9 سنوات مضت على ثورة الثلاثين من يونيو، الثورة التي حطمت كل المخططات المرسومة مسبقًا للمنطقة وأوقفت العملية المتسارعة التي استهدفت خلق حالة من الفوضى يتبعها تنفيذ لخريطة حدود الدم.
لم يتوقع واضعو المخطط سرعة رد فعل الشعب المصري.. فى ظل ما تحدثت به مراسلات وبرقيات مندوبيهم فى المنطقة عن أن التيار الذي دعمته قوى الشر قادر على البقاء فى السلطة لفترة طويلة، واستعداده الكامل للموافقة على إعادة تقسيم خارطة المنطقة، وكان «البشير» نموذجًا لذلك.
واستطاع الشعب المصري صاحب الحضارة والمؤمن بوطنه، أن يقدم رسالة للعالم مفادها «الشعب الذي بنى حضارة عمرها سبعة آلاف عام.. وكان صاحب أول دولة فى التاريخ لا يمكن له أن يفرط يومًا فى وطنه أو يترك الدولة الوطنية فريسة للتقسيم».
صبر الشعب لمدة عام لكنه رأى أن دولته تختطف للقذف بها نحو المخطط المسموم.. هنا تحرّك الشعب لإنقاذ الدولة واستعادتها والسير بها فى الاتجاه الصحيح.
فالشعب المصري لا يمكن أن يفرّط فى دولته، فدونها دماء أبنائه.. فيولّي الصالحين من الحكام، وينبذ الطالحين.
ولكي يُكتب للثورات النجاح لا بد لها من مبادئ تعمل على تنفيذها فتتحقق طموحات جموع الشعب الذي خرج ثائرًا يبحث عن الأفضل أو مستعيدًا للوطن الذي كاد ينهار.
وجاءت مبادئ ثورة الثلاثين من يونيو على لسان الشعب المصري فى هتافات حناجره التي زلزلت أركان حكم الجماعة الإرهابية؛ مطالبة بالعيش والحرية، والعدالة الاجتماعية، وإسقاط حكم المرشد، واكتملت خطوط تلك المبادئ عقب الاجتماع الذي عقدته القوات المسلحة استنادًا إلى مسئوليتها الوطنية والتاريخية والتشاور مع عدد من رموز القوى الوطنية والسياسية والشباب ودون استبعاد أو إقصاءٍ لأحد.. حيث اتفق المجتمعون على خارطة مستقبل تتضمن خطوات أولية تحقق بناء مجتمع مصري قوى ومتماسك لا يقصى أحدًا من أبنائه وتياراته وينهى حالة الصراع والانقسام.
وضع ميثاق شرف إعلامي يكفل حرية الإعلام ويحقق القواعد المهنية والمصداقية والحيدة وإعلاء المصلحة العليا للوطن.
اتخاذ الإجراءات التنفيذية لتمكين ودمج الشباب فى مؤسسات الدولة ليكون شريكًا فى القرار كمساعدين للوزراء والمحافظين ومواقع السلطة التنفيذية المختلفة.
كانت تلك بمثابة مبادئ أولية ل ثورة 30 يونيو 2013، وبدأ العمل على تنفيذها خلال السنوات الثماني الماضية، لكن الثورات الوطنية الكبرى دائمًا ما تصيغ مبادئها خلال عقدها الأول وتطورها لتتوافق مع طموحات شعبها لترسم استراتيجية لدولة قوية.
فقد حرصت جموع الشعب الثائرة على عدم المساس بمقدرات الوطن والحفاظ عليها، لأنهم لم يكونوا باحثين عن خلق حالة من الفوضى كما فعلت الجماعة الإرهابية عندما قفزت على ثورة 25 يناير.
لكنهم كانوا يبحثون عن استرداد وطنهم والحفاظ على دولتهم وبناء مؤسساتها التي طالتها أيدي قوى الشر بالتخريب.
الأمر الذي جعل ثورة 30 يونيو التي استمرت حتى يوم 3 يوليو لم تشهد عملية تخريب واحدة أو استهدافًا لمقار مؤسسات الدولة.
لقد كانت الصورة مختلفة تمامًا عما شهدته مصر من أحداث فى يناير 2011، وكذا عقب إطاحة الشعب بحكم الإخوان.
وإذا أردنا التوقف عند مبادئ ثورة 30 يونيو التي صاغها الشعب فقد كان أول تلك المبادئ هي:
استعادة دور مصر الريادي على المستويين الإقليمي والعالمي:
عقب أحداث 2011 وبعدها وخلال فترة حكم الجماعة الإرهابية انفصلت مصر عن محيطها الإقليمي، والعربي، بل إن العلاقات المصرية مع قارتها الأم واصلت الترهل والانهيار، الأمر الذي كان يستوجب ضرورة استعادة دور الدولة المصرية الإقليمي والدولي.
فعقب ثورة 30 يونيو استعادت مصر بقوة علاقاتها العربية، بل خلال الثماني سنوات الأخيرة استطاعت مصر استعادة دورها الريادي.
فعادت بقوة لقارتها الأم (إفريقيا) ولمحيطها العربي كما نجحت فى استعادة مكانتها الدولية.
الحرية:
فللمواطن حرية الرأي والمعتقد والاختيار وقد حفظها له الدستور فى 2014، دون أن يؤثر على حرية الآخرين وبما يحفظ ثوابت الدولة.
فمصر وطن يتسع للجميع دون إقصاء أو استبعاد لأحد؛ وطن خالد للمصريين، ورسالة سلام ومحبة لكل الشعوب.
تحقيق العدالة الاجتماعية:
تعتبر العدالة الاجتماعية مطلبًا أساسيًا للشعوب فى العالم المعاصر، وعلى الرغم من الإدراك الضمني لمفهوم العدالة الاجتماعية لدى معظمنا؛ يظل من الصعب اختصار تعريف العدالة الاجتماعية دون الخوض فى مبادئ ومقومات العدالة الاجتماعية.
فقد كانت أحد مطالب الجماهير فى ثورتي 25 يناير و٣٠ يونيو وفشلت ثورة يناير، التي اختطفتها الجماعة الإرهابية، فى تحقيق ذلك، وجاءت ثورة 30 يونيو لتحقق مبدأ العدالة الاجتماعية الذي نادت به الجماهير وصار أحد مبادئ ثورتهم.
ويقوم مفهوم العدالة الاجتماعية على تحقيق الإنصاف لجميع أفراد المجتمع، بحصولهم على فرص عادلة اجتماعيًا واقتصاديًا وسياسيًا، وعرّفت الأمم المتحدة العدالة الاجتماعية بأنها «التوزيع العادل والرحيم لثمار النمو الاقتصادي».
وفى هذا الإطار عملت الحكومة المصرية على تحقيق مبدأ العدالة الاجتماعية من خلال مجموعة من البرامج التي تكفل الحماية الاجتماعية لأفراد المجتمع لتحقيق العدالة وتحقيق الحياة الكريمة لهم.
مثل مبادرات الرعاية الاجتماعية ومبادرة حياة كريمة التي تعتبر أكبر مبادرة لتحقيق العدالة الاجتماعية، وتحقيق جودة الحياة لنصف المجتمع المصري خاصة فى الريف.
بناء مجتمع مصري قوى ومتماسك يتسع للجميع:
لقد استهدفت قوى الشر على مدى ثلاث سنوات منذ 2011 وحتى ثورة 30 يونيو 2013، ضرب المجتمع المصري من الداخل بهدف خلق حالة من الانقسام وخلخلة ثوابته وتأجيج روح العصبية والطائفية المقيتة لتقسيم الدولة، من هنا جاءت أحد مبادئ الثورة لتؤكد على أهمية بناء مجتمع مصري قوي ومتماسك قادر على مواجهة التحديات، يقف صفًا واحدًا خلف دولته الوطنية ويعمل على تثبيت أركانها.
فمصر وطن نعيش فيه ويعيش فينا وهو ما نصّت عليه ديباجة الدستور وعملت عليه كل مؤسسات الدولة.
تحقيق الديمقراطية :
لقد استطاعت ثورة 30 يونيو أن تستكمل المسار الديمقراطي فى ظل بناء دولة تؤمن بالديمقراطية والتعددية السياسية وحق الشعب فى صنع مستقبله فهو وحده مصدر السلطات.
فالديمقراطية هي المسار الصحيح لبناء دولة قادرة على مواجهة التحديات تطمح بأن تصل إلى المكانة التي تليق بها.
ولكي تحقق الديمقراطية الحقيقية لا بد من أن يكون الحوار هو اللغة السائدة والطريق السليم نحو مجتمع أكثر نضجًا، وقدرتها على خلق مساحات وأفق أكثر رحابة لتسع الجميع من أجل استكمال البناء.
فالحوار الوطني الذي أطلقه الرئيس عبد الفتاح السيسي هو تحقيق لمبدأ من مبادئ الثورة، وجاء بعد أن نجحت الدولة فى تحقيق الاستقرار ومواجهة كل المشكلات والتحديات.
ليكتمل بناء الوطن بحوار يصل إلى مجموعة من المخرجات تمنح الوطن مزيدًا من القوة والقدرة.
وفى ظل التعددية الحزبية وصعود كيانات سياسية جديدة خلقت حراكًا سياسيًا مثل تنسيقية شباب الأحزاب، يصبح الحوار الوطني هو أعلى مراحل المسار الديمقراطي طالما كان الهدف لدى الجميع واحدًا وهو بناء الدولة والحفاظ عليها.
تحديث القوات المسلحة:
في ظل المتغيرات والأحداث التي ضربت المنطقة وحالة عدم الاستقرار فى المحيط الاستراتيجي للدولة؛ ومواجهة الدولة لتهديدات الأمن القومي، كان لا بد من تحديث القوات المسلحة لتظل قادرة على مواصلة استكمال مهمتها الوطنية فى حماية أمن الوطن ومقدراته، وقد شهدت القوات المسلحة بكل أسلحتها أكبر عملية تحديث وتطوير فى تاريخها منذ ثورة 30 يونيو وحتى الآن، مما جعلها من أقوى عشرة جيوش على مستوى العالم.
كما شهدت أكبر عملية تطوير وتحديث فى مجال التصنيع العسكرى، وقد كان معرض إيديكس للصناعات الدفاعية إحدى نتائج عملية التطوير والتحديث للصناعات العسكرية المصرية ودليلاً على ثقة العالم فى قدرات وإمكانيات الدولة المصرية وقواتها المسلحة.
دمج الشباب فى مؤسسات الدولة:
لقد استطاع الشباب أن يقدم نموذجًا رائدًا فى تحمل المسئولية بما يمتلك من رؤى وأفكار لبناء الدولة، كما أن الشباب كان فى طليعة الصفوف فى ثورتي 25 يناير و30 يونيو مطالبًا باستعادة الدولة والحفاظ عليها.
كما أن الدولة المصرية دولة أكثر من نصف تعداد سكانها من الشباب، وهو ما يستوجب ضرورة الاستفادة من هذه القوة المجتمعية.
فتم العمل على تدريب الشباب على القيادة من خلال البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب، والذي كان بمثابة نقطة الانطلاق نحو تمكينهم بشكل حقيقي لتنفيذ مبادئ الثورة ودمجهم فى مؤسسات الدولة.
وقد حققت التجربة إنجازات ومكاسب للشباب بمختلف أعمارهم، فتولى الشباب مناصب معاونين ونواب للوزراء ومحافظين ونواب محافظين، حيث شكل الشباب 60% من حركة المحافظين لعام 2019، فضلاً عن زيادة نسبة تمثيلهم فى الغرف النيابية بشقيها الشورى والنواب.
حرية الإعلام:
لأن الإعلام أصبح أحد عناصر قوى الدولة الشاملة والأكثر تأثيرًا فيها، حرصت ثورة 30 يونيو على تحقيق حرية الإعلام، حتى يقوم بدوره المحوري والمهم فى بناء العقول ويصبح حائط صد فى معركة تستهدف احتلال العقول قبل احتلال الأوطان.
وقد استهدفت الثورة للحفاظ على حرية الإعلام أن يكون أحد مبادئها، وضع ميثاق شرف إعلامي يكفل حرية الإعلام ويحقق القواعد المهنية والمصداقية والحيدة وإعلاء المصلحة العليا للوطن.
زيارة الأمير محمد بن سلمان للقاهرة والتي استمرت على مدى يومين فى مقدمة جولة خارجية قام بها ولي العهد السعودي، حملت العديد من الدلالات والرسائل أهمها أن العلاقات المصرية السعودية تعيش عصرها الذهبي فى ظل تطابق للرؤى بين الدولتين فى العديد من القضايا الإقليمية والدولية.
وقد بلغ عدد الاتفاقيات التي تم توقيعها بين البلدين خلال الزيارة
14 اتفاقية.