرب فى مواجهة أكبر تحدٍ.. وهو «الاستعمار» الذى ضرب جسد الأمة العربية وتحت عباءته احتلت العصابات اليهودية الأراضى الفلسطينية، لكن العرب تحت لواء الجامعة فشلوا فى إخراج اليهود من فلسطين عام 48، إلا أن ثورة يوليو 52 كانت ملهمة للمنطقة العربية والعالم وقادت مشعل التحرر من الاستعمار فى العديد من البلدان العربية والإفريقية.

وفى أكتوبر 1973 كان لوحدة الصف العربى والقرار العربى دور مهم فى تحقيق النصر، ولأن المنطقة العربية تتميز بموقعها الذى يتوسط العالم، وما تمتلكه من قدرات وموارد، خاصة الوقود الأحفوري.. جعلها دائمًا محط أنظار ومطامع القوى الخارجية.

ورغم أن اكتشاف النفط فى منطقة الخليج العربى بدأ فى ثلاثينيات القرن العشرين، إلا أن أهميته ظهرت بقوة بعد وحدة القرار العربى بوقف صادرات النفط عن كل الدول الداعمة لإسرائيل خلال حرب أكتوبر 73.

«القرار» الذى جعل العالم ينتبه لضرورة العمل على عدم السماح لتلك المنطقة بتوحيد قرارها؛ والعمل الدائم على زعزعة استقرارها.

إنه التحدى الأكبر الذى ضرب المنطقة، وكانت البداية عقب إعلان الرئيس السادات عن مبادرة السلام، فارتفعت أصوات المقاطعة التى غذّتها قوى خارجية استهدفت فصل مصر عن محيطها العربي.. إنها خطة تقطيع أوصال الجسد العربى وخلق حالة من التوتر فى العلاقات فيما بينها.

وحاول العرب إعادة اللُّحمة إلى الجسد العربى إلا أن قوى خارجية أبت أن يحدث ذلك وحرصت على تأجيج حالة عدم الاستقرار والتوتر فى العلاقات العربية العربية.

حتى كانت أحداث أغسطس 1990 التى زلزلت أركان المنطقة العربية بغزو العراق للكويت، والتى كانت بمثابة جرح غائر فى الجسد العربي؛ ترك أثرًا سلبيًا كبيرًا بعد تدخل قوى خارجية فى المنطقة.

وتوالت الأحداث، وفى فبراير 1991 تم تحرير الكويت من الغزو العراقي، لكن الأمر لم ينتهِ بالمنطقة عند هذا الحد.

فقد حرصت الولايات المتحدة عقب تحرير الكويت على تدمير القوة العسكرية العراقية، وظلت الإدارة الأمريكية تنتظر الفرصة المواتية وتحت زعم امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل تم الانقضاض عليه فى مارس 2003.

لم يستطع العرب وقف الغزو الأمريكى البريطانى الذى بدأ 19 مارس رغم عقدهم لقمة عربية طارئة فى الأول من مارس 2003 فى مدينة شرم الشيخ؛ وكان مقررًا لها أن تستمر على مدى يومين إلا أنها انتهت فى نفس اليوم وشهدت مزيدًا من الأزمات العربية العربية، بعد أزمة فى الجلسة العلنية الأولى بين ليبيا والمملكة العربية السعودية وبين الإمارات والأمين العام للجامعة العربية فى ذلك الوقت عمرو موسى، كما أحدث الحرس الخاص للرئيس الليبى معمر القذافى أزمة مع الحرس الجمهورى عند وصوله مقر القمة.

وانتهت القمة ببيان ختامى شدد على ضرورة احترام سيادة شعب العراق على أراضيه، لكن المشهد العربى فى القمة لم يدل على قدرة العرب على مواجهة القرار الأمريكي.

لتسقط أولى الدول العربية فى أتون الفوضى.

(2)

تم إعداد مخطط أكثر خبثًا للمنطقة استهدف زعزعة الدول وضرب استقرارها من الداخل مستغلاً حالة الترهل التى ضربت بعض الأنظمة، والفساد الذى أغضب الشعوب.

فضربت المنطقة موجة ضخمة من الفوضى سقطت فيها 8 دول عربية لم تنجُ منها سوى دولة واحدة، هى مصر.

وخلال السنوات الإحدى عشرة الأخيرة تحاول المنطقة استعادة استقرارها وتحرص مصر على دعم كل الدول العربية التى أثرت فيها رياح الخريف العربى لاستعادة استقرارها وأمنها.

لكن ذلك لن يحدث إلا بوحدة «القرار العربي» واستعادة قوة العرب والحرص على أن يكون قرار الدول نابعًا من شعوبها، بعيدًا عن التدخلات الخارجية.. خاصة أن القوى الخارجية جعلت من المنطقة العربية مسرحًا لتجارب السلاح الخاص بها.

والمدقق فى المشهد يدرك أن هذا الأمر (وحدة القرار العربي) غير مرحب به من القوى الخارجية.

وكذلك تشكيل القوة العربية المشتركة، والذى يأتى تنفيذًا لقرار الجامعة العربية الصادر فى عام 1948 بعد توقيع معاهدة الدفاع العربى المشترك، لكن تلك القوة لم تتشكل بعد.

وتتوالى الأحداث والتحديات التى تضرب العالم والمنطقة، خاصة خلال الفترة الأخيرة وعقب الأزمة العالمية الناتجة عن الحرب الروسية الأوكرانية المنبئة بشكل جديد للعالم، أصبح لزامًا على الدول العربية أن توحد قرارها فى مواجهة تلك التحديات لتكون أكثر قوة وقدرة على عبور تلك الفترة وليكون لها مكان أكثر قوة فى المشهد العالمى الجديد.

وهنا لابد للشعوب العربية أن تواصل اصطفافها وثقتها فى قادتها خلال الفترة القادمة.

فقد تذكرت كلمة للرئيس عبد الفتاح السيسي وجهها للشعب المصرى فى سبتمبر 2019، خلال المؤتمر الوطنى الثامن للشباب وفى جلسة اسأل الرئيس قائلاً: «العفى محدش يقدر يأكل لقمته، ومصر مش هتبقى عفية إلا بيكم».

ولأن قوة الدولة مستمدة من قوة شعبها وتماسكه وثقته فى قيادته الوطنية، فإن الشعب المصرى استطاع فى 30 يونيو أن يقدم نموذجًا لقدرة الشعب على مواجهة التحديات وتحقيق المستحيل، وأن يقف خلف قيادة يثق فيها عندما نادى الشعب الفريق أول عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع فى ذلك الوقت للنزول على رغبة الشعب لقيادة سفينة الوطن.

واصطف الشعب خلف قيادته فى ملحمة ستظل نقطة فاصلة فى تاريخ مصر ودليلاً على عظمة وقوة الشعب المصرى صاحب الإرث الحضارى الضارب فى أعماق التاريخ.

ولأن مصر لا يمكن لها أن تنفصل عن محيطها العربى وعمقها الإفريقي، كان اهتمامها بتحقيق الاستقرار فى المنطقة العربية لكى تنعم الشعوب العربية بمقدرات أوطانها، وتحصل المنطقة على مكانتها اللائقة فى ظل مجتمع دولى لا يعرف سوى لغة التكتلات والقوة.

(3)

ولأن مصر لديها ثوابت دبلوماسية راسخة تعتمد على الصدق والعمل المشترك من أجل تحقيق مزيد من الأمن والاستقرار والتنمية، كان حرصها على إعادة الاستقرار للدول التى ضربتها الفوضى ودعم الشعوب العربية لعبور تلك المرحلة لتنطلق المنطقة العربية بالكامل نحو مرحلة جديدة، أحد ثوابتها الأساسية الراسخة، التعاون من أجل بناء عربى قوي، قادر على مواجهة التحديات التى تعصف بالعالم؛ ومنطقة الشرق الأوسط والمنطقة العربية التى هى جزء منه.

لقد جاءت جولة الرئيس عبد الفتاح السيسي الخارجية الأسبوع الماضى والتى زار فيها كلاً من سلطنة عمان ومملكة البحرين، وسبقتها قمة مصرية سعودية استمرت على مدى يومين استقبلت فيها القاهرة الأمير محمد بن سلمان، ولى العهد السعودي، وكذلك القمة المصرية القطرية التى استمرت يومين، وكذا المباحثات المصرية الإماراتية، وسبقها القمة المصرية الأردنية البحرينية بمدينة شرم الشيخ.

كل تلك اللقاءات استهدفت بحث سبل التعاون العربى المشترك والعمل على توحيد الرؤى بشأن القضايا العربية فى ظل تحديات كبرى وتحقيق المزيد من التعاون الاقتصادى بين الدول العربية، لمواجهة الأزمة الاقتصادية العالمية واستعداد المنطقة لعقد قمة عربية أمريكية وتوحيد الاستراتيجية العربية تجاهها.

فالمنطقة العربية تمتلك من الموارد ما يجعلها قوة اقتصادية كبرى إذا ما حدث تكامل بينها فى ظل وجود اتفاقيات موقعة بين الدول العربية تستهدف زيادة التجارة البينية فيما بينها، وكذلك ما تمتلكه من فرص استثمارية تعد بمثابة فرصة حقيقية لرءوس الأموال العربية المهاجرة خارج المنطقة والتى تبلغ تريليونى دولار.

إن ما تمتلكه المنطقة العربية من تنوع مناخى جعلها قادرة على توفير أمنها الغذائى ليس لشعوبها فقط، بل تكون من أكثر المناطق قدرة على تصدير الغذاء إلى العديد من دول العالم.

كما أن ما تمتلكه من ثروات وموارد ومواد خام يجعلها قادرة على تحقيق طفرة تنموية غير مسبوقة.

لقد آن الأوان لتحقيق تكامل اقتصادى عربى حقيقى فى ظل العديد من الاتفاقيات الموقعة والتى دخلت حيز التنفيذ والداعمة لمزيد من الاستثمار العربي.

لقد آن للعالم العربى أن يدرك؛ أن قوته الحقيقية فى وحدة قراره والعمل على استقرار دوله، وخلق مزيد من التنمية ليكون قادرًا على التصدى للتحديات ويعبر الأزمات.

حفاوة الاستقبال التى شاهدناها خلال استقبال السلطان هيثم بن طارق آل سعيد، سلطان عمان، للرئيس عبد الفتاح السيسي خلال زيارته لسلطنة عمان تدل على عمق العلاقات الأخوية بين الدولتين قيادة وشعبًا.

فقد أطلقت المدفعية العمانية 21 طلقة احتفالاً بوصول الرئيس السيسي وهو تقليد يدل على قوة العلاقة بين الزعيمين.

وخلال زيارة الرئيس السيسي للعاصمة البحرينية كان استقبال حافلاً أيضًا عبر عن مكانة الرئيس عبد الفتاح السيسي لدى أخيه الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك البحرين، ولدى الشعب البحريني.

وفى تقليد غير مسبوق توسطت صورة الرئيس عبدالفتاح السيسي الصالون خلال استقبال الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، ولى العهد، نائب القائد الأعلى رئيس مجلس الوزراء البحرينى له.

إنه دليل على حجم العلاقة القوية والتقدير من قبل قيادة وشعب البحرين للرئيس السيسى والدولة المصرية.

أضف تعليق

حكايات لم تنشر من سيناء

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2