كشفت دار الإفتاء عن حكم سرقة إشارت أطباق الدش المشفرة وغير المشفرة.
جاء ذلك، على موقعها الإلكترونى، ردا على سؤال يقول: "يقوم بعض الناس بالاستيلاء على خدمة "الأطباق الفضائية المشفرة" عن طريق التوصيل بإشارة هذه الأطباق، ويُبرِّرون بأَنَّ ذلك لا يُعَدُّ من السرقة، فهل كلامهم هذا صحيح شرعًا؟".
وقالت الإفتاء: "الاحتيال بالاستيلاء على خدمة الأطباق الفضائية المشفَّرة التي لا يسمح أصحابها لغيرهم الدخول عليها إلا بعد إذنهم، يُعَدُّ من قبيل السرقة، وهو عمل محرّم شرعا، لما فيه من الاعتداء على حقوق الناس وأكل أموالهم بالباطل".
وأضافت: "خدمة توصيل الأطباق الفضائية المشفرة تعد من المنافع المتقوِّمة، أي التي لها قيمة في عُرْف الناس، والفقهاء مختلفون في كون مثل هذه المنافع أموالًا على قولين:
القول الأول: وهو لجمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة، حيث يرون أَنَّ المنافع أموال، قال الإمام ابن عبد البر في "الاستذكار" والمعروف من كلام العرب أن كل ما تُمُوِّلَ وتُمُلِّكَ فهو مال".
القول الثاني: وهو للحنفية، حيث يرون أنَّ المنافع ليست أموالًا، وإنما تَتَقَوَّم بالعقد، أو في باب الإجارة للضرورة، وفى هذا الصدد، قال العلامة السرخسي في "المبسوط": المنافعُ ليست بمالٍ متقوِّم، وإنما تَتَقوَّمُ بالعقد.
وتابعت الإفتاء: "على هذا فإذا أجرينا الخلاف في كون المنافع أموالًا أم لا، واخترنا قول الجمهور في كونها أموالًا، فإنَّ الخدمة المقدَّمة من خلال توصيل خدمة "الأطباق الفضائية المشفرة" تكون من قبيل الأموال، وإذا اخترنا قول الحنفية في كون المنافع ليست أموالًا فإن الخدمة المقدَّمة من خلال توصيل خدمة "الأطباق الفضائية المشفرة" من قبيل المِلك والحق.
ومن المقرر شرعًا أنَّ المال والحق والملك مما لا يجوز الاعتداء عليه؛ ولذلك حرَّم الله تعالى السرقة والغصب وأكل أموال الناس بالباطل، وأوجب عقوبات دينية ودنيوية لمن يعتدي على أموال الآخرين وحقوقهم، فيجري فيها -أي: الأطباق الفضائية المشفَّرة- ما يجري في الملك الذي هو حقٌّ خالصٌ يختص به صاحبه مِن جواز انتفاع صاحبها بها على أي وجه مِن الوجوه المشروعة، وجواز معاوضتها بالمال إذا انتفى التدليس والغرر، وتحريم انتفاع الغير بها بغير إذن أصحابها، وحرمة الاعتداء عليها بإتلاف عينها أو منفعتها أو تزويرها أو انتحالها زورًا وكذبًا.
والتعدّي على الحقوق أكلٌ لأموال الناس بالباطل، والإسلام حرَّم أكلَ أموال الناس بالباطل وكلَّ المكاسب غير الشرعية؛ قال الله تعالى: "وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ"، وقال جل شانه: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا"... وعَنْ أَبِي حُرَّةَ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ عَمِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم، قَالَ: "لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ".
واستطردت دار الإفتاء: "كون هذه الخدمة مُشَفَّرة، بحيث لا يستطيع أحد الدخول عليها إلَّا بعد فك التشفير، فإنَّ صاحبها بقيامه بهذا التشفير لا يُبِيحُ لغيره الدخولَ عليها إلا بعد إذنه، ويُعدُّ الدخول عليها بغير إذن تعدِّيًا وأكلًا لأموال الناس بالباطل".
واختتمت الدار: "هذا كلّه فيما إذا قام صاحب هذه الخدمة بالتشفير، أَمَّا إذا كانت هذه الخدمة غير مُشفَّرة فإن استعمال الشخص لها حينئذ جائزٌ؛ وذلك لأن عدم تشفيرها من قبيل صاحبها أمارةٌ عُرْفًا على إذنه في الاستعمال، والإذن العرفي في الإباحة أو التصرف كالإذن اللفظي تنزيلًا لدلالة العادة منزلة صريح القول، وذلك مشروطٌ بعدم الإضرارِ بصاحب الخدمة؛ لأنَّ الإباحة هنا ضمنيةٌ لا صريحةٌ، وهي على خلاف الأصل، فلا يُتوسَّع فيها، ولا يُتَصَرَّف فيها تَصرّف المالك في ملكه".
وعلى ما سبق وفي واقعة السؤال: فإنَّه لا يجوز الاحتيال بالاستيلاء على خدمة "الأطباق الفضائية المشفرة" عن طريق التوصيل بإشارة هذه الأطباق، ويُعَدُّ ذلك، ما لم يأذن صاحب الخدمة، من أكل أموال الناس بالباطل وتَعَدِّيًا على ملك الغير.