الهيدروجين الأخضر.. ينهى أزمة الطاقة

الهيدروجين الأخضر.. ينهى أزمة الطاقةالهيدروجين الأخضر

الهيدروجين الأخضر يحظى باهتمام عالمي كبير، ومصر تعد من أوائل الدول التى تعمل على توفيره باعتباره مصدرًا واعدًا للطاقة فى المستقبل القريب وذلك بعد أن حَظى بمساحة كبيرة خلال مناقشات الرئيس عبد الفتاح السيسي مع كافة المؤسسات العالمية والمحلية، كما أن جميع الدول تقريبًا التزمت بإزالة الكربون من اقتصادياتها فى العقود القادمة. وبالمثل أعلنت العديد من الشركات الكبرى عن خطط لخفض بصمتها الكربونية إلى صافى الصفر.

نتيجة لإقبال عدد كبير من الدول على زيادة قدرات إنتاج الهيدروجين مثل كندا وفرنسا واليابان وأستراليا والنرويج وألمانيا والبرتغال وإسبانيا وتشيلى والصين وفنلندا، فقد أطلق عدد من البلدان والتكتلات استراتيجيات للاستثمار فى الهيدروجين، أبرزها خطة الاتحاد الأوروبى للهيدروجين الأخضر فى يوليو 2020.

هذا الطموح تعززه الإمكانات الواعدة التى تزخر بها الدول فى مجال الطاقة المتجددة، وسط توقعات بألا تقتصر على تحقيق الاكتفاء الذاتي، بل ستفتح الباب أمام تصدير الطاقة إلى الأسواق العالمية والأوروبية.

ومن الممكن أن يلبى الهيدروجين الأخضر حوالى 25% من احتياجات العالم للطاقة بحلول عام 2050، بحجم مبيعات سنوية تصل إلى 770 مليار دولار، ويتوقع مجلس الطاقة العالمى أنه بحلول عام 2025 يمكن أن تغطى استراتيجيات الهيدروجين الوطنية البلدان التى تمثل أكثر من 80٪ من الناتج المحلى الإجمالى العالمى منه. فالهيدروجين الأخضر هو عبارة عن وقود خالٍ من الكربون، مصدر إنتاجه هو الماء، وتشهد عمليات الإنتاج فصل جزيئات الهيدروجين عن جزيئات الأكسجين بالماء، بواسطة كهرباء يتم توليدها من مصادر طاقة متجددة.

ويلتزم الهيدروجين الأخضر بأهداف حماية البيئة ومكافحة الاحتباس الحراري، لكونه يعتمد إزالة الكربون وتقليص نسبته فى الهواء.

واهتمت الدول الكبرى بتنفيذ مشروعات الهيدروجين الأخضر، وضخ استثمارات ضخمة فى مشروعات الهيدروجين الأخضر، وبخاصة فى كل من الولايات المتحدة الأمريكية والصين واليابان و الاتحاد الأوروبى والمملكة العربية السعودية وأستراليا.

70 مليون طن

ففى الولايات المتحدة الأمريكية يتم إنتاج 70 مليون طن سنويا هيدروجين لتستخدم فى المصانع الكيماوية، ومعامل التكرير ويتم نقلها من خلال خطوط أنابيب للهيدروجين الغازي. كما وعد الرئيس بايدن باستخدام الطاقة المتجددة لإنتاج الهيدروجين الأخضر، وخصصت وزارة الطاقة ما يصل إلى 100 مليون دولار فى عمليات البحث والتطوير لخلايا الهيدروجين والوقود. وتبذل العديد من الجهود نحو تطوير ونشر تكنولوجيا خلايا الوقود والبنية التحتية فى 13 ولاية غربية، إلا أن هذه الجهود ما زالت متواضعة مقارنة بالاستخدامات الواسعة الممكنة للهيدروجين.

وفى ولاية كاليفورنيا يتم تنفيذ مشروعات للهيدروجين قبل حلول عام 2023 باستثمارات بلغت نحو 230 مليون دولار، وبناء أكبر مصنع للهيدروجين الأخضر فى مانشستر يعتمد على تقنية تدوير عدد 42 ألف طن من النفايات الورقية لإنتاج الهيدروجين الأخضر، الذى يتسم باستخدام التحليل الكهربائي؛ مما يجعل الهيدروجين الخاص به منافسا من حيث التكلفة مع الهيدروجين الرمادي.

استثمارات 430 مليار دولار

وأعلن الاتحاد الأوروبى عن تخصيص استثمارات بقيمة 430 مليار دولار للمساهمة فى مشروعات الهيدروجين الأخضر بحلول عام 2030 لتحقيق هدف الصفقة الخضراء.. وتستثمر شركة «بريك ثرو انيرجي» Breakthrough Energy التى شارك فى تأسيسها بيل جيتس Bill Gates فى مشروع جديد لبحوث وتطوير الهيدروجين الأخضر تحت مسمى المركز الأوروبى لتسريع الهيدروجين الأخضر، والذى يهدف إلى محاولة سد الفجوة السعرية بين تقنيات الوقود الأحفورى الحالى والهيدروجين الأخضر بحلول عام 2050، كما استثمرت نفس الشركة فى شركة Zero Avia والتى تعمل على ابتكار استخدام وقود الهيدروجين فى مجالات الطيران.

وفى ديسمبر 2020، أطلقت الأمم المتحدة مبادرة «منجنيق الهيدروجين الأخضر» Green Hydrogen Catapult والتى جمعت سبعة من أكبر مطورى مشروعات الهيدروجين الأخضر العالمية بهدف خفض تكلفة الهيدروجين الأخضر إلى أقل من 2 دولار للكجم، وزيادة إنتاج الهيدروجين الأخضر إلى 50 ضعفا بحلول عام 2027، والمساعدة فى تحويل أكثر الصناعات كثافة بالكربون فى العالم، بما فى ذلك توليد الطاقة والمواد الكيميائية وصناعة الصلب والشحن.

خريطة الطاقة

ومن ناحيته، أعد د. أحمد قنديل، رئيس برنامج دراسات الطاقة ووحدة الدراسات الدولية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، دراسة مهمة فى هذا الشأن خلصت إلـى أن مصـر تمتلك فرصـا واعدة للانخـراط فى سـوق إنتاج الهيدروجين الأخضـر العالمى، مدعومـة بمقومات داخليـة هائلة من توافر مصـادر الطاقة المتجددة كالشـمس والرياح، وما لديها من مسـاحات واسـعة مـن الأراضى اللازمـة لإقامة المشـروعات المرتبطة بهـا، وامتلاك آلاف الكيلومتـرات من الشـواطئ، فضلا عـن توافر الإرادة السياسـية، بما يعزز مكانتهـا على خريطة الطاقـة المتجـددة العالميـة.

توجيهات رئاسية

وفى هذا الصدد عدّلت مصر استراتيجيتها لإنتاج الطاقة الكهربائية 2035، وأدرجت الهيدروجين الأخضر كأحد مصادره، بالتنسيق مع شركات عالمية، وشكلت الحكومة لجنة وزارية لدراسة الهيدروجين الأخضر كمصدر للطاقة واستخدامه فى المستقبل القريب، والبحث فى جميع البدائل الممكنة لتوليده واستخدامه والاستعانة بالتجارب الدولية فى هذا المجال، وفى ترجمة عملية لخطط مصر لإنتاج الهيدروجين الأخضر شهد د. مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء توقيع اتفاقية إنتاج الهيدروجين الأخضر كمادة وسيطة لإنتاج الأمونيا الخضراء وذلك بين صندوق مِصر السيادي، وشركة «سكاتك النرويجية»، وشركة «فيرتيجلوب» الهولندية. كما وجه الرئيس عبد الفتاح السيسي بدراسة زيادة القدرات المولدة من توربينات الرياح بالاعتماد على التوربينات فائقة الارتفاع ذات القدرات الكبيرة فى التوليد، وذلك لتعظيم الاستفادة من طاقة الرياح فى عدة مواقع جغرافية على مستوى الجمهورية، مع الاستمرار فى تعزيز الجهود القائمة لجذب الاستثمارات الأجنبية إلى المنطقة الاقتصادية لقناة السويس فى مجال إنتاج الطاقة النظيفة، خاصةً الهيدروجين الأخضر وتطبيقاته الصناعية المختلفة، وذلك لتعظيم الاستفادة من الموقع الاستراتيجى والحيوى للقناة.

الحفاظ على البيئة

وأكد د. أيمن حمزة المتحدث باسم وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة، أن إدخال تكنولوجيا توليد الطاقة الكهربائية من الهيدروجين الأخضر سيقضى على انبعاث ثانى أكسيد الكربون الناتجة عن توليد الكهرباء من الوقود الاحفورى ويحافظ على البيئة.

وأشار إلى أن الوزارة تسعى لتنويع مصادر الطاقة فى إطار تنفيذ استراتيجية 2035، لافتا إلى أن الاعتماد على الطاقة المتجددة فى توليد الكهرباء سيساهم فى خفض أسعار بيع الكهرباء.

وأضاف حمزة أن إدخال التكنولوجيا الحديثة فى إنتاج الكهرباء سيساهم فى خفض أسعار الكهرباء، مشيرا إلى أنه على سبيل المثال محطات بنى سويف والعاصمة الإدارية الجديدة والبرلس التى تنفذها شركة سيمنز الألمانية بقدرة 14 ألفا و400 ميجا وات توفر سنويا ما يزيد على مليار دولار، وهو عبارة عن الوفر فى استخدام الوفود.

تسابق الزمن

فيما أكد د. محمد شاكر وزير الكهرباء أن القطاع يسابق الزمن حيث كان من المخطط أن تصل نسبة مشاركة الطاقات المتجددة من الحمل الأقصى إلى 20% بنهاية عام 2022 ولكن نجح القطاع فى الوصول لهذه النسبة بنهاية 2021 حيث تصل القدرات إلى حوالى 6378 ميجاوات، وتبلغ القدرات الحالية حوالى 5878 ميجاوات. كما أضاف أنه من المخطط أن تصل نسبة مشاركة الطاقات المتجددة إلى ما يزيد عن 42% بحلول عام 2035 ويتم حالياً إجراء الدراسات اللازمة لزيادة هذه النسبة. كما أكد على الاهتمام الذى يوليه القطاع لإنتاج واستخدام وتصدير الهيدروجين الأخضر تمشيا مع التوجه العالمى فى هذا المجال.

وأضاف أن هناك مذكرات تفاهم مع عدد من الشركات ذات الخبرات التكنولوجية المتعددة للبدء فى الدراسات الخاصة بتنفيذ مشروع تجريبى لإنتاج الهيدروجين الأخضر فى مصر كخطوة أولى نحو التوسع فى هذا المجال وصولا إلى إمكانية التصدير، مؤكداً أن الهيدروجين الأخضر سيكون وقود المستقبل خلال الـ10 سنوات المقبلة.

وأكد شاكر أن هناك دراسة حول المشروعات المشتركة لإنتاج الهيدروجين الأخضر باستخدام الكهرباء المولدة من مصادر الطاقة المتجددة وكذلك إنتاج الهيدروجين الأزرق من خلال تخزين ثانى أكسيد الكربون فى حقول الغاز الطبيعى المتقادمة، وتشمل الدراسة أيضًا التعرف على استهلاك السوق المحلى المحتمل للهيدروجين وفرص التصدير المتاحة، وكذلك تقييم الخطط والأعمال اللازمة لتنفيذ المشروعات المطروحة، مشيرا إلى أن القطاع قد قام باتخاذ عدد من الإجراءات المهمة للاستفادة من الإمكانيات الهائلة من الطاقة المتجددة وفقاً لعدد من الآليات لتشجيع مشاركة القطاع الخاص فى مشروعات القطاع وعلى رأسها مشروعات الطاقة الجديدة والمتجددة، مشيرا إلى مشروع الضخ والتخزين الجارى استكمال إجراءات إنشائه بجبل عتاقة بإجمالى قدرات تصل إلى حوالى 2400 ميجاوات.

وأشاد شاكر بأهمية الدعم الذى توليه الدولة المصرية والتعاون القائم لإيجاد استراتيجية وطنية لإنتاج الهيدروجين الأخضر والاستفادة من مزاياه، مشيرا إلى أن مصر تتمتع بفرص هائلة لتوليد الكهرباء من الطاقات المتجددة، وانها تسعى بكل قوة لاستغلال ذلك اقتصاديا والدخول والمنافسة بقوة فى مجال إنتاج الهيدروجين.

قدرات إضافية

وأوضح أن القطاع نجح فى إضافة قدرات كهربائية إلى الشبكة الكهربائية الموحدة بلغت أكثر من 28 ألف ميجاوات، وبهذا أصبحت قدرات التوليد الكهربائية المتاحة كافية للوفاء بمتطلبات المستثمرين فى سائر أنحاء الجمهورية من الطاقة الكهربائية.

وأشار إلى ما تتمتع به مصر من ثراء واضح فى مصادر الطاقات المتجددة وخاصة طاقة الرياح والشمس التى تؤهلها لتكون واحدة من أكبر منتجى الطاقة المتجددة موضحاً أن أطلس الرياح يشير إلى أن مصر تمتلك أكبر القدرات الكهربائية فى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يمكن إنتاجها تصل إلى حوالى 90 جيجاوات من طاقتى الرياح والشمس.

وقد تم مراجعة وتحديث استراتيجية القطاع حيث تم إلغاء مشروعات الفحم واستبدالها بمشروعات توليد كهرباء من مصادر متجددة، ومن المخطط أن تصل نسبة مشاركة الطاقات المتجددة إلى ما يزيد عن 42% بحلول عام 2035 ويتم حالياً إجراء الدراسات اللازمة لزيادة هذه النسبة.

فرصة غير مسبوقة

وقال د. ماهر عزيز استشارى الطاقة والبيئة وتغير المناخ وعضو مجلس الطاقة العالمى أنه أمام مصر فرصة غير مسبوقة لتحقيق تقدم سريع جدا فى توليد كميات لا نهائية من الهيدروجين الأخضر واستخدامه محليا كبديل يعول عليه للمصادر الناضبة للطاقة وأيضا تصديره إلى أوروبا المتعطشة دائما إلى مصادر الطاقة النظيفة، موضحا أن الهيدروجين الأخضر يتم الحصول عليه بالتحليل الكهربى لمياه البحر، والكهرباء اللازمة لتحليل المياه يمكن الحصول عليها بحقول الطاقة الشمسية التى يمكن أن تقام وتنشأ لتصاحب كل مشروع لتوليد الهيدروجين الأخضر فتمنحه كل حاجته من الكهرباء موضعيا دون الحاجة للإمداد بالكهرباء من الشبكة الكهربية، مشيرًا إلى أن مياه البحار متوفرة فى مصر على امتداد يزيد على 3000 كيلومتر من الشواطئ سواء على البحرين الأحمر أو الأبيض المتوسط.

ولفت إلى أن التكلفة الرأسمالية لمحطات إنتاجه لا تزال كبيرة، وقد تشكل عائقا للمضى قدما فى استخدامه؛ لكن النهج الناجح الذى تستخدمه مصر فى تشجيع القطاع الخاص الاستثمارى الوطنى والأجنبى للاستثمار فى الطاقة، خاصة فى وجود حزمة فعالة من التشريعات والإجراءات الحافزة، يقدم حلا ناجحا لهذا التحدي.

التحول العالمي

ومن جانبها تحدثت د. أنهار حجازى عضو مجلس إدارة جهاز تنظيم مرفق الكهرباء وحماية المستهلك، قائلة: «إن الهيدروجين الأخضر» يدعم التحول فى نظام الطاقة العالمى من خلال استخدامه فى تطبيقات مختلفة فى عدة قطاعات، ومن أهم هذه الفوائد تمكين قطاع الكهرباء من التوسع فى قدرات النظم المتجددة، حيث يستخدم كمخزن موسمى للكهرباء المنتجة وتوفير احتياجات قطاعات الاستهلاك النهائى للطاقة «النقل، الصناعة، والمباني»، خفض الانبعاثات وتوفير مدخلات للصناعة، بإنتاج أنواع من الوقود النظيف، تطوير تجارة لسلع منتجة من الهيدروجين.

وعن الإنتاج عالميا أوضحت حجازى أن (١٨) دولة قد أعلنت خططا طموحة للتوسع فى استخدامات الهيدروجين الأخضر، وتبنت كيانات متعددة مبادرات فى المجال.

دعم المنشآت الصناعية

وأكد المهندس أحمد كمال رئيس مكتب الالتزام البيئى للتنمية المستدامة لاتحاد الصناعات إلى أن المكتب يقدم العديد من المساعدات الفنية والبيئية لتحقيق عوائد اقتصادية للمصانع ومساعدة بعض المصانع لتتوافق مع قانون البيئة وبالإضافة إلى المساعدة فى نقل التكنولوجيات الجديدة لاستخدام وقود صديق للبيئة ومنها الهيدروجين الأخضر، مشيرا إلى أن المكتب يقدم تسهيلات وحزمة تمويلية مختلفة لدعم المشروعات والمنشآت الصناعية بشرط وجود استدامة بيئية وتحقيق الضوابط والاشتراطات البيئية.

حوافز إضافية

وكان قد أكد رئيس الوزراء المصرى مصطفى مدبولى أن مصر تسارع الخطى نحو تبنى المقترحات التى تهدف لجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية فى مجال إنتاج الهيدروجين الأخضر، بما فى ذلك إقرار حوافز إضافية للاستثمار فى هذا المجال.

أضف تعليق

حكايات لم تنشر من سيناء

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2