قائد الجيش الأمريكي: ما يحدث في أوكرانيا أكد سلامة عقيدتنا القتالية

قائد الجيش الأمريكي: ما يحدث في أوكرانيا أكد سلامة عقيدتنا القتاليةقائد الجيش الأمريكي الجنرال جيمس ماكونفيل

عرب وعالم11-10-2022 | 16:29

قال قائد الجيش الأمريكي الجنرال جيمس ماكونفيل "إن التجارب المستقاة مما يجري ميدانيا في أوكرانيا تتلخص في محورين رئيسين، أولهما تفوق القوة النيرانية، والآخر تدريب العناصر البشرية المقاتلة وتأهيلهم لخوض معارك في بيئات معقدة".. ورأى أن الحرب الدائرة على الأراضي الأوكرانية برهنت على سلامة العقيدة القتالية التي يتبناها الجيش الأمريكي، والذي ركز في سنواته الأخيرة على كلا المحورين.

وردا على سؤال حول العِبر المستفادة من تجربة الجيش الأوكراني وتمكنه من صد الهجمات الروسية وإجبارهم على الانسحاب في بعض المدن، قال قائد الجيش الأمريكي - خلال مقابلة أجرتها معه مجلة "بريكينج ديفينس" الأمريكية - "نرى بوضوح تأثير النيران طويلة المدى عالية الدقة.. بطاريات صواريخ هيمارس غيرت قواعد اللعبة بالنسبة للأوكرانيين، والمعركة تحولت دفتها فعلياً".

وأضاف: "اتسمت المرحلة الأولى من القتال على الأراضي الأوكرانية بجهود دفاعية مضنية ومستميتة للوقوف أمام اندفاع المدرعات الروسية، وكان التركيز فيها على الصواريخ المحمولة كتفاً المضادة للدبابات كقاذفات (جافلين) الأميركية و(نلوا) البريطانية.. واحتاج المدافعون الأوكرانيون كذلك إلى قاذفات محمولة كتفاً مضادة للصواريخ والطائرات، مثل القاذفات الفائقة (ستينجر) الأمريكية لملاحقة المروحيات والمقاتلات الهجومية الروسية الضاربة للأهداف البرية".

وأكد أن الأوكرانيين حققوا فعليا الكثير من النجاحات في استخدامهم لمنظومات الأسلحة قصيرة المدى، مثل (جافلين) و(ستينجر)، لكنهم بمرور الوقت اكتشفوا حاجتهم إلى مدفعية مثل الثلاث سبعات كمدفعية (الهاوتزM777 - عيار 155)، وهو ما منحهم قدرات أكبر.. متابعا: "والآن، مع ظهور HIMARS باتت قدرتهم أكبر على الاشتباك مع أهداف في العمق الميداني بأرض المعركة".

وعلقت المجلة الأمريكية قائلة "إن مثل هذه النيران طويلة المدى عالية الدقة، انطلاقاً من مدفعية الهاوتزر الموجهة بأنظمة تحديد المواقع العالمية (GPS)، وصولاً إلى الصواريخ الفرط صوتية (hypersonic).. وأصبحت الأولوية رقم (1) للجيش الأمريكي في مجالات البحوث والتطوير والشراء منذ عام 2017".

وفي هذا الصدد، أشارت المجلة إلى أن رئيس أركان القوات المسلحة الأمريكية، في ذلك الوقت، الجنرال مارك مايلي، والذي يتولى حالياً قيادة الأركان المشتركة، انتهز فرصة انعقاد المؤتمر السنوي لفروع الجيش الأمريكي آنذاك، ليضع القوات على مسار جديد أكثر جرأة وإقداماً بتحويل تركيزه من العمليات الحربية لدحر الجماعات المسلحة في الشرق الأوسط إلى تأهيله لصراع مع الصين وروسيا.

وكان الجنرال ماكونفيل نائباً للجنرال مايلي، وخلفه في رئاسة الأركان في عام 2019، وهو حالياً يرعى العديد من البرامج التي بدأها الرجلان ودخلت حيز الإنتاج حالياً.


وكشف الجنرال ماكونفيل، خلال المقابلة، عن ثلاثة نماذج لمنظومات قتالية جديدة طويلة المدى وعالية الدقة ستدخل الخدمة لأول مرة في العام المقبل 2023، أولها: صاروخ "النسر الأسود" الفرط صوتي، الذي يصنف مداه المتوقع لأكثر من 1700 ميل (بما يعادل 2700 كيلومتر)، وثانيها: الصاروخ متوسط المدى المسمى "إعصار أكا" الذي سيحل محل الصواريخ البحرية العابرة (SM-6)، و(Tomahawk) لتنفيذ ضربات في مدى 1000 ميل (بما يعادل حوالي 1600 كيلومتر)، وأخيراً، صواريخ عالية الدقة (PrMS)، وهي صواريخ جديدة كلياً مصممة بحيث يتم إطلاقها أيضاً من على نفس منصات إطلاق (HIMARS)، وستخصص لضرب أهداف تبعد أكثر من 300 ميل (بما يوازي نحو 480 كيلومترا).

وفي المقابل، قال المسئول العسكري الأمريكي "إن أبعد صواريخ مدفعية هجومية موجودة حاليا لدى الجيش الأمريكي هي منصات "هيمارس" التي يقل مداها الأقصى عن 200 ميل (بما يعادل 320 كيلومترا)"، مؤكداً أن بلاده لم تمنح أوكرانيا مثل تلك القدرات، لكنها اكتفت بتزويدها بصواريخ "هيمارس" مداها 40 ميلاً (بما يعادل نحو 64 كيلومتراً)، وهذا المدى يكفي لتغطية معظم أرجاء شرق أوكرانيا، ولا يتجاوز حدود ذلك.

وأضاف: أن "الولايات المتحدة تطور منظومات تساعدنا على التعامل مع أهداف في نطاقات أبعد وبسرعات مطلوبة لبيئة أكثر اتساعاً، كما يسعى الجيش إلى تحديث تلك الأسلحة وتزويدها بمساعدات بحث متقدمة تمكنها من اصطياد أهداف متحركة، ما سيجعل تلك المنصات مفيدة في منطقة المحيط الهادئ (الباسيفك)، مسرح عمليات بحرية رئيسي، حيث يسعى الجيش لنوع جديد من الأسلحة تدعم الأسطول بمنصات صواريخ برية هجومية مضادة للسفن".

ولفت الجنرال ماكونفيل إلى أن العتاد طويل المدى عالي الدقة يتيح القدرة على اختراق منظومات الدفاع الجوي والصاروخي المتكاملة، كما أنها تتيح القدرة على إغراق السفن، مجددا التأكيد على أن هذا الأمر مفيد إذا سعى أي طرف لدراسة القيام بنوع ما من العمليات البرمائية.. وعلقت المجلة على تلك الجزئية بالقول "إن الجنرال لم يعط أمثلة على تلك العملية، غير أن أكثر سيناريو عمليات إبرار مائي يجري نقاشها هي أن تحاول الصين إنزال قوات برية في تايوان".

وتناولت المقابلة محورا آخر بالحديث عن العنصر البشري وعقيدته القتالية وبرامج تدريبه، إذ أكد قائد الجيش الأمريكي أن السلاح الغربي أحدث فارقاً جوهرياً في أوكرانيا، غير أن السلاح -في حد ذاته- لا يساوي شيئاً دون أن تتوافر العناصر البشرية القادرة على ترويضه وحسن استخدامه، مضيفا أن الأمر الأكثر أهمية في تلك الحرب الأوكرانية، وفي كل الحروب، هو العنصر البشري "عزيمة الجنود الأوكرانيين ومهاراتهم".

وتابع: "أن كثيراً من النجاحات التي تحققت في أوكرانيا تعود إلى انعدام الكفاءة الروسية"، محذرا في الوقت نفسه من التقليل من شأن التهديد الروسي أو الإنجاز الأوكراني في التصدي له على حد سواء، قائلا "ينبغي ألا نبخس الجهد الذي بذله الأوكرانيون، لقد تدربوا كثيراً وتعلموا وأحسنوا تلقي الدروس، كما أنهم أبلوا بلاء حسناً للغاية في أرض المعركة".

وتحدث عمّا يطلق عليه الجيش الأمريكي "التأثير بعيد المدى" على العقيدة القتالية، ولا يعني هنا القوة النيرانية بعيدة المدى وعالية الدقة مثل منصات "هيمارس" والصواريخ الفرد صوتية فحسب، بل ينسحب الأمر كذلك إلى تأثيرات أخرى غير فتاكة، مثل الاختراق (الهاكينج)، والتشويش على الترددات لتعجيز منظومات القيادة والسيطرة والاتصالات التي تعتمد عليها الجيوش الحديثة جميعها، لذا فإن قوات المهام متعددة الميادين الجديدة تعني إدماج القدرة النيرانية مع الهجمات الإلكترونية والعمليات السيبرانية لشل نظام الطرفيات الرقمية العسكرية للعدو، فضلاً عن الأعداء المحتملين الراغبين في استهداف الوحدات الأمريكية بالوسائل نفسها.

واستطرد: "لذا، فتلك هي العقيدة القتالية، حيث يتمكن القادة من إبلاغ الوحدات التابعة لهم بما يتعين إنجازه من مهام دون انتظار الرأي من سلسلة القيادات الأصغر"، مبينا أن مسألة التخطيط والتنسيق والأوامر لازالت تشكل عنصراً مهماً، بيد أن التأكيد هنا على زيادة مستويات اعتماد العناصر القتالية على الموائمة، والبديهة والارتجال، والمبادرة.

واستعرض قائد الجيش الأمريكي البيئة المعقدة التي تعيشها الوحدات القتالية في خضم صراعات عالية التقنية في العالم، حيث المسيّرات والروبوتات والشبكات المتقدمة، وجميعها تلعب دوراً مهماً للغاية في الوقت الحاضر، لافتا إلى أن منظومات الذكاء الاصطناعي عُرضة للاعتراض والخداع، فمثلما لجأت الجيوش في العادة إلى التمويه لخداع العين البشرية، فإنها اكتشفت حالياً السبل الكفيلة "لإرباك اللوغاريتمات".

واختتم قائد الجيش الأمريكي، المقابلة، بالقول "إن الذكاء الاصطناعي بمقدوره أن يتيح الدعم للجنود البشريين، غير أنه لا يمكن أن يحل محلهم.. وما يحقق الاختلاف هي إرادة القتال، فجميع النزاعات هي صراع إرادات".

أضف تعليق