يتابع الكثير منا السينما الغربية، والتي تحرص على تقديم مشهد خدمة الطوارئ داخل الدول الغربية بشكل مبهر، ولافت للانتباه، فبمجرد وقوع حادث ما، وقيام الشخص بالإبلاغ، تجد غرفة الطوارئ تحدد موقع اَلْمَبْلَغ، تجد الشرطة والإسعاف والدفاع المدني والنجدة وخدمة الطوارئ في المستشفى تستعد لاستقبال الحالة المصابة حال الإبلاغ عن وجود إصابات، حركة غير عادية تنتاب الجميع ممن يعملون في كافة قطاعات خدمة الطوارئ، هذا المشهد كان البعض منا يُمني نفسه أن يأتي اليوم الذي يشاهده في مصر.
الصورة الذهنية تلك عندما تقدمها السينما الغربية تستهدف منها التعبير عن قوة الدولة.
فقوة الدولة دائما نسبية ويتوقف تقديرها على أمرين أولهما القدرة على تحويل مصادر القوة المتاحة أو الكامنة إلى قوة فاعلة، وثانيهما محصلة قوة الطرف الآخر، فقد تتساوى دولتان فى امتلاك مصادر القوة نفسها، إلا أن قدرة إحداهما وعدم قدرة الأخرى على توظيف أحد أو بعض مصادر قوتها يجعل الدولة القادرة على توظيف مصادر قوتها أقوى نسبيا من الأخرى على الرغم من تساوى مصادر القوة فى الدولتين.
من ناحية أخرى، فإن وزن قوة الدولة فى تغير مستمر نتيجة للتغيير فى أهمية مصادر القوة المتاحة لديها.
وقد حرصت دولة 30 يونيو على أن تمتلك مصادر القوة وتعمل على تحويلها إلى قوة فاعلة، مستخدمة أحدث الأساليب العلمية والعمل باحترافية، ووفق أعلى مقاييس الجودة العالمية، والاستفادة من تجارب الدول الأخرى.
ولأن هذا لن يحدث إلا بتخطيط دقيق وعمل متواصل يحرص الرئيس عبد الفتاح السيسي على المتابعة المستمرة والنقاش مع كافة المسؤولين فى كافة القطاعات، سواء خلال لقائه بهم أو خلال الاجتماعات أو الافتتاحات للمشروعات أو زيارته الأسبوعية لمواقع العمل.
فلقد وضعت الدولة المصرية هدفا استراتيجيا، وهو أن تقف فى مصاف الدول الكبرى وتحصل على مكانتها التي تليق بها.
وما سبق لن يتحقق له النجاح ما لم تكن هناك إرادة سياسية قوية ورؤية علمية تتطابق مع الواقع وتصنع نموذجا يتوافق مع نموذج الدولة المصرية، ليصبح بعد ذلك نموذجا ملهمًا.
ومع تطور الدولة خلال السنوات الثماني الماضية وفق منظومة عمل تعمل بشكل متواز فى كافة القطاعات، وعلى مختلف المحاور فى توقيت متزامن لتحقيق الهدف الاستراتيجي من خلال مجموعة من القفزات التي تستطيع أن تعوض ما فات خلال فترات سابقة غابت فيها عملية تنمية قدرة الدولة وتحويل مصادر قوتها إلى قوة فاعلة.
(1)
خلال الأسبوع قبل الماضي قام الرئيس عبد الفتاح السيسي، بعقد اجتماع ضم رئيس الحكومة الدكتور مصطفى مدبولي، والفريق أول محمد زكى وزير الدفاع والإنتاج الحربي، واللواء عباس كامل رئيس المخابرات العامة، والدكتور خالد عبد الغفار، وزير التعليم العالي والبحث العلمي والقائم بأعمال وزير الصحة والسكان، واللواء محمود شعراوي وزير التنمية المحلية، واللواء محمود توفيق وزير الداخلية، والدكتور عمرو طلعت وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، واللواء عادل الغضبان محافظ بورسعيد، واللواء بكر البيومي مدير إدارة الإشارة للقوات المسلحة، واللواء عمرو فاروق رئيس لجنة المحمول العسكري؛ لمتابعة الموقف التنفيذي لإنشاء الشبكة الوطنية الموحدة للطوارئ والسلامة العامة، واطلع الرئيس على تطورات إنشاء الشبكة فى بعض المحافظات، تمهيدًا لتعميم المنظومة على مستوى الجمهورية.
وذلك من خلال ربط جميع عناصر الطوارئ والمرافق الحيوية، كهيئات الإسعاف والرعاية الصحية وقطاعات البترول والكهرباء وأجهزة النجدة والمرور والحماية المدنية، عن طريق مركز رئيسي وغرفة عمليات تخصصية فى كل محافظة لتلقى بلاغات الطوارئ بأنواعها المختلفة من المواطنين، وكذا التنسيق ما بين الجهات المعنية لتحقيق الاستغلال الأمثل من تنفيذ هذه المنظومة للوصول إلى الاستفادة المرجوة منها فى التمكن اللحظى والتعامل الفوري مع الأزمات والأحداث الطارئة والسيطرة عليها وإنهائها، مع تحقيق التأمين الكامل للشبكة طبقًا لأحدث المعايير العالمية.
وخلال الأسبوع الماضي قام الرئيس بزيارة مركز عمليات التحكم والمتابعة للشبكة الوطنية الموحدة للطوارئ والسلامة العامة، وتحدث مع محافظي المحافظات الخمس التي جاءت ضمن المرحلة الأولي للمشروع القومي (الإسماعيلية، بورسعيد، السويس، جنوب سيناء، الأقصر)..
الحديث الذي دار بين الرئيس وبين عدد من المحافظين شمل عدة توجيهات من القيادة السياسية للمحافظين تستهدف ضرورة العمل على الأرض لتخفيف العبء على المواطنين فى مواجهة الأزمات، خاصة أزمة ارتفاع الأسعار، خاصة أن الأزمة عالمية وآثارها قد تمتد لفترة، مما يستوجب على كافة الأجهزة الرقابية والتنفيذية مواصلة عملها لمنع وقوع المواطن فريسة لجشع بعض ضعاف النفوس من تجار الأزمات.
كما جاء تأكيد الرئيس على أن الدولة لا تقف حائلا أمام تحقيق التجار للربح، ولكن بعيدا عن استغلال الأزمات والمبالغة فى الأسعار أو احتكار السلع؛ لأن الدولة عليها حماية المواطن.
(2)
المشهد الذي تابعناه من داخل مركز عمليات التحكم والتابعة للشبكة الوطنية الموحدة للطوارئ والسلامة العامة، لم يكن مشروعا عاديا، بل مشروعًا قَوْمِيًّا عِمْلَاقًا بدأ الإعداد له بتوفير شبكة اتصالات قوية عقب إطلاق مصر القمر الصناعي «طيبة 1» أواخر عام 2019 والمملوك للدولة بنسبة 100 % لتوفير شبكة اتصالات قوية فى كافة أنحاء الجمهورية، وتوفير خدمات الاتصالات فى المناطق الحدودية، وكذا دعم تغطية الاتصالات لعدد من دول المنطقة العربية والقارة الإفريقية (ليبيا، السودان، جنوب السودان، أوغندا، سوريا، الأردن، فلسطين، لبنان).
وتعتبر عملية توفير خدمات الاتصالات بمثابة العمود الفقري للمشروع الذي سيكون بمثابة إحدى أذرع القوة للدولة المصرية فى إطار سعي الحكومة لتوفير جودة الحياة للمواطن ومواجهة الأزمات والكوارث فى زمن قياسي يقلل من زمن الأزمة، ويمنح متخذ القرار القدرة على سرعة اتخاذ القرار المناسب. وقد تم البدء فى تنفيذ المشروع خاصة محافظات المرحلة الأولى يونيو 2021 بالتعاون مع كافة الجهات المشاركة به (الدفاع، الداخلية، التنمية المحلية، الصحة، الاتصالات).
وخلال زيارتي لمحافظة السويس نوفمبر من العام الماضي، كانت عمليات الإعداد لمركز الطوارئ بالمحافظة التي جاءت ضمن محافظات المرحلة الأولى، وقد شاهدت حجم التطور الكبير الذي يحققه المركز عقب ربطه ب الشبكة الوطنية للطوارئ والسلامة العامة، حيث يصبح المسؤول فى موقع الحدث خلال أقل من دقيقة، ويمكن تكوين مجموعات عمل ومتابعة ما يجرى لحظة بلحظة من أعمال فى موقع الأزمة، بل ويمكن لفريق العمل التواصل مع مركز العمليات والعكس باحترافية شديدة.
(3)
على سبيل المثال حال حدوث أزمة مثل انفجار فى أحد خطوط الغاز الطبيعي بأحد شوارع محافظة من المحافظات التي تتمتع بتلك الخدمة، فيتم التواصل المباشر مع كافة الجهات المعنية فى نفس الوقت عقب تلقي البلاغ (الدفاع المدني، التنمية المحلية، القوات المسلحة، الصحة، والكهرباء، والمرور، والنجدة)، والجميع يتلقى البلاغ فى نفس التوقيت، ويصبح من خلال الشبكة الموحدة متواجدا فى موقع الحدث مع المجموعات العاملة فى مواجهة الأزمة لحلها على الأرض.
ليصبح التعاون والتكامل بين الوزارات والهيئات والجهات المختلفة إحدى سمات الدولة الجديدة، بعيدا عن العمل فى جزر منعزلة، كما كان فى السابق مما يساعد على الاستفادة من الطاقات التي تمتلكها الدولة، حيث يتم التعامل مع الأزمة ومواجهتها والعمل على حلها خلال فترة من دقيقة إلى 3 دقائق؛ وهو المستهدف من المشروع، وقد تم تدريب العناصر العاملة فى غرف العمليات وتوفير الإمكانيات الكاملة لمراكز الطوارئ.
وتربط الشبكة بين عدد من الجهات والهيئات والمرافق الحيوية التي تتعامل مع الطوارئ والأزمات، مثل: «الإسعاف والرعاية الصحية وقطاعات البترول والكهرباء وأجهزة النجدة والمرور والحماية المدنية»، وذلك من خلال مركز رئيسي ومركز السيطرة الموحد لخدمات الطوارئ والسلامة العامة فى كل محافظة، لتلقي بلاغات الطوارئ من المواطنين، حيث تحدد الشبكة مكان اَلْمُبَلِّغ بشكل آلى والوصول لمكان البلاغ فى أسرع وقت ممكن والتدخل للتصدي للأزمة أو الكارثة، مع الحفاظ على خصوصية البيانات، كما تساهم الشبكة فى دقة البيانات، وهو ما يمنح متخذ القرار القدرة على اتخاذ القرار العاجل والصحيح.
وتشمل الشبكة منظومة موزع مهام اللاسلكي، ونظام المؤتمرات اللاسلكية المرئية، ومنظومة المراقبة الذكية اللاسلكية، ومنظومة متلقي البلاغات المميكنة، ومنظومة التقييم المبدئي للمريض داخل سيارات الإسعاف، ومنظومة القرارات الحيوية للمصابين، ومنظومة تحديد مكان المتصل آلياً برقم خدمات الطوارئ. وقد تم عمل مجموعة من التجارب الموسعة فى المحافظات الخمس التي تعمل ضمن المرحلة الأولى من المشروع وكانت نتائجها باهرة.
كما ستساهم الشبكة الوطنية الموحدة للطوارئ والسلامة العامة فى تقليل الوقت لمواجهة الأزمات والكوارث، وكذلك سرعة العمل على حل شكاوى المواطنين.