قبل البدء فى الكتابة كان لا بد من تعريف كلمة ” إحتكار ” لغة واصطلاحاً ، ففى اللغة ( ح ك ر) إحتكار الطعام أو السلع أى جمعها وحبسها ينتظر به
الغلاء ، وفى الإصطلاح يُعرف الإحتكار بأنه
حبس السلعة عن التداول فى السوق حتى ارتفاع سعرها تضييقاً على الناس ، والله جل فى علاه طيب لا يقبل الا طيباً.
فعندما تحيق بالأمم الشدائد والمحن والمصاعب والأزمات تتجلى معادن ابناء الوطن وتظهر وطنيتهم و أخلاقهم ومن أعظم الأخلاق وأعلاها قدراً ، خُلق التعاون فيما بين الناس وبعضهم البعض و العمل على المساعدة فى حل المشكلات التى يتعرض لها الوطن وأبناؤه ، يعيش العالم فترة عصيبة اقتصادياً ، وقد شهد النشاط الاقتصادى العالمى تباطؤاً واسعاً فاق كل التوقعات ، أدى الى تزايد معدلات التضخم متجاوزة المستوى المسجل خلال سنوات عديدة سابقة وتجاوزت تكاليف المعيشة معظم مناطق العالم تأثراً بما نتج من أثار ترتبت عن جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية.
وفى هذه الأزمات تطفوا على السطح بعض من سوء الأخلاق لعدد ليس بقليل من التجار ، وأسوء هذه الأخلاق هو خُلق استغلال آلام الناس وحاجاتهم كما يحدث الآن ونحن نتعرض لأزمة إقتصادية طاحنة حيث أن الكثير من هؤلاء بدأوا فى استغلال تلك الأزمة فاحتكروا بعض السلع من الأطعمة والأشربة والألبسة و الأدوية التى يحتاجها المواطن مما أدى لارتفاع الأسعار بشكل لا يحتمله المواطن الذى يحتاج الى تلك السلع التى تُعد أساسية بالنسبة له .
ف
الاحتكار الذى يذكره الفقهاء فى باب البيع، عرفوه بتعاريف متقاربة وتصب فى مجملها فى معنى واحد هو: حبس التجار طعام الناس وأقواتهم عند قلتها وحاجتهم إليها ليرتفع سعرها، وقد اتفقوا فى الجملة على أنه لا يجوز إذا أضر بالناس، ودليل التحريم عندهم ما أخرجه مسلم وغيره أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لا يحتكر إلا خاطئ.. وفى المستدرك وغيره أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى: أن يحتكر الطعام ، وفى المستدرك أنه صلى الله عليه وسلم قال: المحتكر ملعون.
والحكمة من تحريم
الاحتكار الحيلولة دون إلحاق الضرر بالناس فى حاجياتهم الاساسية.
أما حكم الإحتكار فى الفقه الاسلامى فقد اتضح فى القول بأن المحتكر هو ذلك الذى يعمد الى شراء ما يحتاجه الناس فيحبسه عنهم يريد غلائه عليهم وهو ظالم لعموم الناس .
ولا شك ان الإحتكار يُعد من الجرائم الإجتماعية الكبرى لذلك وما من شك فى أن من كان لديه وازع دينى صحيح فإنه لا يحتكر السلع لأن ذلك الوازع قد غرس فى نفسه الخوف من عقاب الله فى الدنيا والآخرة ، فالإحتكار نوع من أنواع الأنانية وحب الذات ويؤدى لتضخم الأموال لدى طائفة على حساب طوائف اخرى تحتاج الى ما يتم احتكاره من سلع .
وهذا ليس خاصاً بالأقوات والمأكل والمشرب والدواء فقط بل يتعداه الى كل ما هو عام ، وهذا
الاحتكار يؤدى الى قتل روح المنافسة بين الأفراد والمؤسسات وقد يؤدى
الاحتكار الى تبديد أجزاء من الموارد الهامة كما أنه يبعث على نشر الحقد والكراهية بين الأفراد مما يؤدى الى تفكك المجتمعات وانهيار العلاقات بين افراده .
ولمواجهة ذلك لابد من تنمية دور الاجهزة التى تتابع الأسواق و تفعيل دور جهاز حماية المستهلك وتسهيل طرق الإبلاغ عن المخالفين ولابد من التكاتف مع الدولة وذلك بعدم الإسراف فى المقدرات والحفاظ على المال العام وترشيد النفقات الغير ضرورية فى الشركات والهيئات ترشيداً حقيقياً ، ومن الواجب على كل افراد المجتمع العمل لما فيه صالح مصر وأبنائها للعبور من هذه الازمة الطاحنة التى يمر بها العالم .
حفظ الله مصر وجيشها وشعبها وقادتها .