انتشرت هذه الأيام فتاوى بأن الزوجة غير ملزمة بالطبخ لزوجها أو إرضاع أبنائها وفى الوقت التى تزداد فيه حالات الطلاق فى مصر بدلًا من أن نسعى إلى تقوية روابط الحب بين الزوجين نسعى إلى وضع عراقيل أخرى ومفاهيم ربما تصل إلى الزوجين بشكل خاطيء ويساء فهمها فتؤدى إلى مزيد من حالات الطلاق
ويرد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان عضو المجلس الأعلى للثقافة لجنة التاريخ والآثار بتذكير هؤلاء بالعلاقة الزوجية المبنية على الحب فى مصر القديمة وقد سجّل قدماء المصريين معاني الحب على لوحات وعاشوا الحب قصصًا فى حياة الملوك والأفراد ونظموا الحب شعرًا فى قصائد خالدة وأدبًا فى القصص والأساطير وجسّدوا الحب فنًا فى نحت التماثيل وحرصوا على إبراز جمال المرأة فهم أبدع من عبروا عن الحب فى كل صوره
وقد جسّد المصرى القديم فى التماثيل منظر وقوف الزوج مجاورًا لزوجته أو الجلوس معًا على مقعد بينما تلف الزوجة ذراعها برفق حول عنق زوجها أو تضع يدها على إحدى كتفيه أو تتشابك أيديهما معًا رمزًا للحب الجارف أو تقف أمامه لتقدم له الزهور أو تقف جانبه وتسند عليه ذراعها كناية عن معاونتها له في كل الأمور.
وينوه الدكتور ريحان إلى تمثال القزم (سنب) وأسرته من الأسرة الخامسة بالمتحف المصرى الذى صوّر روح المحبة والعطف التي تسود الأسرة المصرية حيث تجلس الزوجة إلى جوار زوجها وتلف ذراعها حوله برقة ولطف على حين وقف الأبناء بجانب الأب والأم فى أدب واحترام ومنظر على ظهر كرسى عرش الملك توت عنخ آمون بالمتحف المصرى يصور جلوس الملك دون تكلف والملكة مائلة أمامه وفى إحدى يديها إناء صغير للعطر تأخذ منه وباليد الأخرى عطر آخر تلمس به كتف زوجها برقة ولطف.
وسجلت الحضارة المصرية قصة الحب الخالدة بين الملك أحمس الأول وزوجته أحمس- نفرتاري وهي الزوجة التي شاركته في الحكم وأقام لها معبدًا في طيبة وخصص لها مجموعة من الكهنة لعبادتها وقدسها الشعب بعد وفاتها كمعبودة فجلست مع ثالوث طيبة المقدس (آمون وموت وخونسو)، واستمرت عبادتها ٦٠٠ عام بعد وفاتها وحتى الأسرة الـ ٢١، وقد سجل نقش في معبد الكرنك للملك حريحور، أول ملوك الأسرة الـ٢١، متعبدًا للأرباب ( آمون وموت وخونسو وأحمس- نفرتاري) .
وتابع الدكتور ريحان بأن معبدي أبوسمبل خلدا أعظم قصص الحب التي جمعت بين الملك رمسيس الثاني وزوجته نفرتاري (جميلة الجميلات) والتي أطلق عليها في مصر القديمة (المحبوبة التي لا مثيل لها والنجمة التي تظهر عند مطلع عام جديد رشيقة القوام الزوجة الملكية العظمى مليحة الوجه الجميلة ذات الريشتين)، حيث بنى لها رمسيس الثاني معبد أبو سمبل الصغير بجوار معبده وأعد من أجلها بوادي الملكات، أجمل مقابر تصور الملكة المحبوبة مرتدية ثياب الكتان الناعم، وتزدان بالحلي الملكية النفيسة، تصاحبها الآلهة.
وقصة الحب الشهيرة بين الملك أمنحتب الثالث والملكة تيي، وهي القصة التي تحدت العادات والتقاليد، ومن أجلها أمر بتغيير القوانين المقدسة لكهنة آمون؛ حيث كانت «تيي» من خارج الدماء الملكية ولا يجوز زواجهما، ومن أجلها أمر بإنشاء بحيرة شاسعة لمحبوبته العظيمة، ومن أجلها أيضا أمر بإقامة معبد كرسه لعبادتها في منطقة صادنقا، على بعد 210 كم جنوبي وادي حلفا، ويشهد بهو المتحف المصري في القاهرة على وجود تمثال عملاق للملك تجلس إلى جواره محبوبته «تيي» بنفس الحجم، في دلالة فنية على علو الشأن وعظيم الحب.
وقد تزوج الملك أمنحتب الثالث في السنة الثانية لحكمه من الملكة «تيي»، ولم يكن لها أصول ملكية، ولكن والدها ووالدتها كانا يشغلان مناصب راقية في الدولة، وأنجبت له أمنحتب الرابع خليفته، الذي آمن بالإله الواحد ومثله في الشمس (آتون) كعاطية للحياة، وأسمى نفسه أخناتون ومعناه «المخلص لآتون».
وأشار الدكتور ريحان إلى تجسيد المصرى القديم لمعانى الحب شعرًا كما جاء فى دراسة أثرية للدكتور خالد شوقى البسيونى الأستاذ بكلية السياحة والفنادق جامعة قناة السويس عنوانها " شعر الغزل والغرام فى مصر القديمة" ومنها قصيدة العاشقة العذراء عن بردية شستربيتى تشبه أغنية ( يا امّا القمر على الباب)
لقد أثار حبيبى قلبى بصوته – وتركنى فريسة لقلقى وتلهفى – أنه يسكن قريبًا من بيت والدتى – ومع ذلك فلا أعرف كيف أذهب نحوه – ربما تستطيع أمى أن تتصرف حيال ذلك – ويجب أن أتحدث معها وأبوح لها – أنه لا يعلم برغبتى فى أن آخذه بين أحضانى – ولا يعرف بما دفعنى للإفصاح بسرى لأمى – إن قلبى يسرع فى دقاته عندما أفكر فى حبى – أنه ينتفض فى مكانه
لقد أصبحت لا أعرف كيف أرتدى ملابسى – ولا أضع المساحيق حول عينى ولا أتعطر أبدًا بالروائح الذكية
ويبحر بنا الدكتور ريحان فى حرص المرأة المصرية القديمة على ظهورها بأجمل منظر لزوجها من خلال دراسة أثرية للدكتورة ماجدة أحمد عبدالله أستاذ تاريخ وآثار مصر والشرق الأدنى القديم ورئيس مجلس قسم التاريخ بكلية الآداب جامعة كفر الشيخ فالمصرى القديم هو أول من صنع مساحيق وأدوات التجميل وأهتم الفنانين المصريين القدماء بتصوير المرأة فى أجمل صورة وتفانى رجال مصر القديمة فى إسعاد زوجاتهم بتقديم العطور والهدايا وحرصت المرأة على أن تتزين لزوجها ليراها فى أبهى صورها عند عودته إلى المنزل من يومه الشاق بالعمل وصنع المصرى القديم الكحل والروج والكريمات والعطور والبخور والحناء والشعر المستعار "الباروكة" وإكسسورات المرأة وقد عثر على الكحل والزيوت العطرية والمساحيق فى المقابر منذ فجر التاريخ
وأن المرأة المصرية عرفت كيف تبرز جمالها بالتركيز على رسم العينين بالكحل ووصلت فى المهارة كما لو كانت تستخدم أى لاينر حول العينين كما حددت الشفتين باللون ألأحمر أو الوردى وتبدو بشرة المرأة فاتحة اللون نضرة ويظهر هذا فى ملامح رأس الملكة نفرتيتى المعروضة بمتحف برلين وفى مناظر الملكة نفرتارى بمقبرتها فى وادى الملكات بالبر الغربى بالأقصر ولقد عُثر على تماثيل تمثل نماذج لسيدات يقمن بتصفيف الشعر وأطلق عليهن لقب "نشت "، وظهرن فى عدد من النقوش وهن يتعاملن بمهارة فى شعر الأميرات أو الملكات
وقد كشفت الحفائر الأثرية عن أوانى للتجميل كأوعية صغيرة، مناشف كتانية، وأنواع مختلفة من الأمشاط بعضها من الخشب أو العاج أو العظم ودبابسيس للشعر من المعادن بجانب المرايا المصنوعة من الذهب أو الفضة أو النحاس وأيدى المرايا مزخرفة ومطعمة بالأحجار النصف كريمة كما وجدت أدوات لصحن مواد التجميل وعرفت المرأة المصرية المقص والملقاط من النحاس والبرونز وتنوعت أوعية حفظ الكحل وأشكالها ومواد صنعها