في ذكرى ميلاده.. نجيب محفوظ و«تراث الشعر الإنساني»

في ذكرى ميلاده.. نجيب محفوظ و«تراث الشعر الإنساني»نجيب محفوظ

ثقافة وفنون13-12-2022 | 21:22

كل من قرأ رائعة نجيب محفوظ "ملحمة الحرافيش" ، ومن قبلها درته السردية المدهشة التى لم تحظ بما تستحقه من شهرة وقراءة وتحليل، أقصد عمله الفذ "حكايات حارتنا" التى يخلط الكثيرون جدا بينها، وبين سرديته الأشهر "أولاد حارتنا"، استوقفته الأبيات التى نثرها على امتداد ملحمته الروائية، مكتوبة بحروف عربية لكنها ليست عربية بل فارسية، وكل من قرأها لم يفهم منها شيئا ولم يعرف إلا الأقلون- ماهيتها ومغزاها والغرض نتها.

1

لكن محفوظ لا يترك أبدًا شيئًا للصدفة، ومهما كان حريصًا على إخفاء صنعته، وعدم إبداء أبجديات بنائه لأي عملٍ من أعماله (رواية أو قصة أو حوارية أو نص قصير) فإنه وببراعة ومهارة واقتدار ينثر إشارات وعلامات فى نصوص أخرى يمكن عن طريق جمعها وتتبعها وتحليلها الوصول إلى أبعد مما يوحي نصه ظاهرًا بكثير جدًّا.

ولكي نحل اللغز ونفك شفرات هذه الأبيات الغامضة ودلالتها ضمن شبكة البناء السردي للحرافيش لابد من العودة إلى الجذور؛ جذور التكوين الثقافى والأدبي فى حياة محفوظ والمؤثرات الأولى التي لعبت دورها فى تشكيل فكره ووجدانه (على سبيل المثال؛ التراث الفرعوني والأدب العربي، والتراث القصصي الديني.. إلخ)

2

قرأ نجيب محفوظ فى مستهل حياته روائع الأدب الإنساني كله؛ وكان من أكثر الأدباء تنظيما ووعيا بضرورة وضع خطة قراءة دقيقة ومستوعبة للإلمام والاطلاع على روائع التراث الإنساني، فى كليته وشموله، قراءة تقوم على الاختيار الواعي والدأب المثابر والصبر على التحصيل والاستيعاب.

من بين ما نثره محفوظ فى أحاديثه وحواراته على كثرتها إشاراتٍ معدودة لكنها قاطعة وحاسمة لعلاقته بالشعر الفارسي وللتصوف الإسلامي؛ قال محفوظ ما معناه إنه يكاد يعتبر ديوان حافظ الشيرازي « أغاني شيراز أو غزليات الشيرازي» أعظم كتاب قرأه فى حياته؛ وأنه يكاد لا يفارقه! وعبر محفوظ عن افتتانه بحافظ الشيرازي، وقال عن ديوانه إنه واحد من خمسة كتب لا تفارقه أبدًا!

تخرج محفوظ فى كلية الآداب قسم الفلسفة عام 1934؛ وكان ضمن الرعيل الأول أو الثاني من أبناء الجامعة المصرية الذين تخرجوا فى قسم الفلسفة. فى ذلك الوقت كان العظيم طه حسين يمارس دوره التنويري المشع، ويبتعث إلى الجامعات الأوروبية المختلفة، ومن كل التخصصات، الطلاب النابهين والمتفوقين كي يستكملوا دراساتهم العليا، ويحصلون على درجات الماجستير والدكتوراه من كبرى الجامعات فى العالم.

كان من بين العشرات الذين ابتعثهم طه حسين للخارج، وبالتحديد إلى مدرسة الدراسات الشرقية بلندن المرحوم د.إبراهيم أمين الشواربي؛ أحد أنبغ الطلاب الذين تخرجوا فى قسم اللغات الشرقية بكلية الآداب جامعة القاهرة؛ وابتعثه طه حسين إلى بريطانيا للحصول على درجتي الماجستير والدكتوراه فى الأدب واللغة الفارسية.

لم يخيب أمين الشواربي ظن أستاذه ونال درجاته العليا؛ الماجستير والدكتوراه، بكفاءة واقتدار ثم وبعد أن تخصص فى دراسة شاعر الغزل والتصوف الأشهر حافظ الشيرازي، عكف لسنواتٍ طويلة على ترجمة درة الشعر الفارسي والتصوف الإلهي (لا أقول فى الثقافة الإسلامية فقط بل فى التراث الإنساني كله) وهو الديوان المشهور بـ « أغاني شيراز أو غزليات الشيرازي» لأمير شعراء فارس قاطبة حافظ الشيرازي.

والشيرازي لمن لا يعلمه هو الشاعر والمتصوف شمس الدين محمد حافظ الشيرازي (نحو 725- 792 هـ) الملقب بـ«خواجة حافظ الشيرازي»، والشهير بـ«لسان الغيب» وهو من هو فى مدونة وسجل الشعراء الإيرانيين؛ يعتبر أشهر شعراء الفرس الغنائيين. كان مولده ووفاته بشيراز. لقب بـ «حافظ» لحفظه القرآن الكريم بقراءاته الأربع عشرة. له أشعار بالفارسية والعربية، وتُرجمت أشعاره إلى كثير من اللغات العالمية.

3

و«أغاني شيراز» أو «الغزليات» هي أشهر وأكبر وأهم أعماله؛ ترجمت إلى أغلب لغات الدنيا، ولم تكن ترجمت إلى العربية حتى تصدى المرحوم إبراهيم أمين الشواربي إلى ترجمتها التي استغرقت منه قرابة السنوات العشر؛ حتى أتم ترجمة الجزء الأول وظهر إلى النور عام 1944، ثم أخرج الجزء الثاني عام 1945.

وترجمة غزليات حافظ الشيرازي من الفارسية إلى العربية على يد المرحوم إبراهيم أمين الشواربي؛ تعد الترجمة العربية الأولى والكاملة والأهم والأجمل لديوان حافظ الشيرازي؛ ذلك الكتاب العرفاني والأخلاقي والأدبي والجمالي القيم. جاء الكتاب فى بابين؛ خص المؤلف الباب الأول بحافظ وحياته وخصوصياته، وجميع جوانب شخصيته. أمّا الباب الثاني فكان حول ديوان حافظ؛ حيث ذكر المترجم طبعات الديوان الشرقية والغربية، وترجمة الديوان إلى اللغات الأجنبية (الشروح التركية والتراجم الأوروبية)، وفى الأخير ترجمة الديوان إلى العربية للمؤلف، والمؤلف من أربعمائة وستة وتسعين غزلا.

لفتت ترجمة الدكتور إبراهيم أمين الشواربي ل أغاني شيراز أنظار الأساتذة والأدباء، وعلى رأسهم عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، حتى إنه قد وصف هذه الترجمة بأنها «جميلة ورائعة لزهرة الشعر الفارسي «ديوان حافظ»».

ولا شك أن الثناء على هذه الترجمة يصدر عن إدراك علمي وتذوق فنى ووعى لطبيعة الإبداع الشعري، فضلاً عن أن عميد الأدب قد دعا طويلاً إلى توثيق الروابط الأدبية والعلمية والثقافية بين حاضرنا وماضينا، وحاضر الأمم الأخرى وماضيها أيضًا. وكتب الدكتور طه حسين مقدمة تقريظية للديوان المترجم جاء فيها:

«.. وهذه طرفة أخرى نفيسة رائعة، يسعدني أن أطرف بها قراء العربية! لأنها ستمتعهم من جهة، ولأنها ستزيد ثروة الأدب العربي من جهة أخرى، ولأنها بعد ذلك ستثير فى نفوس الكثيرين منهم ألوانا من التفكير المنتج، وفنوناً من الشعور الخصب، ولعلها تفتح لبعض الشباب أبوابًا فى الحس والشعور والتفكير لم تفتح لهم من قبل».

وأظن أن السطر الأخير من الفقرة المقتبسة هنا كانت بمثابة نبوءة أدبية وإبداعية نافذة على الحقيقة لا المجاز؛ فهذا ما حدث بالضبط بعد اثنين وثلاثين عاما، حينما أخرج نجيب محفوظ رائعته «الحرافيش» (ومن قبلها «حكايات حارتنا») وفيها من روح ومداد حافظ الشيرازي ومن غزلياته، تسري تحت السطح الكامن للنص الرفيع كما تسري الدماء فى شرايين الجسد تمنحه الحياة والحيوية والتدفق والنشاط.

كأن طه حسين، كعادته اخترق حجب الغيب، وقرأ أن هناك من سيأتي ويقع بين يديه هذا الأثر الإنساني العظيم ويحدث فى نفسه وروحه ما يجعله يقدم للأدب العربي والثقافة الإنسانية طرفة أخرى ليس لها مثيل ولا نظير فى الكتابة العربية عبر عصورها وتاريخها كله.

4

فى ذلك الوقت كان محفوظ يستهل خطواته الأولى بثبات وثقة فى عالم الأدب والرواية، ولم يكن صدر له أكثر من خمس أو ست روايات ولم يكن حظي بالشهرة الواسعة والعريضة التي نالها بعد كتابته ونشره للثلاثية منتصف الخمسينيات من القرن الماضي.

وأرجح أن نجيب محفوظ قد قرأ ترجمة « أغاني شيراز أو غزليات الشيرازي» عقب صدورها بوقتٍ طفيف عن لجنة التأليف والترجمة والنشر، ذلك أن الأثر الذي أحدثته فى نفسه وروحه كان من العمق والتمكن والتغلغل إلى الحد الذي جعله يقول مبكرا وبالتحديد عام 1945، عبارته الشهيرة التي أعدها دستورًا إبداعيًا أصيلاً «إن الأدب الذي لا يرقى إلى مرتبة الشعر ليس من الأدب فى شيء».

وأعتقد أن علاقة نجيب محفوظ بالتراث الفارسي، وخاصة الشعر الفارسي، قد تكرست وترسخت فى هذه الفترة أو قبلها بقليل لتنشئ علاقة من نوع خاص وفريد. لقد أغرم نجيب محفوظ غرامًا شديدًا بأشعار التصوف الفارسي والحب الإلهي، وتوقف طويلًا أمام ديوان «أغاني شيراز».

أكثر من ثلاثة عقود وقراءته لديوان الشيرازي وغزلياته تختمر فى روحه ونفسه وذهنه؛ تعيد صياغة تصوراته الروحية وتأملاته الصوفية وتمنحه طاقة إبداعية متجددة فى التصوير والتركيب والخلق الإبداعي. وما زلت أرى أن دراسة نقدية تحليلية مقارنة تفتقدها المكتبة العربية لدرس هذا الأثر فى ثقافة وإبداع نجيب محفوظ. فمن يقرأ أعماله فى المرحلة التي استهلها بـ«أولاد حارتنا» عام 1959 ثم أعماله فى عقد السبعينيات وما تلاها («حكايات حارتنا»، و«قلب الليل»، و«الحرافيش»، و«ليالي ألف ليلة») لن يعدم أبدًا العثور على هذه الخيوط الذهبية الحريرية غير المنظورة بذاتها المحسوسة بأثرها من تجليات قراءاته فى التصوف الإسلامي والإنساني والأدب الفارسي والشعر الفارسي بالأخص..

فى هذه الرواية؛ الحرافيش (وفى «حكايات حارتنا») أورد نجيب محفوظ نصوصًا كاملة من ديوان الشيرازي، لكنه لم يوردها فى ترجمتها العربية بل أوردها بنصها الفارسي الأصلي، وهو ما أشكل على كثيرين ممن استوقفتهم تلك الأشعار ومغزاها والغرض منها.

فى مشاهد تصويرية بديعة، تتصاعد من تكية الدراويش أغانٍ صوفية يوردها محفوظ باللغة الفارسية إيحاء وإيهاما بأجواء الغموض والأسرار التي تحيط بالتجربة الصوفية؛ وإفساح المجال للتأمل الذاتي والباطني وفى البحث عن طرق التواصل مع النور الإلهي والحضرة الربانية واستكشاف أسرار الكون والوجود فى واحدة من أرقى التأملات الإنسانية والوجودية التي تجسدت فى نص إبداعي عربي لا مثيل له.

ولقد ظل الأمر ملتبسا على القراء وجمهور الرواية إلى أن قام المرحوم رجاء النقاش بدراسة هذه الأشعار وموضعها من الرواية، وقدم لها ترجمة كاملة فى كتابه «فى حب نجيب محفوظ»، وذلك اعتمادًا على ترجمة الدكتور أمين الشواربي لديوان حافظ الشيرازي.

5

وكان لهذه الأبيات فى «الحرافيش» وظيفة محددة، كما يفسرها رجاء النقاش؛ هي التعبير عن لحظات «الوجد» الصوفى فى الرواية، وقد اختار محفوظ أن يكتبها بنصها الفارسي حتى تبقى غامضة على القارئ، فهذا الغموض نفسه هدف من أهداف الكاتب الفنان، وهدف من أهداف اللحظة التي يعبر عنها.

ففى هذه اللحظة، لحظة الوجد والعشق والتصوف، يتحدث الكون كله حديثًا مبهما عن شيء مجهول فى هذه الدنيا، وهذه الأصوات المجهولة المبهمة هي الأصوات التي نسمعها فى داخلنا عندما نكون وحدنا فى لحظة صلاة أو تأمل أو عذاب، حيث ندرك تماما أن الدنيا ليست مجرد شريط من الأحداث الواقعية المعقولة التي تمر بنا أو تمر أمامنا، فهناك لحن آخر له وجوده، وله شخصيته بين جميع الألحان، وهو اللحن الذي يربطنا بالله أو بأصل الأشياء أو بأعماق الكون، ونحن لا نفهم هذا اللحن بعقولنا، ولكننا نحسه بمشاعرنا وندرك أنه موجود يعزف فى الدنيا على الدوام، ولا نسمعه إلا فى لحظات التصوف والعشق الكبير والوجد والنجوى والعبادة.

على أن غموض الشعر الفارسي الذي استخدمه نجيب فى روايته الجديدة لا يكفى وحده للوصول بنا إلى هذه الحالة من الوجد، فنجيب فنان حكيم حسن التدبير فى صناعته، وهو لا يقيم بناءه الفني أبدًا على الفوضى أو على الصدفة، إنه يتحكم فى فنه، حتى وهو فى أقصى درجات الوجد الروحي، ولولا هذا التحكم لأصيب نجيب محفوظ بالجنون، وأصيب فنه بالاضطراب والإبهام المغلق، وأصبنا نحن بالضياع أمام أعماله الفنية التي تدخل بنا إلى هذا العالم الصوفى الشفاف، كما يقول المرحوم رجاء النقاش.

6

يتساءل النقاش عن مظاهر «التحكم» الفني الدقيق فى موقف نجيب محفوظ عندما اختار أن يستخدم الشعر الفارسي فى روايته؟.. ويجيب بأن هذه المظاهر تتركز فى ثلاثة أمور:

أولًا: أنه اختار شاعرًا عظيمًا من شعراء الفرس الذين لهم شهرة كبرى، وقيمة عالمية إنسانية فى الشرق والغرب هو «حافظ الشيرازي»، وكانوا يسمونه فى بلاده باسم لسان الغيب وترجمان الأسرار، وقد عشقه الغربيون، كما عشقه الشرقيون، وكان أديب الألمان الأعظم «جيته» كما يقول الدكتور عبد الرحمن بدوي قد تحمس لهذا الشاعر الفارسي، وتعلق به إلى درجة من الوجد هائلة، وقال عنه إنه -أي جيته نفسه- لا يستطيع أن يبلغ شأوه ولا أن يلحق به.. وكان يقول عنه كذلك إن أحدًا لم يستطع أن يكشف القناع عن أفكار رائعة كما فعل حافظ.

ثانيًا: لم يلجأ نجيب إلى شاعر فارسي آخر معروف للذوق العربي مثل عمر الخيام، فشعر الخيام أصبح مألوفا لدينا بعد أن قرأناه فى ترجمات عربية كثيرة أشهرها ترجمة أحمد رامي، كما سمعنا بعض رباعيات الخيام بصوت أم كلثوم البديع، والألفة لا يمكن أن توقظ لدينا الشعور بالتصوف الغامض المبهم المرهوب، ولم يعد عمر بالنسبة لنا فنانا يثير فينا صدمة روحية خاصة، أو يمثل نغمة جديدة توقظ أرواحنا لسماعها والإنصات إليها، إننا نعجب بشعر عمر الخيام، ولكننا نألفه أشد الألفة.

ثالثًا: اختار نجيب محفوظ أبياتا ذات معنى خاص عند حافظ الشيرازي، وبرغم أن هذه الأبيات ليست مفهومة للقارئ العربي، وقد قصد نجيب هذا الغموض وتعمده، فإننا إذا جربنا أن نفهم معنى هذه الأبيات، فسوف نجدها شديدة الارتباط بالسياق الفني الذي جاءت فيه، هذا كله يكشف لنا عن الهندسة الفنية الدقيقة عند نجيب محفوظ، فهو ليس فنانا يستسلم لإلهامه الخصب فقط، بل إنه يقوم بإخضاع هذا الإلهام للبناء الفني الدقيق، ننتقل من هذه القضايا التي وقفنا أمامها بسرعة، لنتوقف أمام نقطة واحدة تتركز فى الإجابة عن هذا السؤال: ما معنى الأبيات التي اختارها نجيب محفوظ فى روايته الجديدة من شعر حافظ الشيرازي؟

7

حينما قام رجاء النقاش بتفسير هذه الأبيات، وموردًا معانيها بيتًا بيتًا، معتمدًا على الترجمة عظيمة القيمة والأهمية التي قام بها الأديب العالم الكبير المرحوم الدكتور إبراهيم أمين الشواربي، وهي نفسها الترجمة التي اعتمد عليها نجيب محفوظ، كما قال له بنفسه، كان مضى على صدور «الحرافيش» ما يزيد على عشر سنوات، وبالتالي فلم يكن هناك من داع للإبقاء على ترجمة هذه الأبيات سرًّا أو يحيطها الغموض، خصوصًا أن محفوظ صرح فى أكثر من مناسبة عن مصدره فى إيراد هذه الأبيات.

ولو كان النقاش يعلم أن تفسيره لهذه الأبيات سوف يفسد جو «الحرافيش»، لما قام به على الإطلاق، يقول «ولكنني أعتقد أنني أقوم هنا بوظيفة من وظائف النقد الأدبي الأولية، وهي التفسير، وفى ظني وأنا أفعل ذلك أنه لا يسيء إلى الجو العام للرواية، وخاصة عندما ندرك أن حافظ الشيرازي كان- فى تفسير شائع له ولفنه- شاعرًا متصوفًا، وكلماته كلها رموز لمعان تحتفظ بغموضها وإبهامها وجوها النفسي السحري».

نعم. فلا الخمر عنده خمر، ولا الحبيبة حبيبة، ولا العشق عشق، بل إن ذلك كله كان رمزًا من رموز عالمه الروحي الصوفى الكبير، وهذا التفسير لشعر الشيرازي هو التفسير الذي أخذ به نجيب محفوظ؛ لأن هناك من يفسرون حافظ تفسيرًا آخر يختلف عن هذا التفسير كل الاختلاف، على ضوء هذا كله، فإن الشرح العربي لأبيات حافظ، لا يضر رواية «الحرافيش»، بل يبقي على جانبها الصوفى العذب كما هو دون أن يصاب بسوء من هذا الاقتحام، فمعاني حافظ فى العربية والفارسية على السواء، غامضة مبهمة، روحانية عذبة، تردد صوت المجهول فى العالم وفى النفس، وتعزف ألحان الكون الأكبر الذي لا يسيطر عليه عقل ولا منطق.. هكذا كان يراه نجيب محفوظ، وهكذا أراه، وهكذا يراه كثير من الباحثين والدارسين.

أضف تعليق

رسائل الرئيس للمصريين

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2