نلتقي اليوم في حدثٍ متميزٍ في طبيعة المناسبة التي نحتفي بها، متميز في حضوره، متميز أيضاً في نظرتنا لمستقبل واعد ينتظر مصر والإمارات معاً، حيث نشهدُ اليوم الاحتفال بمرور خمسين عاماً على انطلاق العلاقات الدبلوماسية بين جمهورية مصر العربية ودولة الإمارات العربية المتحدة، وهي الاحتفالية التي تُعقَد برعاية كريمة من السيد رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي، والذي – كما سمعنا – عبّر بكلماتٍ صادقة من القلب عمّا يشعر به كل مصري من مشاعر الود والأخوّة تجاه أشقائه في دولة الإمارات الغالية، التي تحتل مكانة عزيزة في قلوبنا جميعاً. وهي نفس المشاعر والرسائل المعبّرة التي غَلَبت على أقوال الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الخالدة عن مصر، التي وصفها بأنها القلب بالنسبة للعالم العربي والذي إذا توقّف فلن تُكتَب للعرب حياة، حتى أنه أوصى أبنائه بأن يكونوا دائماً بجانب مصر. وأرى أن هذه الاحتفالية هي خير ما يُجسّد مشاعر المحبة والود التي تغلف هذه الوصية على أرض الواقع، فهي نفس المشاعر التي تملَّكت قلوب وخواطر المصريين الذين توافدوا على مدار الأجيال للمساهمة في إرساء دعائم النهضة الحديثة لدولة الامارات، جنباً إلى جنب مع أشقائهم الإماراتيين.
ويشرفنا اليوم تواجد السيد رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي بيننا اليوم، لنُرحب سوياً بهذه الصُحبة الكريمة من أشقائنا من دولة الإمارت العربية المتحدة أبناء وأحفاد الشيخ زايد الكرام في بلدهم الثاني، مصر، وهي القلب العربي النابض الذي يتسع دائماً لجميع ضيوفه الأجلاء من دول الوطن العربي أجمع.
ويأتي انعقاد هذه الاحتفالية تحت شعار "مصر والإمارات..قلبٍ واحدٍ" ليُجسّدَ عُمق العلاقات الأخوية التي تجمع الحكومتين والشعبين الشقيقين على قلبٍ واحدٍ ينبض بالمودةِ المتجددة والعطاءِ المتبادل. وهو لمسناه من خلال ما شهدته الأيام القليلة الماضية من حرص الجانبين على تنظيم فعاليات رياضية، وسياحية، وثقافية مشتركة متنوعة تتكامل في مضمونها والرسالة التي تبعثها إلى العالم مع مستهدفات الفعاليات الرسمية التي تشملها الاحتفالية، وعلى رأسها انعقاد منتدى اقتصادي يضمّ جلسات متنوعة تتناول أبعاد الشراكة الاقتصادية المتكاملة للعلاقات المصرية الإماراتية، والمزايا التنافسية التي تتيحها البيئة الاستثمارية في البلدين، وآليات تعزيز الاستدامة في القطاع المصرفي- من واقع التجارب المصرية والإماراتية الناجحة في هذا المجال-، وعرض نماذج لقصص نجاح أبرز المستثمرين المصريين في الإمارات وقصص نجاح الشركات الإماراتية الرائدة في مصر، بالإضافة إلى استعراض الفرص الاستثمارية الواعدة المتاحة في مصر، والتأكيد على محورية دور مصر الإقليمي كمركز لوجيستي شامل لجميع الخدمات في المنطقة، والتعرف على آفاق التبادل الحكومي المعرفي لتحقيق تقارب ثنائي بما يُسهم في بناء مستقبلٍ أفضل للبلدين.
وفي إطار استضافة جمهورية مصر العربية لقمة مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغيّر المناخ COP27 لعام 2022 في مدينة شرم الشيخ في الفترة من 6 إلى 18 نوفمبر 2022، وفي ضوء توجّه الدولة المصرية لتعزيز جهود الاستدامة البيئية والتعافي الأخضر في مصر والدول الأفريقية على حدٍ سواء، يتناول المنتدى الاقتصادي أيضاً الاستعدادات الجارية لقمة مؤتمر المناخ، وهي القمة التي ستُعقد دورتها التالية في دولة الإمارات الشقيقة، بما يعكس الثِقل الإقليمي للبلدين، وتبنيهما للقضايا الفاصلة في تاريخ الأمم الناهضة، وما تمثله كل منهما من امتدادٍ وانعكاسٍ لنجاحات الأخرى، حيث ستأتي الدورة التالية لتبني على ثمار نجاحات ونتائج القمة الحالية، بما يضمن استدامة ما تحقق من مكتسبات غالية للعالم أجمع بخصوص قضية التغيّر المناخي، التي باتت تهدد النهضة التنموية لكافة الدول، حيث يجتمع القلب الواحد الذي يجمع البلدين الشقيقين على الرغبة في العطاء وتسخير الجهود لضمان رخاء العالم ورفاهته وضمان حقوق الأجيال القادمة في التنمية.
ويضاف إلى تلك الفعاليات تنظيم مُلتقى ثقافي – إعلامي في اليوم الثاني للاحتفالية يضم جلسات تتناول تاريخ التعاون الثقافي بين مصر والإمارات، وترصد العلامات المضيئة على طريق التعاون الإعلامي المصري-الإماراتي كنموذجٍ استثنائيٍ للتعاون الإعلامي المتميز على مستوى العالم العربي أجمع،ختاماً بتسليط الضوء على أهمية وتاريخ العلاقات الرياضية بين البلدين.
ولقد حرص الجانبان على اختتام هذه الاحتفالية بتنظيم فعالية فنية ضخمة تُعبّر عن أهمية الإرث الفني المتجدد، لتُعقَد في مَعلم تاريخي مصري عالمي يجسد مهد الحضارة الإنسانية، ومصدر إلهام للإنسان المصري المعاصر أن ينطلق نحو مستقبل واعد في مختلف المجالات العلمية والتكنولوجية والصناعية المتطورة، وهو ما سيتحقق بفضل جهود الدولة المصرية لتحقيق نهضة اقتصادية وعلمية وثقافية وتكنولوجية متكاملة تستهدف كافة أطياف الشعب المصري على قدم المساواة.
الحضور الكريم ...
تجمع بين جمهورية مصر العربية ودولة الإمارات العربية المتحدة علاقات تاريخية وثيقة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية، بما يجعلها تمثّل نموذجاً استثنائياً للعلاقات العربية-العربية، نجح في الصمود في مواجهة مختلف الأزمات الاقتصادية العالمية والتغيرات الجيوسياسية على مستوى المنطقة العربية، والعالم، حيث كانت دولة الإمارات العربية الشقيقة من أوائل الدول التي ساندت مصر في أكثر اللحظاتٍ التاريخيةٍ الفارقةٍ في تاريخها المعاصر، في بادرة عكست ما كشفت عنه الوثائق التاريخية من امتداد مشاعر القومية العربية التي جمعت بين الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، والشيخ زايد آل نهيان، والتي دفعت ناصر لتأييد حلم زايد في اتحاد السبع إمارات معاً لتصبح الإمارات العربية المتحدة التي نراها متلاءلئة في سماء العالم العربي اليوم، وهو ما أثمر عن حرص البلدين على التنسيق والتعاون المستمر، بما نتج عنه تطابق الرؤى حول مُختلف القضايا السياسية والاقتصادية والتنموية. فهناك تحديّات مُشتركة تؤثر على جهود تحقيق التنمية المستدامة، وهو ما يدفعنا لاستهداف تعزيز أواصر هذه الشراكة الاستراتيجية المتميزة وتحقيق الاستفادة القصوى من فرص التعاون الواعدة المتاحة، خصوصاً في المجالات الاقتصادية والتنموية التي تُسهِم في تحقيق التنمية والنمو المستدامين في البلدين.
وفي هذا الإطار، جاء حرص وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية على استمرار التعاون مع دولة الإمارات العربية المتحدة في مجالات تطوير الأداء المؤسسي والخدمات الحكومية والابتكار والتميّز، بما يدعم كفاءة مؤسسات الدولة في تقديم الخدمات وتصميم المشروعات التنموية المختلفة، حيث تكللت جهود الجانبين بإطلاق جمهورية مصر العربية جائزة مصر للتميّز الحكومي عام 2018، تحت رعاية السيد رئيس الجمهورية، وبالتعاون مع دولة الإمارات العربية المتحدة، والتي تهدف إلى نقل الخبرات والتجارب وأفضل الممارسات، ونستعد لإعلان نتائج دورة جديدة من الجائزة خلال الأسابيع القليلة المقبلة، بما يُضيف إلى رصيد العلاقات المتنامية والمتميزة بين البلدين.
هذا كما شملت مشروعات التعاون المشترك بين الجانبين تعزيز آليات التحول الرقمي والتطوير المؤسسي، حيث أثمرت جهود الجانبين عن وضع استراتيجية متكاملة لتطوير الخدمات الحكومية، وإنشاء مجموعة مراكز خدمات مصر، التي سنشهد افتتاح أولها في مدينة أسوان قبل نهاية العام الجاري، بالإضافة إلى الإنجازات المتحققة في ملف بناء القدرات الحكومية في مجالات تعزيز ثقافة الابتكار، والتوجيهات الاستراتيجية لاستشراف المستقبل وكذلك استراتيجية الاتصال الحكومي.
و يأتي في إطار أهمية العلاقة الاستراتيجية بين البلدين الرغبة المشتركة في التوسّع في إطلاق الشراكات الاستثمارية الواعدة التي تعكس ما تتمتّع به الدولتان من إمكانيات ومزايا تنافسية ينبغي العمل على تعظيم الاستفادة منها بما يُحقق مصالح الشعبين الشقيقين، وهو ما مثّل نقطة الإنطلاق لتأسيس منصة استثمارية استراتيجية مشتركة بين صندوق مصر السيادي وشركة أبو ظبي القابضة، والتي تمت تحت مظلة البروتوكول الموقَّع في 14 نوفمبر 2019، لضخ استثمارات مشتركة تفوق 20 مليار دولار لتنفيذ مشروعات اقتصادية وتنموية، كما تجمعنا الشراكة الصناعية التكاملية مع كل من الأردن والبحرين؛ لتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة في خمس مجالات صناعية واعدة، تشمل الزراعة، والأغذية، والأسمدة، والمعادن، والبتروكيماويات، التي جاءت لتدعم العلاقات الاقتصادية والاستثمارية بين البلدين، والتي لم تتأثر من جراء الأزمات التي يشهدها العالم، حيث عكف الجانبان على بحث عدة مشروعات وفرص استثمارية في قطاعات مختلفة تحقق مصالح البلدين.
السيدات والسادة ..
في ختام حديثي، أود التأكيد على حرص الدولة المصرية الدائم على استمرار التعاون والتنسيق المُثمر والمُتميِّز مع دولة الإمارات العربية المتحدة في مختلف المجالات، ترسيخاً لدعائم التعاون التنموي الوثيق بين الجانبين. وأتوجّه بالشكر لكافة الجهات المعنيّة ولجميع القائمين على الإعداد والتنظيم الجيّد لهذه الاحتفالية. وأتمنى لجميع الحاضرين التوفيق والنجاح ولدولتينا الشقيقتين مزيد من التقدم والازدهار. وأن تمثّل هذه الاحتفالية علامة فارقة في تاريخ العلاقات الثنائية، وأن تؤسس لمرحلة جديدة أكثر تميزاً وعمقاً في العلاقات بين البلدين. نحتفل اليوم بالعيد الخمسين ونوصي الأجيال القادمة بالسعي لاستدامة هذه العلاقات، وأن تشهد السنوات القادمة الاحتفال بمرور مائة عام على هذه العلاقات الفريدة والمتميزة.