رغم أن منطقة الشرق الأوسط كانت حتى وقت قريب هى التى توصف بالمنطقة المضطربة، إلا أن الحال قد امتد ليشمل العالم أجمع بعد الحرب الروسية الأوكرانية التى امتدت أثارها لتطال كافة العالم.. ما بين تأثيرات اقتصادية وعسكرية واجتماعية، وأصبح الغرب فى حالة قلق شديد بعد أن كان ينعم بالاستقرار، ففى الوقت الذى كان يظن العالم أنه سينعم مع ربيع 2022 بحالة من الاستقرار بعد جائحة كورونا التى أصابته منذ 2019 وحتى الآن، إلا أن الرياح تأتى بما لا تشتهى السفن.
كان لجائحة كورونا آثارها السلبية على الاقتصاد العالمي، كما كشفت عوار الغرب فى تعامله مع القضايا المختلفة.. ففى الوقت الذى يتحدث عن حقوق الإنسان، ويستخدمها كإحدى أدواته للتدخل فى الشئون الداخلية للدول، تنازل الغرب تمامًا عن تلك الحقوق تاركًا الدول النامية تواجه الجائحة وسط عجز كبير فى الحصول على اللقاحات.
كما ضربت أنظمته الصحية حالة من الارتباك، بل إن بعضها انهار تمامًا أمام الجائحة.
وما لبث العالم أن يفيق ويستعد للتحرك فى مواجهة حالة التضخم والآثار الاقتصادية السلبية للجائحة، ليستيقظ على كابوس مرعب (الحرب)، والتى تواصل عملياتها وتتصاعد حدة تصريحات الجانبين، مع قليل من الحديث عن الحلول الدبلوماسية.
وللمرة الثانية يكشف الغرب عن حالة العوار والعنصرية التى يعانى منها، ففتح حدوده أمام الفارين من لهيب المعركة فى أوكرانيا من الأوكرانيين، بينما واجهت الجنسيات الأخرى الموجودة فى أوكرانيا صعوبة فى الوصول إلى بلدان أوروبا فرارًا من سعير الحرب.
كما أعلن الغرب قاطبة مساندته لأوكرانيا ضد الاعتداءات الروسية، معلنًا حالة الاستعداد القصوى وفرض العقوبات الاقتصادية على موسكو لأنها تعتدى على دولة مستقلة ولها حقوق دولية.. وواصل الغرب حديثه عن انتهاك روسيا لحقوق الشعب الأوكرانى وضرورة أن يقف العالم بجوار أوكرانيا فى تلك الحرب.
استخدم الغرب كافة وسائله للوصول إلى الهدف لكى ترضخ روسيا لقراراته، لكنه لم يستخدم أيا من تلك العقوبات ضد إسرائيل التى تواصل الاعتداءات ليل نهار على الفلسطينيين، بل وتمعن فى التوسع وعمليات الاستيطان على حساب الأراضى الفلسطينية المحتلة، منتهكة حقوق الشعب الفلسطينى وكافة القوانين الدولية التى أصدرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة والتى أصدرها مجلس الأمن.
تلك الحالة تستوجب إدارك الدول والشعوب أهمية الاستقرار والحفاظ على المقدرات والعمل على بناء الأوطان حتى لا تقع فريسة للطامعين أو تنتظر العون من غير المعين.
هنا يتساءل البعض.. كيف استطاعت مصر الفكاك من المخطط الذى استهدفها فى 2011 ليجعلها طرفًا فى عدم الاستقرار وحالة الاضطراب التى أصابت منطقة (الشرق الأوسط) لتصبح جزءًا من التقسيم الجديد (سيكس بيكو الجديدة)؟.
لابد أن تتأثر الدول بمحيطها خاصة إذا كانت قد ضربته الفوضى وقذفت به فى طريق اللاعودة وتنازعته الطموحات الشخصية وأصبح للقوى الخارجية مكانًا أكبر فى صنع القرار داخل تلك البلدان؛ هنا يصبح من المستحيل أو الخيال أن تستقر تلك البلدان، هذا وفق النظريات السياسية، والمعطيات على أرض الواقع.
لا يمكن لدولة أن تستقر وسط محيط ملتهب، وعالم مضطرب، ومؤامرات من كافة الاتجاهات، فلن تستطيع الصمود فى مواجهة تهديدات خارجية وتحديات داخلية.
لكن الأمر عند مصر كان مختلفًا.. وهذا ليس تحيزًا لمصريتى لكنه إقرار لواقع يمتلكه هذا الوطن وشعبه العظيم وجيشه الأبي.
هكذا يشهد التاريخ، فالشعب الذى بنى حضارة فى عصور الظلام أنار بها الدنيا، هو فقط الذى يستطيع أن يصنع دولة مستقرة وسط حالة الفوضى وعدم الاستقرار والاضطراب.
فعقب 2011 كان الهدف واضحًا.. «صناعة الفوضى فى مصر».
إذا فما الحل فى مواجهة ذلك؟ وهل يقتصر الحل على مجرد البحث عن مخرج للدولة المصرية والحيلولة دون سقوطها فى مستنقع الفوضى وعدم الاستقرار؟
كان الجواب واضحًا ممن أقسموا يمينًا ألا يمس هذا الوطن كائن من كان، وأن يتم الحفاظ عليه مهما كلفهم الأمر من تضحيات.
وكان القرار الحفاظ على الدولة والدفع بها فى الاتجاه الصحيح نحو بناء دولة قادرة على مواجهة التحديات والتهديدات.
فكان قرار المجلس العسكرى ضرورة العبور بالدولة من الفوضى إلى الاستقرار ومواجهة أى محاولة لتمزيق الدولة أو الدفع بها فى اتجاه أى مشروع لا يؤمن بالوطن والحفاظ عليه.
وبدأت بالتوازى مع ذلك عمليات بناء الوعى وكشف حقيقة ما كانت تستهدفه قوى الشر نحو الدولة المصرية.. وعمل الإعلام، إحدى أدوات الدولة فى مواجهة مخطط الدفع بها نحو التقسيم وكشف كذب وزيف جماعات الإسلام السياسي، وكشف القوى التى كانت تقف خلفهم وتمول تلك الجماعات من أجل هدم الدولة.
وعقب قرار الشعب بإزاحة تلك الجماعة وانتخاب الرئيس عبدالفتاح السيسى فى 2014 كان الطريق واضحًا وقد حدده الرئيس.. من خلال رؤية ودراسة للأوضاع فى المنطقة ومستقبلها عقب تلك المتغيرات التى ضربت بها فى 2011 ومن قبلها.
فقد تحدد المسار ليشمل ما يلي:
أولًا: تثبيت أركان الدولة وإعادة بناء مؤسساتها لأنها إحدى الركائز الأساسية التى ترتكز عليها فى المواجهة.
ثانيًا: العمل على بناء دولة قوية قادرة على مواجهة التهديدات الخارجية والتحديات الداخلية.
ثالثًا: خلق حالة من الوعى من خلال الحوار والتواصل الدائم مع الشعب وبشكل مباشر، لأن الشعب هو البطل الحقيقى فى تلك المعركة، فهو من يتحمل نتائج ما تتخذه الحكومات من قرارات وهو ما يتعاون معها فى إنجاح برامجها الاقتصادية.
هنا كان رهان الرئيس على وعى الشعب.. خاصة وأنه كان يدرك أن المواجهة من التنظيمات الإرهابية من أصحاب الفكر الظلامى لن تكون مواجهة عادية فى ظل دعم كبير لتلك التنظيمات التكفيرية من قبل دول وأجهزة استخبارات قدمت لهم الدعم المالى والعسكرى واللوجستى من أجل هدم الدولة، فكان القرار.. المواجهة مع التنمية فى وقت واحد.. وهو أمر يصعب العمل عليه فى أى دولة ما لم تكن لديها ثقة تامة فى إيمان الشعب بما يقوم به وثقته فى قرارات القيادة وإيمانه الكامل بوطنه وهو ما يتمتع به الشعب المصري.
وبدأت عمليات البناء والتنمية على كافة المحاور الاستراتيجية وفى كافة ربوع الوطن، وبدأت عملية تحديث وتطوير تسليح الجيش المصرى لمواجهة التهديدات وحماية المصالح القومية ومواجهة أى عدائيات فى البر والبحر والجو.
وكانت عملية تطوير وتحديث الجيش بمثابة قوة الردع التى امتلكتها الدولة المصرية، فحجم ما واجهته مصر من تهديدات عقب ثورة يونيو 2013 قد كشف دقة رؤية القيادة السياسية لتحقيق الهدف الاستراتيجي.
وجاءت عملية حفر قناة السويس الجديدة فى وقت قياسى ليس لمجرد اختصار الزمن أو اختبار قدرة الدولة، ولكن لكى تستفيد مصر من إعادة الصين إحياء طريق الحرير البحري، وهو ما جعل دخل القناة يرتفع وهو أحد أهم مواد الخزانة العامة للدولة.
وجاءت أكبر عملية بناء وتعمير فى تاريخ الدولة المصرية الحديثة لتشمل البنية التحتية والإسكان والطرق لمواجهة تحديات عجزت الدولة عن مواجهتها من قبل، ما أصاب الدولة بالترهل والاختناق وسوء حال الخدمات وجودة الحياة.
وكانت عملية مواجهة العشوائيات والمناطق الخطرة والحفاظ على الصحة أحد الملفات المهمة التى خاضتها الدولة فى طريق تحقيق الاستقرار وسط منطقة غير مستقرة وتزداد بها الاضطرابات.
فاستطاعت خلال تلك الفترة أن تبنى أكثر من 16 ألف مشروع خلال 7 سنوات ونصف، بتكلفة بلغت 1.1 تريليون جنيه.
وفى ظل ما يشهده العالم من تضخم بسبب جائحة كورونا وما تبعها من الحرب الروسية الأوكرانية، كان التأخير فى تنفيذ تلك المشروعات سيتسبب فى مضاعفة تكلفة الإنشاء أكثر من ثلاثة أضعاف وهو ما يستحيل معه التنفيذ، مما كان سيعود بنا إلى المربع الأول، فتعجز الدولة عن تنفيذ خطط التنمية.. لكن دولة 30 يونيو كانت أدق رؤية وأسرع تنفيذًا.
كما أسهمت عملية دراسة الملفات والتحديات والتعامل معها بشكل علمى واحترافية شديدة، ما جعلها تسهم بشكل مباشر فى قدرة الدولة على الاستمرار فى التنمية والحفاظ على الاستقرار.
فكان لمبادرة 100 مليون صحة ومبادرات الكشف عن الأمراض غير السارية ومبادرة القضاء على فيروس سى وإنشاء هيئة الشراء الموحد دورًا كبيرًا فى تطوير التصنيع الدوائى وإنشاء مدينة الأدوية وتصنيع اللقاحات ومواجهة جائحة كورونا والبدء فى مشروع التأمين الصحى الشامل.
كما ساهمت مشروعات الطرق والبنية التحتية فى زيادة حجم الاستثمار والتوسع فى الكتلة العمرانية وتخفيف العبء عن كاهل المواطنين، كما تم التعامل مع مشكلة القاهرة الكبرى وفق رؤية علمية دقيقة فى التعامل مع المدن العشوائية من خلال إنشاء عدد من المحاور الدائرية تتصل بها طرق إشعاعية من القلب لتخفيف حجم التكدس.
وكانت عملية تنمية سيناء على رأس الأولويات، فتم إنشاء 3 حزم أنفاق، ونُقلت المياه لوسط وشمال سيناء لزراعة ما يقرب من مليون فدان، وعلى الاتجاه الغربى كان مشروع الدلتا الجديدة ومستقبل مصر لاستصلاح وزراعة مليون ونصف فدان تواكب مشروع الـ 100 ألف صوبة زراعية لتوفير الغذاء والسيطرة على الأسعار، إلا أننا خلال سبعة أعوام ونصف وصل حجم الزيادة السكانية إلى 15 مليون نسمة (فى عام 2014 بلغ عدد السكان 90 مليون نسمة، وفى عام 2021 بلغ عدد السكان 105 ملايين نسمة) وهو أحد التحديات التى تواجهها الدولة حاليًا للحد من النمو السكانى حتى يشعر المواطن بأثر التنمية.
كما تم العمل على تنمية قطاعات الطاقة وتطويرها لتتحول من العجز إلى الوفرة والاتجاه نحو الطاقة النظيفة.
لم يكن الحفاظ على الدولة واستقرارها ومواجهة التحديات والتهديدات التى تحيط بها والعمل على تنميتها وبنائها بالأمر الهين، ولكنها إرادة شعب ورؤية وقرار قائد وجيش أبى حمى مقدرات الوطن وسط عالم يموج بالاضطرابات.