سيناء وسنوات البناء

فى الوقت الذى تحتفل فيه مصر بمرور 40 عاما على تحرير سيناء وعودة كامل التراب الوطني، كانت تلك البقعة المباركة من أرض مصر تعانى لفترات من حالة ضعف شديد فى التنمية، حالها كحال معظم المناطق الحدودية فى معظم دول العالم.

لكن سيناء ومنذ عهد الرئيس عبد الناصر وبالتحديد عقب العدوان الثلاثى والاجتياح الإسرائيلى لسيناء، أدرك الرئيس جمال عبدالناصر أهمية تنمية سيناء وزراعتها بالبشر خاصة وأنها تمثل سدس مساحة مصر، وبدأ التخطيط للمشروع إلا أنه لم يكتمل ولم تتحول الفكرة إلى واقع حتى جاءت نكسة يونيو 67 ولكن عقب انتصار أكتوبر 1973 حرص الرئيس أنور السادات فى 18 أبريل 1974 على وضع استراتيجية لتنمية سيناء، مع مجموعة من علماء مصر تحت عنوان «ورقة أكتوبر»، وأعلن إنشاء الجهاز القومى لتعمير وتنمية سيناء.

لكن المشروع لم يتم بخطوات متوافقة مع أهميته الاستراتيجية وتأثيره على الأمن القومى المصرى وكان المنتظر أن نخطو خطوات سريعة عقب استلام مصر لكامل ترابها الوطني؛ لكن استشهاد الرئيس السادات أخر المشروع بعض الشيء. وفى عام 1984 أعلن الرئيس مبارك البدء فى المشروع القومى لتنمية سيناء، وبدأ التحرك بطيئا جدا حتى كاد لا يرى. وفى أوائل التسعينيات من القرن الماضى بدأ العمل فى مشروع ترعة السلام والذى كان يستهدف زراعة وتنمية 220 ألف فدان لكن المشروع لم يكتمل.

كما لم يكتمل مشروع إعادة تشغيل خط السكك الحديدية ليصل إلى العريش ورفح مرة أخرى بعد أن دمر عقب نكسة 67.

هذا بشأن شمال سيناء، أما جنوبها فقد تم التركيز على مدينة شرم الشيخ التى حظيت باهتمام كبير نظرا لأهميتها السياحية.

(1)

ظلت تنمية سيناء بشكل حقيقى أحد مطالب أبنائها، وأحد الملفات الاستراتيجية المهمة والمؤثرة على الأمن القومى المصري.

وجاءت أحداث 2011 لتكشف خطورة التأخر فى تنمية سيناء وأثرها على الدولة المصرية فى ظل استغلال العناصر الإرهابية لها كأحد المحاور التى تستطيع من خلالها التأثير على أمن واستقرار مصر.

وعقب تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى المسئولية، كان القرار الخاص بتنمية سيناء ليس مجرد اقتراحات أو أفكار أو رؤى تنفذ ببطء بل كانت واقعا ملموسا على الأرض بعد دراسة علمية دقيقة رغم التحديات.

وكانت البداية أن يتم العمل فى تنمية سيناء بالتوازى مع العمليات الأمنية والعسكرية التى عملت على تطهيرها من دنس الإرهاب.

فعقب الانتهاء من مشروع حفر قناة السويس الجديدة كان النصيب الأكبر لسيناء فى مشروعات محور قناة السويس، بعد أن تقرر ربطها بالوادى من خلال ثلاثة حزم أنفاق (تحيا مصر، 3 يوليو، الشهيد أحمد حمدي)، بالإضافة إلى مجموعة من الكبارى العائمة والمعديات، وكوبرى السلام.

وجاء ذلك وفق رؤية استراتيجية استهدفت تنمية وتطوير كافة المناطق الحدودية وعلى مختلف المحاور، إلى الآن المحور الشمالى الشرقى (سيناء) حظى باهتمام أكبر.

وبدأ العمل فى تنمية سيناء بالتزامن مع عمليات تطهيرها من الإرهاب والحفاظ على أمنها واستقرارها.

فى ذلك التوقيت كانت قوافل التعمير تعمل- ليل نهار- لإنشاء أكبر مشروع للبنية التحتية فى سيناء والذى لم تشهده من قبل وعلى مدى تاريخها: مشروع تطوير الطرق والمحاور لربط سيناء ببقية محافظات الجمهورية، فتم إنشاء مجموعة من الطرق والمحاور الطولية والعرضية فى سيناء لتربط الشمال بالجنوب من أجل اكتمال مشروعات التنمية.

شملت تطوير وتوسعة 3 محاور هى «النفق/ رأس النقب/ طابا» و «رأس سدر/ صدر الحيطان» و «عيون موسي/ شرم الشيخ». وتم إنشاء 24 طريقًا بإجمالى أطوال 1922 كم.

كما تم تنفيذ 5 مشروعات صرف صحى بمدن (الشيخ زويد – بئر العبد – الحسنة – نخل – الطور).

وفى مجال الكهرباء تم تنفيذ 6 مشروعات لرفع كفاءة شبكات الكهرباء بمدن (رفح – الشيخ زويد- العريش).

(2)

فى مجال التعليم تم تنفيذ 46 مشروعًا تعليميا تشمل (إنشاء ورفع كفاءة مدارس/ إدارات تعليمية).

وفى مجال الرياضة تم تنفيذ 19 مشروعًا فى مجال المنشآت الرياضية والثقافية والاجتماعية والخدمية والترفيهية.

أما مشروعات الإسكان فشملت، التنفيذ 5 مشروعات، بإجمالى 80995 وحدة سكنية، و400 بيت بدوي، منها إنشاء تجمعات عمرانية جديدة، مثل مدينة رفح الجديدة، ومدينة السلام بشرق بورسعيد، ومدينة الإسماعيلية الجديدة، فضلاً عن إنشاء ميناء الصيد برمانة.

ويجرى حاليا العمل على إنشاء مدينة السويس الجديدة شرق القناة، ومدينة بئر العبد الجديدة ومدينة دهب الجديدة ومدينة الطور الجديدة ومدينة سانت كاترين الجديدة.

كما تم تنفيذ 14 مشروعًا فى مجال الرعاية الصحية، منها إنشاء 3 مستشفيات، ومخزن للأدوية، ورفع كفاءة 10 مستشفيات أخرى، بإجمالى 400 سرير.

فى مجال التنمية الصناعية تم تنفيذ 4 مشروعات، تضمنت تجهيز البنية الأساسية للربع الشمالى الغربي، ومنطقة الخدمات بالمنطقة الصناعية ببئر العبد، وتنفيذ المرحلة الثانية لتطوير مصنع العريش للأسمنت بإنشاء الخط الثالث والرابع بالمصنع، بطاقة إنتاجية 3.7 مليون طن سنويا، ليصل إجمالى الطاقة الإنتاجية للمصنع إلى 6.9 مليون طن سنوِيا.

كما تم إنشاء مجمع لإنتاج الرخام بالجفجافة، بعدد 4 خطوط إنتاج، بطاقة إنتاجية 3 ملايين م2 سنويا.

وفى مجال الزراعة واستصلاح الأراضى تم إنشاء سحارة سرابيوم لنقل مياه ترعة الإسماعيلية إلى سيناء والتى لها دور فى توفير المياه اللازمة للزراعة والتجمعات التنموية بطاقة 1.2مليون متر مكعب فى اليوم.

كما تم الانتهاء من إنشاء 350صوبة زراعية وتوزيعها على أبناء البدو بمحافظة شمال سيناء، كما تم إنشاء 3خزانات أرضية بجنوب سيناء بسعة 600متر مربع، بالإضافة إلى إنشاء سدود إعاقة ووادى الأخضر ووادى منيع، كذلك تم الانتهاء من تنفيذ محطة تحلية مياه البحر رأس ملعب بأبو رديس بطاقة 4500م مكعب يوميا وحفر 16بئرا أخرى بمناطق أبو زنيمة ونويبع وسعال وسهل القاع وأبو جعدة ووادى البالغة والرينة والنهايات، كما يجرى الانتهاء من تنفيذ ثلاث محطات جديدة بطابا ورأس سدر والطور بطاقة إجمالية 30 ألف متر مكعب يوميا.

كما تم تطوير محطة مياه البحر فى العريش بطاقة 10آلاف متر مكعب يوميا، كما تم توزيع 160ألف شتلة أشجار مثمرة على صغار المزارعين لزراعة 1600فدان بمناطق سهل الطينة/ بورسعيد وقرية الأمل/ الإسماعيلية ورأس سدر والطور وفيران وذهب ونويبع، وإنشاء 13تجمعا زراعيا بمحافظتى شمال وجنوب سيناء وتطوير منظومة الزراعة بشمال وجنوب سيناء وتوفير 12ألف صوبة زراعية تعمل بالتكنولوجيا الحديثة، وزراعة أراضى وادى المحرق ووادى المليز.

بالإضافة إلى المشروع العملاق للزراعة بالمياه المعالجة، من خلال مياه محطة «بحر البقر»، هذه المحطة تخرج مياهًا للزراعة بقدرة 5.6 مليون متر مكعب فى اليوم لكى يتم استصلاح الأرض فى وسط وشمال سيناء وزراعتها، ويجرى حاليا تركيب الشبكات الرئيسية لـ ٢٧١ ألف فدان كمرحلة أولى وتقوم به الهيئة الهندسية لتوصيل المياه المتيسرة من «محطة معالجة بحر البقر» كمرحلة أولى، بينما ستتضمن المرحلة الثانية 231 ألف فدان.

بالإضافة إلى ترعة السلام والمخطط أن تتم زراعة 275 ألف فدان.

وإذا جاز التعبير وكانت هناك الدلتا القديمة ثم الدلتا الجديدة التى أطلقها الرئيس السيسى فى منطقة الغربية... فما تشهده سيناء هو مشروع دلتا ثالثة عملاقة هى دلتا سيناء تصل إلى مليون فدان تقريبا.

إن ما شهدته سيناء من أعمال تطوير وبناء خلال السنوات السبع الماضية (سنوات البناء) فى كافة القطاعات تؤكد أن قرار تنمية سيناء كان يحتاج إلى إرادة سياسية حتى ينتقل من التخطيط إلى الواقع فقد بلغت تكلفة ما تم من مشروعات فى سيناء حتى الآن أكثر من 600 مليار جنيه ومن المتوقع مع إتمام خطة التنمية أن تتجاوز التكلفة تريليونا و 500 مليار جنيه.

(3)

ولأن عمليات البناء فى مصر لا تستهدف منطقة واحدة ولكنها تستهدف كافة المحاور لخدمة الأمن القومي، الذى يعتبر الأمن الغذائى جزءا منه.

فقد حرص الرئيس على ضرورة الاستفادة من موارد الدولة فى القطاع الزراعى وتنميتها من أجل توفير المنتجات الغذائية والسيطرة على الأسواق، لذا استهدف قطاع الزراعة والثروة السمكية ضمن خطة تنمية قدرات الدولة.

وما شهدناه يوم الخميس الماضى خلال بدء موسم حصاد ال قمح بمنطقة توشكى بالوادى الجديد، أكد على دقة التخطيط وإصرار الدولة على مواصلة عملها لتنفيذ رؤيتها الاستراتيجية من أجل مستقبل أفضل.

ففى الوقت الذى يعانى فيه العالم من مشكلات بسبب مشاكل سلاسل الإمداد وأيضا جائحة كورونا وأخيرًا الحرب الروسية الأوكرانية كانت رؤية الدولة من خلال التوسع الأفقى فى الزراعات الاستراتيجية وكذلك التوسع فى المشروع القومى للصوامع كانت وراء قدرة الدولة على توفير احتياجاتها من القمح، فحجم المخزون الاستراتيجى من ال قمح لدى الدولة يكفى من أربعة إلى 6 أشهر بعد أن كان لا يتجاوز حجم المخزون الاستراتيجى من ال قمح 37 يوما. وتجاوزت المساحة المحصولية المزروعة بال قمح 3 ملايين و650 ألف فدان بزيادة قدرها 450 ألف فدان عن العام قبل الماضي. وارتفع متوسط الإنتاج ليبلغ 19 إردبا للفدان.

كما ساهم المشروع القومى لتطوير الصوامع فى توفير ما يزيد على مليون و600 ألف طن قمح سنويا كانت مهدرة قبل ذلك بسبب سوء التخزين وتهالك الصوامع والشون القديمة.

إن ما تم فى سيناء وغيرها فى كافة محافظات مصر من بناء وتنمية على مختلف القطاعات يجعل الدولة المصرية أكثر قوة وقدرة على مواجهة التحديات بل يجعلها قادرة على تحويل الأزمات إلى فرص، وهو ما تم خلال جائحة كورونا بعد أن أصبح قطاع الزراعة من القطاعات المهمة فى التصدير بنسبة بلغت 17% من حجم الصادرات بقيمة 2 مليار دولار.

ما يشهده العالم فى الفترة الأخيرة وسط تطور كبير من الأحداث والحديث عن نظام عالمى جديد، وتلاعب واضح لرسم خارطة عقول الشعوب وعمليات سحق للأجساد والعظام كما عبر عنها الرئيس الصينى إبان التظاهرات فى هونج كونج، يتطلب من الجميع أن يدرك خطورة ما يحدث والانتباه إلى تلك الآلة التى تسحق الجماجم والعظام.

فى العدد القادم نستعرض «أقوى آلات طحن العظام» وتفاصيل ما يحدث فى هذا الملف فى ظل التطورات التى صنعتها الحرب الروسية الأوكرانية.

أضف تعليق

تدمير المجتمعات من الداخل

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
إعلان آراك 2