«أقسم بالله العظيم .. أن أحافظ مخلصًا على النظام الجمهوري، وأن أحترم الدستور والقانون، وأن أرعى مصالح الشعب رعاية كاملة وأن أحافظ على استقلال الوطن ووحدة وسلامة أراضيه».
قسم عظيم يبدأ به المسؤول حياته، عندما يتم تكليفه بالمسؤولية.. يحمل فى كلماته محددات مهمته والدور الذى يجب عليه أن يقوم به لتنفيذ تلك المهمة.. وبين القسم وتنفيذه والبر به تكون مساحة الاختيار ثم يأتى بعد ذلك القرار.
إما أن يبر المسئول بقسمه وينفذ المهام الموكلة إليه (الحفاظ على النظام الجمهورى .. احترام الدستور والقانون.. رعاية مصالح الشعب .. الحفاظ على استقلال الوطن وسلامة أراضيه)، أو يحيد المسؤول عن مهمته التى أقسم عليها.
تلك هى المسافة التى ينتقل بها المسؤول من الطريق الصحيح إلى طريق الخيانة.
إنه الاختيار الذى يصبح أمام كل من يتولى المسؤولية فى أى موقع .. ثم يأتى من بعده القرار ليحدد إلى أين ستكون وجهته بعد ذلك؛ فإما أن يصبح أحد رموز الوطن وعلامة من علامات تاريخه الفارقة .. أو يذهب إلى مزبلة التاريخ موصومًا بالخيانة والعار.
كانت المرحلة صعبة والاختيار واضحًا أمام كل من صلحت فطرتهم وخلصت نواياهم، وكان الوطن وحمايته مهمتهم.. أما من خبثت نواياهم وكان الوطن بالنسبة لهم مطية، ومصالح الشعب ليست سوى شعار زائف، فكان قرارهم أن يلبسوا ثياب المظلومية ويخفوا وجوههم خلف مجموعة من الشعارات الزائفة التى يدغدغون بها مشاعر البسطاء منذ قيام مؤسس جماعتهم الإرهابية بأولى خطواته نحو مشروعهم المسموم.
هنا يكون الفارق كبيرًا بين من يختار حماية الوطن ومن يختار خيانته.
لكن مع التطور الكبير فى أساليب الحروب والسيطرة على وعى الشعوب.. والتى تعرضنا لبعض منها فى مقالات سابقة، يكون المشهد ضبابيًا لدى البعض، فتتوه الحقيقة بين أكاذيب وشائعات يطلقها محترفون.. ويصبح المواطن فى حيرة ما لم يكن أكثر وعيًا.. ويحتاج لمزيد من كشف الحقائق ليتضح الطريق أمامه ويدرك خطورة السير -دون قصد فى سبيل نهايته خراب، خاصة إذا كان الطرف الآخر يمارس الكذب باحترافية، على مدى أكثر من 96 عامًا منذ تأسيس جماعة الإخوان الإرهابية على يد حسن البنا بدعم من المخابرات البريطانية.
فقد اختارت الجماعة الخيانة طريقًا من أجل الوصول إلى السلطة، ليس هذا فقط، بل وتدربت على استخدام أساليب الحرب النفسية فى السيطرة على العقول، من أجل تشكيل صورة زائفة تقدم بها نفسها للمجتمع على أن الجماعة هى حامية الدين والفضيلة لتجذب إليها المزيد من المريدين، ممن لم يدققوا فى المشهد.
(1)
قبل عام 2011، احترفت الجماعة ممارسة المظلومية وتقديم نفسها على أن ما لديها من كوادر داخل صفوفها يجعلها قادرة على إدارة دولة بل والنهوض بها.. كما سوقت ذلك عبر منصاتها الإلكترونية التى كانت كوادرها تحترف استخدامها وقدمت موادًا فيلمية وغيرها للوصول للهدف.. وهى تخفى خلف ذلك هدفًا أساسيًا.. القفز على السلطة وتمزيق الوطن.
ومع أحداث الفوضى التى ضربت المنطقة وساعدت على صعودها حالة الترهل التى أصابت العديد من الدول، فخلقت مناخًا خصبًا لصعود جماعات الفوضى المدعومة من الخارج؛ اقتحمت الجماعة الإرهابية المشهد، لتتصدره وتقفز على مقعد السلطة، فالفرصة مواتية.. ساعدتها فيها أساليب الحرب النفسية التى أُدير بها المشهد.
حاولت القوى الخارجية دعم الجماعة الإرهابية لكى تصل لهدفها من ناحية وتحصل الجماعة على جزء من الكعكة من ناحية أخرى، وذلك وفق منطق المصالح المتبادلة.
ظن التنظيم الإرهابى أنه بات قادرًا على إدارة دفة الوطن والتحرك بها وفق مخططه وفى الاتجاه الذى يريده (وطن مختطف) فى ظل دعم مستمر من القوى الخارجية للتنظيم.
لم تدرك جماعة الإخوان الإرهابية أن اختيارها ذلك الطريق (طريق الخيانة) نهايته حتمًا ستُكْشف، وسيُزاح الستار يومًا عن الحقائق ليراها الشعب وتنهار مع تلك الحقائق أكاذيب التنظيم الإرهابي.
مارست الجماعة الكذب على عناصرها فباتت تلك العناصر لا تعرف سواه، ظنًا منها أن ما تقدمه هو الحقيقة.. وهى فى الأصل لا تنقل عن قادتها وكوادرها المتقدمة سوى الزيف والخيانة.
حتى أصبح القسم الذى أقسموا به عند توليهم السلطة هو اختيار لطريق الخيانة، فتآمروا على الوطن وانكشفت أكذوبة أن لديهم كوادر قادرة على إدارة البلاد فأسرعوا بعملية أخونة مؤسسات الدولة.
(2)
لكن دائمًا ما يكون للوطن رجال أقسموا على حمايته وعاهدوا الله على أن يحفظوا سلامته ويرعوا مصالح الشعب ويحترموا الدستور والقانون الذى يحافظ على الدولة.
فكان اختيارهم واضحًا والطريق رغم ما يظهر فيه من مخاطر وتحديات لا يمكن الحيد أو التراجع عنه.
ورغم أن التنظيم الإرهابى والقوى الداعمة له من الخارج لم تتوقف لحظة واحدة عن ممارسة الضغط، من خلال نشر الشائعات والأكاذيب لخلق مناخ غير مستقر داخل الدولة المصرية.
إلا أن رجال الوطن كانوا لهم ولكل من تسول له نفسه النيل من استقرار الوطن بالمرصاد.
لم يكن العقد الماضى فقط هو الذى واجه فيه رجال الوطن كل محاولات هدم الدولة، ولكنهم على مر التاريخ كان هذا قدرهم أن يظلوا بعيدين عن المشهد، لكن أثرهم هو الذى يظهر.
إلا أنه فى الفترة الأخيرة (2011 وحتى الآن) كانت المواجهة قوية والأمر أكثر تعقيدًا، خاصة بعد أن استطاعت الجماعة الإرهابية تزييف وعى الكثيرين واستطاعت خداعهم باسم الدين، قبل وخلال فترة توليها السلطة.
كما استغلت تلك الجماعة أهمية المعلومات فى الحرب النفسية ومن منطلق الحفاظ على المعلومات لأن المعركة لم تنته بعد، فواصلت حرب التضليل.
لتأتى الدراما التوثيقية كاشفة زيف تلك الجماعة وحجم الحرب التى تواجهها الدولة المصرية عقابًا لها على عدم سقوطها فى براثن الفوضى والدمار.
(3)
ما شهدناه فى الاختيار 1 و2 كشف حجم الدور الذى قامت به القوات المسلحة والشرطة فى التصدى لمخطط تفكيك الدولة المصرية وإدخالها فى حالة حرب أهلية تأكل الأخضر واليابس لإعادة تقسيم الدولة.
وكانت المواجهة مع الإرهاب جزءًا من الاختيار والقرار الذى يستهدف حماية الوطن؛ استخدم التنظيم الإرهابى كافة أساليب الحرب النفسية لزعزعة ثقة المواطن فى الدولة والقيادة.
ليأتى «الاختيار 3» يكشف بمشاهد واقعية حجم المؤامرة والخيانة التى كانت خيار قيادات التنظيم الإرهابي.
فقد كشفت التسجيلات المصورة لأعضاء الجماعة الإرهابية كيف أن المرشد العام للجماعة محمد بديع، كان يقسم التورتة كما يشاء وهو يتحدث فى مكتب الإرشاد عن حجم المناصب التى وعد بها أبو الفتوح مقابل الانسحاب من الانتخابات، كما كشفت المشاهد المصورة بالصوت والصورة الدور الذى كان يقوم به خيرت الشاطر، وكيف أن رئيس الدولة (محمد مرسي) منذ يونيو 2012 وحتى يونيو 2013 لم يكن سوى مندوبًا للجماعة فى قصر الاتحادية، وأنه كان مجرد منفذ لقرارات مكتب الإرشاد الذى يحرص على تصفية المؤسسات الصلبة فى الدولة والتى تحمى أركان الدولة.
كما كشفت التسجيلات كيف أن الجماعة كانت تستهدف السيطرة على مؤسسات الدولة ومفاصلها، وكان الرد حاسمًا من رجال الوطن عندما رد أحد ضباط جهاز الأمن الوطنى على رئيس الوزراء الإخوانى هشام قنديل عندما تحدث عن زيادة الرواتب لرجال الشرطة وعندما سألهم هشام قنديل عن الأشياء التى تضايقهم لحلها أخبره أحد الضباط بأنه يزعجهم «أخونة الدولة ووضع أفراد جماعة الإخوان فى كافة المناصب القيادية»، فى إشارة منه إلى أنه لا يمكن شراؤهم بزيادة مرتباتهم، مما دفع هشام قنديل للانفعال.
كشفت التسجيلات المصورة كيف تعاملت الجماعة مع حزب النور، وهى تظهر غير ما تبطن، فلا عهد لها وهو ما تحدث به محمد بديع وخيرت الشاطر.
لقد حطمت الحلقات الأولى من «الاختيار3» صنم المظلومية للجماعة الإرهابية وكشفت حجم الخيانة التى تنغمس فيها الجماعة.
فى الوقت ذاته كانت مؤسسات الدولة الصلبة محددة لخياراتها وفق القسم الذى أقسمته «الحفاظ على الوطن وسلامة أراضيه ورعاية مصالح الشعب والحفاظ على الدستور والقانون».. مهمة لا لبس فيها ولا حيد عنها، فدونها أرواحهم.. فهم رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه.
لقد كشفت الحلقات الأولى من مسلسل «الاختيار 3» الستار عن زيف وكذب وخيانة جماعة الإخوان الإرهابية وما زالت هناك وقائع أخرى ستكشفها الحلقات القادمة، وهناك الكثير من تلك الوقائع تحتويها ملفات القضايا التى نُظرت أمام القضاء وصدرت فيها أحكام، وأخرى ما زالت قيد النظر أمام القضاء.
وهناك الكثير من الوقائع الموثقة التى تكشف خيانة وكذب وزيف الجماعة الإرهابية سوف يتم الكشف عنها.
إن إحدى أدوات مواجهة الكذب والشائعات (الحروب النفسية) هي كشف الحقائق، وهو ما فعلته الدراما التوثيقية عندما عمدت إلى توثيق الأحداث بتسجيلات مصورة بالصوت والصورة لقيادات وعناصر التنظيم الإرهابى.
المعركة لم تنته بعد فى ظل استمرار تقدم الدولة المصرية لتحقيق مشروعها الوطنى الذى يستهدف تحقيق جودة الحياة للمواطن، وأن تصل مصر إلى المكانة التى تليق بها.
لبنان .. وحرب .. الشائعات
هذا هو حال الدول التى تسقط فى الفوضى، فتتلقفها أيادى من يحترفون إدارة حرب الشائعات (الحروب النفسية) فما حدث الأسبوع الماضى فى لبنان كان أحد تلك المعارك.
بعد أن تناقلت كافة وسائل الإعلام ووكالات الأنباء خبر إعلان إفلاس الدولة اللبنانية.. وسرعان ما تصدر الخبر الشاشات والصحف ومواقع الأخبار والتواصل.
وهو فى الحقيقة ليس سوى اجتزاء لتصريح ذكره نائب رئيس الحكومة اللبنانية سعادة الشامي، فى حديث لقناة الـ «OTV» ، كما نفى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة: ما تم تداوله حول إفلاس المصرف المركزي.
فاحذروا حرب الشائعات!
لكن ما حدث جاء متأخرًا بعدما ظلت الأنباء المكذوبة تتداول لأكثر من 7 ساعات يوم الإثنين الماضي.