مرت 49 عاما ولا زالت حرب أكتوبر 1973 أكبر الحروب وأهمها فى العصر الحديث، فإلى جانب أنها حررت سيناء من يد المغتصب الإسرائيلى ولقنته درسا لن ينساه فهى أيضا علمت العالم وغيرت مفاهيمه ونظرته فى العديد من النظريات السياسية والعسكرية خاصة ذات الطابع الإسرائيلي، إذ تعد خطة الخداع الاستراتيجى التى انتهجتها القيادة السياسية والعسكرية فى حرب أكتوبر إضافة جديدة تقوم على دراستها الكليات العسكرية والسياسية المتخصصة فى جميع أنحاء العالم، ونطرح من خلال السطور التالية بعضا من الخطط التى انتهجتها الدولة المصرية فى خطة الخداع الاستراتيجى للعدو.
خطط رئيسية
وقد ركزت الدولة جهودها فى خطوط رئيسية تمثلت فى ثلاثة محاور وهى رفع كفاءة الخطة الدفاعية عن البلاد وما يستلزمه ذلك من تجهيزات وإمكانيات، وثانيا وضع الخطط لردع العدو إذا ما حاول بقدرته المعتادة أن يعتدى علينا، وثالثا وضع خطة شاملة للمعركة المنتظرة.
خطة الخداع
وقد استلزم تحقيق النصر وضع خطة خداع استراتيجى وتعبوى وتكتيكى اشترك فى تنفيذها مع وزارة الحربية الأجهزة المعنية فى الدولة وتطلب اقتحام قناة السويس دراسات عديدة ودقيقة لتحديد أنسب الوسائل وأنسب الأوقات التى تضمن نجاح هذه المهمة فى أقصر وقت وبأقل خسائر ممكنة، كذلك تطلب تدمير خط بارليف واقتحامه دراسات مكثفة وتدريبات واقعية عنيفة استخدمت فيها المعدات التى ابتكرها العقل المصرى والقدرة العالية للمقاتل المصرى وكانت إلى جانب إصراره سببا فى سقوط هذا الخط فى زمن أثار دهشة العدو وإعجاب رجال الفكر العسكرى فى أنحاء العالم خاصة أن الاقتحام تم بالمواجهة.
تفوق المقاتل
وقد سعت القيادة إلى تمكين الجندى ليكون فى مواجهة الدبابة والتغلب عليها بشتى الوسائل خصوصا فى الساعات الباقية على الانتهاء من إقامة المعابر التى تعبر عليها مدرعاتنا وأسلحتنا الثقيلة وبالفعل نجح جنودنا فى تحقيق تلك المهمة وأصبح أمر صمود الدبابات فى المعارك موضع تساؤل ودراسات على ضوء ما حدث أثناء المعارك.
فشل الحدود الآمنة
كان الهدف السياسى الاستراتيجى للعمليات العسكرية التى قامت بها القوات المسلحة هو إثبات فشل نظرية الحدود الآمنة ل إسرائيل وأنها ما هى إلا وسيلة للتمسك بالأراضى المحتلة من قبل العدو الإسرائيلى وكان الهدف السياسى الاستراتيجى من العمليات العسكرية تتلخص فى هزيمة قوات العدو الإسرائيلى فى سيناء والهضبة السورية والاستيلاء على مناطق ذات أهمية استراتيجية تهيئ الظروف المناسبة لاستكمال الأراضى المحتلة بالقوة لفرض الحل السياسى العادل للمشكلة.
وبناء عليه كان على القيادة المصرية أن تخطط للقيام بعمليات هجومية استراتيجية مشتركة تنفذ بالتعاون مع القوات المسلحة السورية تقوم فيها مصر بالاقتحام المباشر لقناة السويس وتدمير خط بارليف والاستيلاء على رءوس الكبارى بعمق 10 إلى 15 كم على الضفة الشرقية للقناة وتكبيد العدو أكبر خسائر ممكنة وصد وتدمير هجمات العدو المضادة وتطوير الهجوم شرقا لتحقيق مهمة القوات المسلحة. وقد نجحت القوات المسلحة فى تحقيق هدفها وأبطلت نظرة إسرائيل فى الحدود الآمنة.
من الناحية العسكرية فقد بنت إسرائيل استراتيجيتها على نظرية الأمن الإسرائيلية والتى كانت مبنية على عدد من الأسس هى اعتمادها على مخابرات على درجة عالية من الكفاءة وكانت تعاونها مع المخابرات الأمريكية والحدود الآمنة البعيدة عن قلب إسرائيل والكثافة السكانية مع الاحتفاظ بخط قناة السويس ومرتفعات الجولان التى استولت عليها عام 1967 والكفاءة العالية فى تعبئة الاحتياط بالإضافة إلى التفوق الجوى وقوة الردع بالطيران بنوعيات طائراتها ومداها فكانت تضع إسرائيل فى اعتبارها العمل ضد كل جبهة منفصلة كما كانت إسرائيل تعتمد على أمرين آخرين هما اعتمادها دائما على دولة عظمى وتفضيلها الدائم لأن تكون الحرب قصيرة وخاطفة.
وقد سعت القوات المسلحة إلى وضع خطط تهدف أساسا إلى التقليل من نقاط قوة العدو والاستفادة من نقاط قوتنا واستغلال نقاط ضعف العدو والتقليل من نقاط ضعفنا مما جعلنا نصل إلى النتائج الآتية:
1 – أن المخابرات فشلت فى فهم كل ما قامت به مصر من خطط للتمويه والخداع بالإضافة إلى الكفاءة فى تنفيذ خطط الخداع الاستراتيجى والتعبوى والتكتيكى مما أدى إلى تحقيق المفاجأة مما جعل إسرائيل تفشل فى تنفيذ التعبئة فى الوقت المناسب.
2- أن إسرائيل لم تتمكن من القيام بحرب وقائية بأن تكون البادئة بالضرب لإجهاض تحضيرات الجيش المصرى.
3- أثبتت الأحداث قصور إسرائيل فى تنفيذ التعبئة فلم تسر كما كان مقررا لها رغم الترويج لنظام التعبئة بأنه الأفضل فى العالم.
4- فوجئ العدو بأن مصر قادرة على إسقاط عشرات الطائرات الإسرائيلية كل يوم حتى وصل عدد الخسائر إلى 75 طائرة فى اليوم الأول للقتال معتمدين فى مصر على تحييد القوات الجوية الإسرائيلية بإنشاء شبكة دفاع جوى متكاملة بالتعاون الكامل مع المقاتلات.
5- كانت تقديرات القوات الجوية الإسرائيلية خاطئة فلم يستطيعوا ضرب العمق المصرى لأنه كما قال الرئيس السادات «العمق بالعمق».
مقاتل فريد
أما عن كفاءة قواته المدرعة وقوله المأثور فى إسرائيل كشعار «الفخر كل الفخر للمدرعات» فإن ما حدث لمدرعات إسرائيل فى حرب النصر فاجأهم وفاجأ العالم فقد أثبتت الحرب أن فرد المشاة الشجاع المسلح بالأسلحة المضادة للدبابات والصواريخ المضادة للدبابات يمكن أن يقلب سيادة المدرعات رأسا على عقب فى مواقف معينة فقد فشل العدو ولم يمكنه فرد المشاة الشجاع من استخدام قواته المدرعة، حيث لم يقم بالفتح التعبوى أو التكتيكى فى الوقت المناسب وبالتبعية لم يحتل الساتر الترابى الذى كان به موقع لكل دبابة بين الواحدة والأخرى 150 مترا على مدى 175 كم بطول قناة السويس وهاجمت قواتنا المسلحة على مواجهة تقدر بـ 175 كم وأجبرنا قوات العدو على تشتيت جهود مدرعاته فى كل اتجاه وبأعداد قليلة مما سهل تدميرها جزءا جزءا.
مفرمة اللحم
لم يستوعب العدو درس قتال اليوم الأول أو الثانى بسرعة كافية من ذهول المفاجأة مما جعله مستمرا فى قيامه بهجمات مضادة بالشكل النمطى مما أدخله فى نطاق ما أطلق على أسلوبنا المبتكر هذا بـ «مفرمة اللحم» وهو تدمير جميع دباباته فى هجماته المضادة المتكررة.
أما فيما يختص باعتماده على حرب قصيرة فلأول مرة حربنا ليست قصيرة وتكبد فيها العدو خسائر فادحة على الجبهتين المصرية والسورية وأخيرا فشلت نظرية الأمن الإسرائيلى وأثبت أمر واحد هو اعتماد إسرائيل على دولة عظمى هى الولايات المتحدة الأمريكية فلولا التدخل الأمريكى لأصيبت إسرائيل بهزيمة نهائية.
دراسة نفسية العدو
وقد درست القوات المسلحة نفسية وسمات الجنود الإسرائيليين الأسرى فى حرب أكتوبر 1973 وكان من أهم الاستنتاجات أن معظم جنود الرتب الصغيرة من اليهود الشرقيين 85% والرتب الكبيرة مقصورة على الغربيين كما أن معظم الإسرائيليين يقع تحت أوهام الدعاية الإسرائيلية الداخلية فمثلا يصورون لهم مشكلة فلسطين بأنه حدث تبادل بشرى بين الدول العربية و إسرائيل ولا يوجد يهود فى مصر بل إن مصر شردتهم وحطمت معابدهم.
وضع رجال الدولة المصرية خطة خداع شارك فيها الرئيس السادات ووزارة الخارجية أيضا فكان لها دور مهم فى خطة الخداع، بالإضافة إلى باقى مؤسسات الدولة المعنية، وقبل الحرب بـ 60 يوما وجد ضباط متخصصون لتنفيذ خطة الخداع ومعهم ورقة ينفذون ما ورد بها من تعليمات وكانت كلمة سر الحرب "الياء" وقبل الحرب بأسبوع أو عشرة أيام وضعت غرفة العمليات خطة من ضمن خطط الخداع تمثلت فى أن مصر ستنفذ مشروعا استراتيجيا وسرب الخبر وبياناته إلى إسرائيل وجزء منه مشفر وبالفعل صدقت إسرائيل أن مصر على وشك دخولها فى مشروع وبذلك نجحت القيادة السياسية والعسكرية أن توهم العدو بأنه لا توجد حرب ووجدوا عساكر يلعبون كرة قدم وشاهد ذلك موشى ديان بنفسه وعاد ديان فى الساعة الثانية وخمس دقائق ليقول لرئيسة الوزراء جولدا مائير إنه لا توجد أى حرب.