يأمل د. عاصم الدسوقي أن تتوصل اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى قرارات وتوصيات نافذة تستطيع حل الأخطار التى يواجهها العالم اليوم مثل قضايا الأمن والسلم الدوليين ووقف الحروب الدائرة بالطرق السلمية والسياسية، وكذلك حل قضايا الطاقة والغذاء والخروج من الركود الاقتصادى الذى يضرب كل أنحاء العالم وإيجاد حلول فعالة لمشاكل الجوع والفقر.
وقد واجه العالم ويلات حربين عالميين سابقًا أودت بحياة عشرات الملايين من البشر دون أى ذنب ودمرت بلاد دمارًا شاملًا، وقد اندلعت الحرب العالمية الأولى عام 1914 من القرن الماضى وانتهت عام 1918، وكانت رحى الحرب تدور بين طرفين، الأول ألمانيا والنمسا وتركيا، والطرف الثانى بريطانيا وفرنسا وحلفائهما، ولما وضعت الحرب أوزارها، وهُزمت ألمانيا وتركيا، فكر المنتصرون فى إنشاء هيئة أممية تحت مسمى (عصبة الأمم) ومقرها سويسرا، كان هدف هذه المنظمة مناقشة المشاكل التى تحدث بين الدول، والعمل على إيجاد حلول لهذه المشاكل بدلًا من اللجوء إلى الحرب، واستمرت منظمة عصبة الأمم تمارس عملها من خلال عضوية دول العالم المستقلة حتى اندلعت الحرب العالمية الثانية عام 1939، ولم تمنع المنظمة قيام الحرب، لأن أى منظمة مهما كان شأنها لا تستطيع ردع الدول الكبرى التى تتصارع حول مصالحها ولا يهمها مصالح الدول الضعيفة، لأن المنظمة عبارة عن نادى يجتمع فيه ممثلو الدول لتبادل وطرح الآراء دون التوصل إلى قرارات ملزمة.
ولما انتهت الحرب العالمية الثانية عام 1945، وكان طرفاها المتحاربين دول المحور ( ألمانيا وإيطاليا واليابان) كطرف أول، وكل من بريطانيا وفرنسا وحلفائهما كطرف ثانى، والتى أسفرت عن هزيمة دول المحور، واجتمع قادة الدول المنتصرة فى الحرب فى نيويورك وإنشاء منظمة الأمم المتحدة، وأصدروا ميثاق وقوانين هذه المنظمة.. وتتكون المنظمة من الجمعية العامة وتنال عضوية الجمعية سائر دول العالم المستقلة وينبثق عن الأمم المتحدة مجلس الأمن الدولى، والذى يتكون من 15 عضوا ينتخب منه 10 أعضاء بالتوالى والتناوب، بالإضافة إلى 5 أعضاء دائمين يمثلون الدول الكبرى أمريكا وروسيا والصين و بريطانيا وفرنسا، والأعضاء الخمسة لهم حق (الفيتو) الاعتراض، وإذا اعترض أى عضو منهم لا يصدر القرار ولصدور القرار مطلوب توافق الأعضاء الخمسة دائمى العضوية، بالإضافة إلى أغلبية الأعضاء العشرة الآخرين، وبذلك يتضح لنا أن الجمعية العامة للأمم المتحدة هى هيئة شورية لا جدوى ولا فائدة لقراراتها بسبب سيطرة الدول الكبرى عليها، وكذلك سيطرة الدول الكبرى على المنظمات المنبثقة منها مثل محكمة العدل الدولية والبنك الدولى وصندوق النقد الدولى وكل المنظمات الأخرى، لهذا نجد أن عمل هذه المنظمات التابعة للأمم المتحدة غير مستقل ويشوبه التسييس والعمل لصالح الدول الكبرى الممثلة فى الدول السبعة الكبار (أمريكا و بريطانيا وفرنسا وكندا و اليابان و ألمانيا واليابان)، وذلك لعدة أسباب أنها هى التى تعين رؤساء هذه المنظمات، كما أنها هى التى تتحمل القدر الأكبر من النفقات التى تمول عمل هذه المنظمات.
ويطرح د. عاصم الدسوقى أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة حلوان عدة آراء متداولة حول عمل الأمم المتحدة، والرأى الأكثر تشاؤمًا وهو أن هذه المنظمة لا فائدة منها ويجب على العالم المتضرر البحث عن بدائل أخرى إقليمية ودولية، لأن الأمم المتحدة منذ نشأتها لم تمنع اندلاع الحروب الإقليمية، وكذلك الحرب الباردة التى كانت بين المعسكر الشرقى بقيادة الاتحاد السوفيتى والمعسكر الغربى بقيادة أمريكا، كما أن المنظمة لم تستطع التصدى للحروب التى شنتها أمريكا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بدءًا من حرب فيتنام وحرب الكوريتين التى كانت تساند إحداهما وباقى الحروب مثل احتلال أفغانستان والعراق، والتدخل بقوات عسكرية فى الكثير من بلدان العالم والانحياز الظالم لإسرائيل على حساب قضية الشعب الفلسطينى المحتل من قبل إسرائيل، والآن تشعل أمريكا والغرب فتيل الحرب الروسية الأوكرانية.
أما الرأى الآخر فيقول بضرورة بقاء منظمة الأمم المتحدة لأنها تمثل الحد الأدنى من الشرعية الدولية، وما لا يدرك كله لا يترك كله، فمن المهم أن تجتمع دول العالم تحت مظلة الأمم المتحدة للعمل على حل المشاكل بالطرق السلمية، وكذلك الاستفادة من الحد الأدنى لواجبات المنظمات التابعة للأمم المتحدة فى مجالات الطاقة والغذاء وحفظ الأمن الدولى، بهدف تقليل التوتر وحالات الحرب بين الدول.
أما الرأى الثالث فيطالب بإعادة النظر فى ميثاق وقوانين الأمم المتحدة حتى تكون المنظمة الدولية الكبرى التى تستطيع حل المشاكل بين الدول صغيرها وكبيرها، لكن التعديل المنشود يتطلب توافق الدول الكبرى.. ومن أهم التعديلات الملحة إلغاء حق (الفيتو) الاعتراض للأعضاء الخمسة دائمى العضوية فى مجلس الأمن، ويكون القرار بالأغلبية فقط مثلما يحدث فى التصويت على قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة.. ويأتى التعديل الثانى لميثاق الأمم المتحدة فى تخليص سيطرة الدول الكبرى على المنظمات التابعة للأمم المتحدة، والتى تجد يداها مغلولة بسبب تدخل الدول الكبرى وعدم تنفيذ قرارات ضد مصالحها، وإلا يكون تمويل هذه المنظمات من قبل الدول الكبرى الغنية سببًا فى سيطرة هذه الدول على منظمات الأمم المتحدة.
ويلفت د. عاصم الدسوقى بضرورة التنسيق بين المنظمات الإقليمية مثل منظمة شنغهاى والاتحاد الإفريقى والجامعة العربية وغيرها، حتى يكون عمل كل هذه المنظمات فى صالح رقى وتقدم العالم وحل كافة مشاكله بعيدًا عن الأحلاف والاستقطاب، وعدم تقسيم العالم إلى شرق وغرب وشمال وجنوب، فالعالم بعد تقدم وسائل الاتصالات والمواصلات وتشابك المصالح واحتياج العالم لبعضه البعض بصرف النظر عن وجود دول فقيرة ودول غنية، والابتعاد قدر المستطاع عن الخلافات والمطامع التى تمارسها الدول الكبرى واستمرار الهيمنة على العالم باستخدام الوسائل الناعمة والوسائل الخشنة، وفى هذا الشأن فإن منظمة (الناتو) حلف شمال الأطلنطى وهو تجمع عسكرى يضم دول الغرب بزعامة أمريكا وأوروبا و اليابان وكندا واستراليا لا داع لوجوده فقد زال الخطر الذى يواجهه بعد سقوط حلف (وارسو) بقيادة الاتحاد السوفيتى والذى كانت تتزعمه روسيا الاتحادية، وانضمام كل دول حلف وارسو فى منطقة شرق أوروبا إلى حلف الناتو، ومن الممكن أن يكون مهام حلف الناتو بعد تعديل ميثاقه منظمة دولية مدنية تقوم بحفظ الأمن والسلم الدوليين، وتتبع قيادته منظمة الأمم المتحدة.
وينهى د. عاصم الدسوقى حديثه أن الحراك الدولى الدائر الآن بين كل من روسيا والصين من جانب وأمريكا والغرب من جانب آخر لم تظهر نتائجه حتى الآن ولم يحسم الحراك بعد لصالح أى طرف، وبذلك يكون الحكم على التطورات الحالية سابق لآوانه، وربما ينتهى الصراع بظهور أقطاب دولية جديدة إلى جانب أمريكا، والذى سيحدث توازن عالمى جديد الذى يحقق المزيد من السلام والعدل فى العلاقات الدولية، وقد يكون السيناريو السيئ أن يحسم الصراع لصالح الغرب فيواجه العالم المزيد من الظلمات والظلم.