تمثلت إحدى أدوات الاحتلال الإسرائيلي، في انتهاك القدس عاصمة فلسطين، بالقضاء على أعمار وأجساد انصهرت داخل زنازينهم لأعوام، نتيجة القسوة وسياسة الإهمال الطبي المتعمد، فهم يمارسون سياسة انتهاك حقوق الأسرى المكفولة بموجب الاتفاقيات والمواثيق الدولية التي تنص على حقهم في تلقي العلاج والرعاية الطبية.
اليوم، استشهد الأسير المريض ناصر أبو حميد (50 عاما) من مخيم الأمعري، في مستشفى "أساف هروفيه"، ليرتفع عدد الشهداء من الأسرى نتيجة سياسة الإهمال الطبي (القتل البطيء) إلى 74 أسيرا استشهدوا داخل سجون الاحتلال منذ عام 1967، أولهم الأسير خليل الرشايدة من بيت لحم، الذي استشهد عام 1968 جراء تعرضه لنوبة قلبية وعدم تقديم العلاج اللازم له.
بدأت الحالة الصحية للأسير أبو حميد بالتدهور بشكل واضح منذ شهر أغسطس 2021، حيث بدأ يعاني من آلام في صدره إلى أن تبين بأنه مصاب بورم في الرئة، وتمت إزالته وإزالة قرابة 10 سم من محيط الورم، ليعاد نقله إلى سجن "عسقلان"، ما أوصله لهذه المرحلة الخطيرة، ولاحقا وبعد إقرار الأطباء بضرورة أخذ العلاج الكيميائي، تعرض مجددا لمماطلة متعمدة في تقديم العلاج اللازم له، إلى أن بدأ مؤخرا بتلقيه بعد انتشار المرض في جسده، ورفضت محكمة الاحتلال طلبات الإفراج المبكر عن الأسير المريض بالسرطان أبو حميد.
وحصر نادي الأسير الفلسطيني أعداد المرضى في سجون الاحتلال فقال: "600 أسير مريض في السجون ممن تم تشخيصهم على مدار السنوات الماضية يواجهون أوضاعا صحية صعبة، بينهم 200 يعانون أمراضا مزمنة، من بينهم 24 أسيرا مصابون بالأورام والسرطان بدرجات مختلفة".
سعدية فرج الله
من الذاكرة، إنه نتيجة لسياسة الإهمال الطبي المتعمد أيضا، استشهدت الأسيرة سعدية فرج الله (68 عاما) في يوليو من العام الجاري، وأكد نادي الأسير أن الأسيرة فرج الله كانت تعاني من أمراض مزمنة عدة، بينها السكري والضغط ومشكلات في القلب، وأن جلسة محكمة عقدت للأسيرة قبل أيام من استشهادها حضرت خلالها على كرسي متحرك، وكان محاميها قد طالب إدارة سجون الاحتلال بضرورة عرضها على طبيب مختص، بعد أن أثبتت الفحوص الطبية ارتفاع السكري والضغط لديها وتراجع وضعها الصحي.
وحذر نادي الأسير الفلسطيني في بيان سابق صادر عنه من التزايد في حالات الإصابة بالأورام، ومنهم من تأكد من تشخيصه بشكل نهائي، وآخرون ينتظرون أن تجرى لهم مزيد من الفحوص الطبية للتأكد من نوع الورم المصابين به.
حسين مسالمة
وأشار إلى ان "إدارة السجون" تتعمد إعلام الأسير بالمرض الامصاب به، بعد أن يكون المرض قد وصل إلى مرحلة متقدمة، كما جرى مع الشهيد حسين مسالمة، وغيره من الأسرى الذين استشهدوا في سجون الاحتلال أو بعد تحررهم بفترات وجيزة.
ولفت نادي الأسير إلى أن عيادة سجن "الرملة" التي يطلق عليها الأسرى "المسلخ" شاهدا على الموت اليومي الذي يعيشونه. وكان من بين الأسرى الذين احتجزوا فيه لسنوات واستشهدوا الأسرى بسام السايح، وسامي أبو دياك، وكمال أبو وعر، وغيرهم من الذين واجهوا السرطان وسياسة القتل البطيء على مدار سنوات.
كمال أبو وعر
استشهد الأسير كمال أبو وعر (46 عاما)، في 10 نوفمبر 2020 جراء الإهمال الطبي المتعمد، حيث أصيب الأسير أبو وعر بسرطان الحنجرة نهاية عام 2019.
تفاقم وضع أبو وعر الصحي جراء ظروف الاعتقال القاسية التي تعرض لها، وأعلنت إدارة سجون الاحتلال عن إصابته بفيروس "كورونا"، بعد أن جرى نقله من سجن "جلبوع" حيث كان يقبع في حينه، إلى أحد مستشفيات الاحتلال، وأجريت له عملية جراحية لوضع أنبوب تنفس له، ونقلته إدارة السجون ضمن إجراءاتها التنكيلية، وبعد فترة وجيزة إلى ما يسمى بسجن "عيادة الرملة"، ليرتقي شهيدا في مستشفى "أساف هروفيه".
وفي اعقاب استشهاده، اتهم رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين قدري أبو بكر، الاحتلال بقتل الأسير كمال أبو وعر من خلال تركه فريسة لمرض السرطان، قائلا: "الجريمة الطبية للاحتلال بحق الأسير الشهيد أبو وعر هي شاهد على عنصرية وحقده وسعيه للنيل من أسرانا بشتى الوسائل".
يشار إلى أن جريمة الإهمال الطبي (القتل البطيء) تضاف إلى سياسة التعذيب كأبرز السياسات التي أدت إلى استشهاد عدد من الأسرى، بما في ذلك من أدوات قمعية، وتنكيلية كثيفة، تستخدمها إدارة السجون بحقّ الأسرى.
عزيز عويسات
كان استشهاد الأسير عزيز عويسات (53 عاما) من جبل المكبر في القدس، الذي ارتقى في سجون الاحتلال، في 20 من مايو عام 2018، نتيجة تدهور حالته الصحية بسبب تعرّضه للتعذيب والإهمال الطبي المتعمد داخل سجنه.
وقالت هيئة الأسرى الفلسطينية: "جريمة بشعة ومتعمدة ارتكبت بحق الأسير الشهيد عزيز عويسات الذي تعرض لضرب مبرح ومميت أدى إلى استشهاده".
يجدر بالذكر أن الاحتلال يواصل احتجاز جثامين عشرة أسرى شهداء، أقدمهم الشهيد الأسير أنيس، من قلقيلية الذي استشهد في سجن عسقلان عام 1980، وعزيز عويسات منذ عام 2018، وفارس بارود، ونصار طقاطقة، وبسام السايح وثلاثتهم استشهدوا خلال عام 2019، وسعدي الغرابلي، وكمال أبو وعر خلال عام 2020، والأسير سامي العمور الذي استشهد عام 2021، والأسير داوود الزبيدي الذي استشهد العام الجاري 2022، ومحمد ماهر تركمان الذي ارتقى خلال هذا العام في مستشفيات الاحتلال.
وباستشهاد ناصر أبو حميد يرتفع عدد شهداء الحركة الأسيرة إلى (233) شهيدا، منذ عام 1967، بالإضافة إلى مئات من الأسرى الذين استشهدوا بعد تحررهم متأثرين بأمراض ورثوها من السجون.
ويبلغ عدد الأسرى في سجون الاحتلال اليوم نحو 4700 يقبعون في (23) سجنا ومركز توقيف وتحقيق، بينهم 33 أسيرة يقبعن في سجن "الدامون" و150 طفلا وقاصرا، موزعين على سجون (عوفر، ومجدو، والدامون). فيما بلغ عدد المعتقلين الإداريين 835 معتقلا إداريا بينهم 4 أطفال، وأسيرتان.