"نحن نصنع السلاح منذ 7000 عام" عبارة لطالما وضعها أبناء مصر المخلصين العاملين في مصانعها التابعة لوزارة الإنتاج الحربي نصب أعينهم، وكان ولا يزال إنتاج السلاح والذخيرة بمنتهى الكفاءة والجودة هو الشغل الشاغل لهؤلاء المخلصين الحافظين للعهد والمؤمنين بمهمتهم الوطنية.
وإذ تعد حرب أكتوبر أعظم الانتصارات العسكرية في تاريخ مصر الحديث وبالرغم من مرور أكثر من 48 عام على تحقيق هذه المعجزة التي هزمت أسطورة "الجيش الذي لا يقهر" إلا أنها لا زالت محفورة في ضمير ووجدان كل مواطن مصري، والسبب وراء وصف هذا النصر بالمعجزة هو أنه لم يحققه الجنود المصريون البواسل فقط إنما شارك في تحقيقه الشعب كله فهو من تحمل تداعيات 1967 ثم حرب الاستنزاف وهو من اقتطع من قوته ليوفر الإمكانيات للجيش كما كان لمختلف المؤسسات الوطنية دور في دعم الدولة؛ لتحقيق الانتصار حتى أصبحت حرب 1973 المجيدة معركة جيش وشعب ومؤسسات وطنية حققوا أعظم انتصارا.
وأضافت حرب أكتوبر المجيدة مبدأ جديد لمبادئ القتال فى العقيدة العسكرية العالمية وهو "النوعية" دون الاكتفاء فقط بأعداد أسلحة وعتاد الجيوش لمقارنة قوتها، وأدت إلى أن تظل القوات المسلحة حتى الآن من أفضل الجيوش في العالم وترتيبها في الكفاءة والإمكانيات متقدم جداً بالنسبة لترتيب جيوش العالم من حيث الاستعداد والكفاءة القتالية والتسليح.
وإذ ترجع صناعة المعدات الحربية في مصر إلى عصور تاريخية موغلة في القدم، فقد أنتج الفراعنة الأولون معدات القتال الدفاعية والهجومية من عربات حربية كما كانوا أول من استخدموا السهام والأقواس والسيوف المصنوعة من الصلب والدروع الواقية في معاركهم الحربية وسجلوا أحداثها على جدران معابدهم المنتشرة على طول وادي النيل، وفي العصور الوسطى نجح المصريون في تصنيع الأبراج المتحركة والعبوات الحارقة والمنجنيق، أما في العصور الحديثة فقد ركز محمد علي باشا على تكوين جيش وطني قوي ووجه عناية خاصة نحو تجهيزه وتدعيمه بالتسليح المناسب من خلال إقامة صناعات حربية متطورة.
وقبيل نشوب الحرب العالمية الثانية بدأ التفكير في ضرورة إنشاء قاعدة للصناعات الحربية بالبلاد وعمدت وزارة الحربية في ذلك الحين إلى الاستعانة بالخبرة الإنجليزية لإنشاء مصنع للأسلحة الصغيرة وذخيرتها كنواة وتشكلت بالوزارة لجنة للاحتياجات للبحث عن مصادر من شركات تقبل التعامل في هذه الظروف ولكن توقف هذا المشروع عندما قامت الحرب في أول سبتمبر 1939، وبعد حرب فلسطين عام 1948 وقضية الأسلحة الفاسدة تولّد شعور وطني قوي بالحاجة الملحة إلى ضرورة قيام صناعة حربية وطنية تعتمد عليها القوات المسلحة المصرية لتلافي تكرار تلك المأساة مما كان له أكبر الأثر في قيام أول المراحل الفعلية لإدخال التصنيع الحربي في مصر وتم إقامة أول مصنع للصناعات الكيميائية عام 1949 وهو مصنع 18 الحربي، ثم قامت ثورة 23 يوليو 1952 وكان من أهم مبادئها إقامة جيش وطني قوي يعتمد على صناعة حربية وطنية تمد هذا الجيش بالعتاد والسلاح وأنتجت أول طلقة مصرية في مصنع 27 الحربي يوم 23 أكتوبر 1954 والذي أتخذ عيداً لوزارة الإنتاج الحربي.
وجاءت حرب أكتوبر 1973 لتظهر قيمة وفاعلية ما قدمته الصناعات الحربية الوطنية للقوات المسلحة ومدى جدوى الاعتماد الذاتي عليها الأمر الذي أكد حتمية تطوير تلك الصناعات لتتلائم مع متطلبات القوات المسلحة وانتهاج سياسة تنويع مصادر السلاح التي اعتنقتها الدولة بعد الحرب.
دور شركات الإنتاج الحربي في حرب أكتوبر المجيدة
وكان لشركات الإنتاج الحربي دور في حرب أكتوبر المجيدة ساهمت في تحقيق النصر، فقد قامت شركة أبي قير للصناعات الهندسية (مصنع 10 الحربي) بعدد من المهام الخاصة التي كلفت بها الشركة خلال المواقف الحرجة بعمليات 1973 من خلال تحقيق مطالب القوات المسلحة المتعلقة بذخيرة الأسلحة الصغيرة حيث استمر الإنتاج بالشركة لمدة 24 ساعة/اليوم في هذه الظروف ووفرت معدات التطهير للأفراد والمعدات لسلاح الحرب الكيماوية إلى جانب مطالب إدارة التعيينات بالقوات المسلحة من خطوط إنتاج الخبز الثابتة والمتنقلة ومقطورات الطهي.
وتعاونت شركة أبو زعبل للكيماويات المتخصصة (مصنع 18 الحربي) مع إدارة المهندسين في تطوير صاروخ إزالة حقول الألغام وتم تحقيق المطلوب بنسبة كفاءة عالية وبالكم المطلوب وفي المواعيد المحددة، كما تم تطوير صاروخ فك الطابات أثناء المعركة وهو عبارة عن جهاز بسيط يستخدم في فك طابات الدانات التي لم تنفجر بعد وصولها لأرض العدو وقد أمكن تأمين هذه الدانات، وفيما يتعلق بتطوير الصواريخ والقذائف المدفعية قام مصنع 18 بالتعاون مع كل من مصنع 333 التابع لوزارة الإنتاج الحربي في ذلك الحين وحالياً تابع للهيئة العربية للتصنيع وإدارة المدفعية بتطوير العديد من مشروعات التطوير الخاصة بالقوات المسلحة إما عن طريق المشاركة الفعلية في العمل ذاته أو عن طريق دعم خدمات معملية للقياسات الخاصة بهذه المشروعات.
وقامت شركة هليوبوليس للصناعات الكيماوية (مصنع 81 الحربي) بالمشاركة في إنتاج الذخائر 57 مم مضادة للطائرات، 85 مم للمدفعية، 100 مم مضادة للطائرات، ولزيادة القدرة القتالية النوعية لقواتنا المسلحة شاركنا في حرب 73 بالذخيرة المنتجة محليًا عيار 122 مم، 135 مم للمدفعية، وفي بداية السبعينات بإنتاج الذخيرة عيار 122 مم مضيئ من خلال رخصة تصنيع روسية.
أما بالنسبة لشركة حلوان للصناعات الهندسية (مصنع 99 الحربي) فقد مر الإنتاج فيها بمرحلتين الأولى منذ عام 1958 وحتى عام 1967 والتي نجحت الشركة خلالها في إنتاج ذخيرة الأعيرة الغربية والشرقية الثقيلة من 57 مم وحتى العيار 122 مم ش.ف والخارق مدرع، والمرحلة الثانية هي مرحلة ما بعد نكسة 1967 وحتى عام 1973 والمستمرة حتى الآن ففيما يخص تطوير وزيادة الطاقات الإنتاجية فقد نجحت في إنتاج الذخائر 115، 130 مم ش.ف والأعيرة الهاون 82، 120 والصواريخ 122 مم جراد وقنبلة تدمير الممرات ومجموعة الألغام وأجزاء تجميع بتشورة الرادار.
فيما دعمت شركة حلوان للأجهزة المعدنية (مصنع 360 الحربي) القوات المسلحة بإنتاجها من الأجسام من ألغام م/د المضادة للدبابات من عام 1969 حتى عام 1977 وكباري المواصلات.
وقامت شركة حلوان للآلات والمعدات (مصنع 999 الحربي) بجميع المهام الخاصة التي كُلفت بها خلال حرب عام 1967 وخلال فترة حرب الاستنزاف حتى حرب أكتوبر المجيدة عام 1973، وفي عام 1970 بدأت الشركة (مصنع 999 الحربي) الإعداد لإنتاج مدفع الهاون 120 مم حيث تم إنتاج عدد (5) مدافع عام 1972 وعدد (18) مدفع خلال عام 1973 عبرت بهم القوات المسلحة قناة السويس خلال حرب أكتوبر المجيدة.
قلادة الجمهورية
وقد منح رئيس الجمهورية الأسبق محمد أنور السادات "قلادة الجمهورية" لوزارة الإنتاج الحربي تنفيذاً للقرار الجمهوري رقم (989) الصادر في 12 أكتوبر 1975 وذلك تقديراً لما أدته أجهزتها من خدمات جليلة للبلاد خلال حرب أكتوبر 1973، وتسلّم القلادة والبراءة الخاصة بها المهندس/ جمال الدين محمد صدقي وزير الدولة للإنتاج الحربي والذي تولى الوزارة في الفترة من 19 مارس 1976 حتى 8 مايو 1978.
وتعد قلادة الجمهورية من أرفع الأوسمة المصرية ويمنحها رئيس الجمهورية لرؤساء الدول ولأولياء العهود ولنواب الرؤساء كما يجوز منحها للمواطنين المشهود لهم بالكفاية والتفاني في خدمة الوطن ولغير المواطنين الذين يقومون بخدمات جليلة للجمهورية أو للإنسانية، وذلك بموجب المادة (5) من القانون رقم (12) لسنة 1972، وأصحاب القلادة يتم تأدية التعظيم العسكري لهم عند وفاتهم، والقلادة عبارة عن سلسلة ذات فرعين يتعاقب فيها نوعان من الزخارف ذات الطراز الإسلامي أحدهما بيضاوي الشكل والآخر سداسي الشكل وتثبت أركانها في فرعي السلسلة وتتصل بالسلسلة من طرفها الأدنى دائرة حفر عليها "الجمهورية" وتتدلى منها حلية حفرت عليها زخارف مفرغة ويتوسطها النسر "شعار الجمهورية" وتكون من الذهب أو الفضة المذهبة.
وحتى الآن سياسة القوات المسلحة تعتمد بصورة أساسية على تنوع مصادر التسليح، فعندما انتهت حرب أكتوبر وأثبتت الصناعة الحربية وجودها في المعركة تم إعداد الخطة الخمسية (1976-1980) التي أمكن من خلالها تنفيذ تطوير الصناعة الحربية، وهكذا انعكست حرب أكتوبر على تأكيد أهمية الصناعات الحربية وتطويرها كماً وكيفاً، وفي جميع الأحوال كانت حرب أكتوبر المجيدة هي الشرارة التي فجرت الطاقات وحفزت الهمم للانطلاق بالصناعة الحربية المصرية إلى آفاق رحبة لتكنولوجيا صناعة نظم الأسلحة المتطورة.
فمنذ حرب 1973 المجيدة توالى تطوير الصناعات الحربية من خلال الانتقال إلى مرحلة إنتاج الأسلحة الثقيلة مثل دبابة القتال الرئيسية "M1A1" ودبابة النجدة (M 88) والمواد القاذفة المتطورة لمحركات الصواريخ والرشاش المتعدد والعربات المدرعة ومعدات الحرب الإلكترونية الحديثة إلى جانب إنتاج الصلب المدرع وهو أحدث منتج عسكري بشركات الإنتاج الحربي.
وهكذا فإن الدور الحيوي لهذا الصرح الوطني العملاق "الإنتاج الحربي" في العصر الحديث بدأ منذ إنتاج أول طلقة ذخيرة في 23 أكتوبر 1954 واستمرت مسيرة الإنتاج الحربي وكان لها دور كبير في الحروب التي خاضتها مصر في أعوام 1956 و1967 والاستنزاف و1973، ولا تزال الوزارة تضع كل إمكانياتها لتلبية احتياجات القوات المسلحة من كل أنواع الذخائر بجانب المعدات العسكرية والأسلحة المختلفة وتشارك في تنفيذ خطط الدولة للتنمية الشاملة بالدولة من خلال فائض الطاقات الإنتاجية بشركاتها التابعة.