حرب أكتوبر.. ساعات الحسم

حرب أكتوبر.. ساعات الحسمحرب أكتوبر

عقب يونيو 67 جاء تصريح الدبلوماسي و السياسي الإسرائيلي الشهير أبا إيبان، الذي قال فى حديثه مع الاوبزيرفر البريطانية فى 18 يونيه 1967 "حتى لو تم التصويت فى الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية 121 صوتًا ضد صوت واحد لتأييد انسحاب القوات الإسرائيلية إلى ما وراء خطوط الهدنة فإن إسرائيل لن تلتزم بهذا القرار"، لذا كان تفكير القيادة السياسية المصرية فى ذلك الوقت أنه لابد أن تكون قواتنا المسلحة قادرة واثقة من نفسها ومن سلاحها ومن قادتها بحيث تمثل درجة عالية من الكفاءة تتيح لها أفضل الأداء فى الوقت المناسب ولابد أن تعتنق القوات مبدأ حتمية القتال بديلا وأن الحل السلمي ليس واردا وأن المعركة لابد أن تحدث وفى أقرب وأنسب وقت فكان قرار الحرب لحسم المعركة وتحرير الأرض من يد المحتل الإسرائيلي.

5 أكتوبر.. الاستعداد للحرب

صدرت الأوامر يوم الجمعة 5 أكتوبر بتدمير محطة محولات كهربائية إسرائيلية واقعة خلف جسر وادي العريش؛ لمنع إمداد معسكرات العدو فى سيناء وثلاجات حفظ الطعام الضخمة وأجهزة التكييف فى غرفة العمليات بالطاقة الكهربائية إلى جانب تدمير مركز التصنت، الذي أقامته إسرائيل فى تلك المنطقة.
وفى مساء الجمعة 5 أكتوبر 1973 وأثناء تواجد الرئيس السادات فى مركز العمليات لمتابعة الاستعدادات النهائية للقوات وقع الرئيس السادات على أمر القتال، الذي كتب نصه اللواء حسن الجريدلى وكان نصه:
توجيه استراتيجي من رئيس الجمهورية والقائد الأعلى للقوات المسلحة إلى الفريق أول محمد إسماعيل على، وزير الحربية والقائد العام للقوات المسلحة:
1-بناء على التوجيه السياسي العسكري الصادر لكم منى فى أول أكتوبر 1973 وبناء على الظروف المحيطة بالموقف السياسي والاستراتيجي: قررت تكليف القوات المسلحة بتنفيذ المهام الاستراتيجية الآتية: (أ) إزالة الجمود العسكري الحالي، بكسر وقف إطلاق النار اعتبارا من يوم 6 أكتوبر 1973. (ب) تكبيد العدو أكبر خسائر ممكنة فى الأفراد والأسلحة والمعدات.
(ج) العمل على تحرير الأرض المحتلة على مراحل قتالية حسب نمو وتطور إمكانيات وقدرات القوات المسلحة
2- تنفيذ هذه المهام بواسطة القوات المسلحة المصرية– منفردة أو بالتعاون مع القوات المسلحة السورية.
بخط اليد
ولم يعرف أحد موعد الحرب إلا مساء يوم الجمعة عندما جاء اللواء حسن الجريدلى مع رئيس هيئة العمليات اللواء الجمسي وأخذوا مجموعة من الضباط وكتبوا ورقا بخط اليد تقرر أن تكون ساعة سين ساعة 1405 يوم 6 أكتوبر ووضعت فى أظرف وسلمت لضابط المراسلة، الذي سيصل إلى قائد الجيش شخصيا وتم اختيار ضباط المراسلة وصدر لهم تعليمات مفادها " إذا حدثت له مشكلة فى الطريق يبلع الورقة على الفور".
تمام الاستعداد
فى صباح السادس من أكتوبر وأثناء تواجد الفريق أول أحمد إسماعيل فى مكتبه واجتمع مع اللواء محمد حسنى مبارك و اللواء محمد على فهمي وكان الهدف منه الاطمئنان على وضع القوات الجوية و قوات الدفاع الجوى بعدها تم الاتصال بكل القادة وقادة الجيوش الميدانية من داخل مركز العمليات 10؛ لأخذ تمام الاستعداد لتنفيذ عملية الهجوم من كل قائد.

مركز 10

في الساعة 12 ونصف ظهرا خرج وزير الحربية الفريق أول أحمد إسماعيل من مركز 10، متوجها إلى منزل الرئيس السادات، حيث اصطحبه إلى مركز 10 وهو عبارة عن غرفة كبيرة مربعة ويوجد طاولة كبيرة بطول الغرفة والرئيس السادات يجلس فى النصف على يمينه وعلى الشمال رئيس أركان حرب القوات المسلحة الفريق سعد الدين الشاذلي و يواجهنا من الناحية الأخرى اللواء حسن الجريدلى وبجانبه 2 من الضباط يتناوبون كتابة أي أوامر يصدرها لهم الرئيس السادات أو وزير الحربية أو رئيس الأركان.

وكان الجمسي جالس على مكتب بمفرده وبجانبه النائب الخاص به وبعد مكتب الجمسي مكتب مشابه له يجلس فيه 2 من العمداء يعملان فقط على السيطرة على المكان ومن له حق الدخول أو الخروج ويدعوان رئيس مكتب السيطرة وليس لهما علاقة بالحرب أو العمل الذي يتم.
وفى الجانب الآخر البعيد توجد شاشة من الزجاج وخلف الشاشة عساكر يرتدون ملابس سوداء وهذه الشاشة مرسوم عليها منطقة القناة والمطارات العسكرية والعدو وسيناء كلها ويتم الرسم بالعكس حتى يرى ما بداخل غرفة مركز 10 الرسومات مضبوطة ويرسمون بألوان مختلفة الطيارات المصرية لون مصر وطيارات العدو لون مختلف.

وفى الجانب الآخر من مركز 10 معلق عليه خريطة كبيرة عليها خطة الحرب، التي تم تنفيذها وفى منتصف المركز خريطة كبيرة موضوعة وحولها ضباط فرع التخطيط وعليهم مسئولية متابعة الخطة وبعد إتمام جزء مرحلي من الخطة همس وزير الحربية الفريق أول أحمد إسماعيل فى أذن الرئيس السادات " مبروك يا فندم كل الضربة الجوية نجحت والبقاء لله شقيقك عاطف استشهد توفى فى الضربة الجوية" فرد الرئيس السادات " كلهم أولادي زيه زى باقي زملائه".

إعداد معنوي

وكان تركيز القيادة طيلة فترة الإعداد للحرب هو رفع الحالة المعنوية للجنود وبناء جدار الثقة بينهم وبين قادتهم لذا تم تقسيم عملية العبور لتبدأ بقادة الفصائل والسرايا فى الموجة الأولى ثم قادة الكتائب بعد 15 دقيقة من بدء القتال ثم قادة اللواءات بعد 45 دقيقة من بدء القتال ثم قادة الفرق بعد 90 دقيقة وحافظ القادة على التواجد بين الجنود لرفع روحهم المعنوية وإشعارهم أن المعركة معركة وطن مما كان له أكبر الأثر فى نفوس الجنود وبالتالي فى مسار الحرب.
وكان غرس الثقة فى النفس بين الجنود بعضهم البعض وبينهم وبين القادة وبين الجميع والسلاح من أهم الأمور، التي ركزت عليها القيادة السياسية والقادة العسكريين فى ذلك الوقت كما سعت القيادة العسكرية إلى تخصيص المهام للقوات على أن تناسب طبيعة الأسلحة والإمكانيات المتاحة وأن تعرف نقاط ضعف العدو وتستغلها ونقاط قوته وإبطالها بخطط ذكية مع الاستفادة من نقاط وعناصر القوة لدى قواتنا بحيث نقلل قدر الإمكان من نقاط ضعفنا؛ لتحقيق المهام القتالية.

انهيار طيران العدو

كان تفوق العدو فى الطيران سببا فى توجهنا إلى العمل على تحقيق فكرتين أساسيتين الأولى أن يكون هجوم الطيران المصري على طول المواجهة مما يرغم العدو على توزيع ضرباته الجوية المضادة، والثاني العمل على التعاون الكامل والدقيق بين قوات الدفاع الجوى بشبكة صواريخ وقواتنا الجوية بطائراتها بحيث يتمكن الاثنان معا وبتنسيق بينهما من مواجهة طائرات العدو وبالفعل نجحت تلك الخطة وفقد العدو منذ الساعات الأولى للحرب تفوقه الجوى.

الاقتحام بالمواجهة

كان على الجبهة جيشان ميدانيان هما الجيش الثاني والثالث يتضمنان خمسة فرق مشاة فى النسق الأول للقوات المسلحة بالإضافة إلى قطاع بورسعيد العسكري وتم التخطيط لاقتحام القناة بالموجهة وليس من الجوانب لعدم امتلاك مصر العدد الكافي من طائرات الهليكوبتر، التي تسمح بإنزال القوات كلها جوا مع جعل الهجوم بطول خط المواجهة؛ لتقليل ضربات طائرات العدو على قوات العبور.
وكانت الخطة أن يعبر المشاة بأسلحتهم الخفيفة والأسلحة المضادة للمدرعات والدبابات؛ ليشكلوا موجة العبور الأولى وأن يصمدوا فى وجه العدو لمدة 24 ساعة لحين الانتهاء من إنشاء الكباري وتثبيتها لعبور الدبابات وكان تثبيت الكوبري يستغرق بين 6 إلى 8 ساعات كان لنجاح العبور تكاتف جميع الهيئات والإدارات بالقوات المسلحة والعمل الشاق والإرادة المصرية، التي أبت انكسار مصر وقد علم رجال القوات المسلحة على تذليل كل الصعاب ومنها تقليل زمن تركيب الكباري على ضفتي القناة لتتراوح بين 6 إلى 8 ساعات بدلا من 12 إلى 24 ساعة.
كما تم إنشاء مصاطب للدبابات على الساتر الترابي المصري على الضفة الغربية لمعاونة قوات المشاة ودعمها فى حربها مع المدرعات والدبابات الإسرائيلية لحين عبور الدبابات المصرية وكان مدى نيران الأسلحة والدبابات المصرية يصل لعمق 2.5 كم كما قمنا بتصنيع عربات جر لحمل الذخيرة المضادة للدبابات خلف المشاة مباشرة نظرا لاحتاجهم لها فى الساعات الأولى للمعركة كما تم تدريب القوات المصرية على القتال الليلي والنهاري وبأرقى مستويات التدريب.


3 عقبات


كان خط بارليف والساتر الترابي هو أكثر ما يشغل قادة الحرب أثناء التخطيط للحرب وكذلك عبور قناة السويس، التي كانت تعد مانعا مائيا بعمق 16 مترا وعرض يتراوح ما بين 180 إلى 220 مترا وهو ما يعنى تركيز نقاط العبور بشكل يجعل اصطياد قواتنا أمرا سهلا، بالإضافة إلى قيام إسرائيل بتلغيم حافة القناة على ضفتها الشرقية بشكل لم يسبق له مثيل، كما كانت ظاهرتا المد والجزر فى مياه القناة مشكلة أخرى تزيد من صعوبة قوات العبور عند البدء فى تثبيت الكباري فمنسوب المياه يتغير فى القناة أربع مرات فى اليوم الواحد؛ ليصل الفارق بين أعلى وأقل جذر 60 سم فى شمال القناة و200 سم فى جنوبها وقد تغلب العقل المصري على تلك المشكلة بدراستها؛ لتحديد أنسب ساعة فى يوم العبور.
تدرب المقاتلين المصريين على إنشاء الكباري فى أقل وقت ممكن كي تتمكن الدبابات والأسلحة الثقيلة من العبور للضفة الشرقية لفتح ثغرات وممرات فى الساتر الترابي وكذلك دخول المدرعات والدبابات لعمق سيناء وكان التدريب يتم على ذلك فى غرب الدلتا ومن خلال التدريب اكتشف العقل المصري فكرة إحداث ثغرات فى الساتر الترابي باستخدام نيران المدفعية والعبوات الناسفة وهو الأمر الذي يستغرق وقتا لا يتناسب مع عملية العبور لذا بدأ سلاح المهندسين فى القوات المسلحة فى إجراء التجارب على استخدام مضخات مياه ألمانية بعد إجراء تعديلات على طريقة عملها؛ لتضخ 200 متر مكعب من المياه فى الساعة وهى الطريقة التي وقع الاختيار عليها، فقامت مصر بشراء 150مضخة ألمانية بالإضافة إلى ما كان موجودا بالفعل وهو 350 مضخة بريطانية الصنع وتم تخصيص 5 مضخات لكل ثغرة، حيث كان على القوات فتح ما بين 75 و 85 ثغرة فى الساتر الترابي فى فترة لا تتجاوز خمس ساعات لإزالة 1500متر مكعب من الرمال.

تسلق الساتر

وكانت الخطة تقضى بأنه فى ذات الوقت الذي تبدأ فيه المضخات بعمل الثغرات يكون عبور المقاتلين المصريين من طلائع القوات من الصاعقة والمشاة لتسلق الساتر الترابي بزاوية حادة تم قياسها بدقة حاملين على ظهورهم الصواريخ المضادة للدبابات والأسلحة الخاصة بهم وقد نجحت قواتنا فى العبور، الذي تدربوا عليه عشرات المرات فى أحد المواقع جنوب مصر فلم يكن من الصعب عليهم تسلق الساتر
أما خط بارليف فيتكون من 30 موقعا حصينا تم تشييدها بطول القناة من منطقة بورسعيد حتى بورتوفيق وكانت مساحة كل موقع 500 متر *500 متر ويمثل كل موقع منها نقطة استطلاع إضافة إلى كونها مركزا هندسيا قويا وهو ما منح العدو فرصة السيطرة على قناة السويس شمالا وجنوبا لا من ناحية الضفة الشرقية وحسب بل الضفة الغربية أيضا ودعم هذا بخط ثان داخل سيناء على مسافة كم من الخط الأول تحسبا لأي محاولة ناجحة لقواتنا فى عبور القناة.
أما قناة السويس فقد كانت نقطة الضعف الكبرى رغم التدريب عشرات المرات على العبور فى جنوب مصر إذ أن العبور كان سيتم باستخدام مراكب مطاطية بطيئة مما يجعلها أهداف سهلة لمدافع العدو، خاصة أن إسرائيل أنشأت خزانات نابالم أوصلتها بأنابيب فى اتجاه الشاطئ الغربي للقناة تشتعل أوتوماتيكيا من داخل حصون خط بارليف فى حال حدوث أي محاولة لعبور القناة.
ورغم أن رأى الخبراء العسكريين، الذين زاروا الجبهة كانوا يقولون " إن عبور القناة مشكلة ليس لها حل ولا يوجد لها حل ولن يكون لها حل" لكن أثبت العقل المصري والمقاتل المصري أنه لا شيء يستحيل عليهم.

أضف تعليق

حكايات لم تنشر من سيناء

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2