بعد الهجوم على الأكراد فى باريس فرنسا.. سجل مشين من العنصرية ضد الأقليات

عرب وعالم2-1-2023 | 14:33

لم يكن الاعتداء العنصري الذي تعرض له عدد من المواطنين الأكراد في باريس الأسبوع الماضي الأول من نوعه، حيث تعددت في السنوات الأخيرة، حوادث العنصرية التي يتعرض لها الأقليات والمهاجرون في فرنسا ، مما عزز مخاوفهم ، خاصة في ظل عودة صعود اليمين المتطرف في البلاد مرة أخرى.

كان مرتكب الحادث «69 عامًا» وهو سائق قطار متقاعد يحمل الجنسية الفرنسية، أطلق النار على عدد من المواطنين الأكراد، مما أسفر عن مقتل ثلاثة، وإصابة ثلاثة آخرين، ورغم اعترافه خلال التحقيقات أن دوافعه عنصرية، حيث يمتلك سجلا إجراميًا عنصريًا معروفًا، إلا أن ذلك لم يكن كافيًا لدفع السلطات الفرنسية لوصف الجريمة بـ «العملية الإرهابية»، مكتفية بالإشارة إلى أن ما حدث عملية إجرامية تخضع للتحقيقات الجنائية، قبل أن يوجه له قاضى التحقيق مؤخرًا تهم القتل، ومحاولة القتل على أساس العرق أو البلد أو الدين، فضلا عن اتهامه بالحصول على أسلحة وحيازتها من دون رخصة.

يأتى ذلك على الرغم من وقوع حادثتين متشابهتين قبل ذلك، وصفتهما السلطات الفرنسية بأنهما إرهابيتان، ففى سبتمبر 2020 هاجم رجل مسلح بساطور شخصين أمام المقر السابق لمجلة تشارلى إبدو الساخرة فى باريس، وأصابهما بجروح خطيرة، وقبل ذلك بخمسة أشهر تقريبًا قتل لاجئ سودانى شخصين بسكين فى بلدة رومان سور إيزير بجنوب شرق البلاد، وفى كلا الواقعتين وبعد أقل من دقائق على الكشف عنها واستباقا للتحقيقات، خرجت السلطات الفرنسية لتؤكد أن العمليتين «إرهابيتان».

التعامل الفرنسى الرسمى مع الواقعة، والإصرار على أنها مجرد عملية إجرامية أثار غضب الأكراد الذين يبلغ عددهم فى فرنسا نحو 150 ألف شخص، وفق بعض التقديرات غير الرسمية، وخرج العديد منهم فى مظاهرات حاشدة، تحولت فيما بعد إلى مواجهات مع الشرطة الفرنسية أسفرت عن إصابات واعتقالات فى صفوف المحتجين.

وأشارت العديد من الصحف الفرنسية إلى رفض السلطات التعامل مع الواقعة باعتبارها حدثا إرهابيًا، فذكرت صحيفة «لو فيجارو» الفرنسية أن هناك لوما على بعض الوسائل الإعلامية لعدم وصف الجريمة بالعمل الإرهابى أو بالهجوم، لكنها لفتت إلى أن الوسائل الإعلامية الفرنسية اعتادت عدم استخدام هذه المصطلحات طالما أن مكتب المدعي العام الوطنى لمكافحة الإرهاب لم يتبن الحقائق الإرهابية، مشيرة إلى أن هذا الأخير مختص بجميع الأعمال الإرهابية، كما أشارت صحيفة «ليبراسيون» إلى أنه يجب وضع الاعتداء فى إطار صعود المجموعات المتطرفة والعنصرية فى فرنسا، والتى قد تدفع لتنفيذ اعتداءات مماثلة.

وبعيدًا عن التوصيف، فمن المؤكد أن تلك الواقعة أعادت الحديث عن واقع العنصرية فى المجتمع الفرنسى، والتى شهدت خلال السنوات الماضية عشرات الحوادث، ففى عام 2020 وقع 235 اعتداء على المسلمين مقابل 154 عام 2019، بما يمثل زيادة بنسبة 53%، هذا بخلاف زيادة الاعتداءات على المساجد بنسبة 35%، مقارنة بما حدث عام 2019، بحسب البيان الصادر عن «المرصد الوطنى ضد معاداة الإسلام» فى فرنسا، فى يناير 2021.

كما ارتفعت الاعتداءات ضد المسلمين خلال فترة 2017-2019 بنسبة 77%، وفق التقرير السنوى الصادر عن «التجمع ضد الإسلاموفوبيا» العام الماضى، والذى رصد نحو 789 فعلًا يندرج تحت مظلّة كراهية المسلمين خلال عام 2019، لافتًا إلى أن 59% من تلك الأفعال المصنَّفة كجرائم عنصرية صادرة عن مؤسسات حكومية.

لم يقتصر الأمر على المهاجرين فقط، إذ يتعرض الفرنسيون من أبناء وأحفاد المهاجرين لانتقادات عنصرية، حيث تعرض عدد من لاعبى المنتخب الفرنسى لكرة القدم أصحاب البشرة السمراء من أبناء وأحفاد المهاجرين لتعليقات عنصرية بعد خسارتهم المباراة النهائية فى بطولة كأس العالم فى قطر 2022 أمام الأرجنتين التي توجت باللقب، حيث رفع الشعبيون شعارات عنصرية على شاكلة «عودوا إلى أوطانكم» .

يتزامن ذلك مع صعود اليمين الفرنسى، وتصاعد لغة خطابه العنصرى، مع النتائج التى حققها حزب الجبهة الوطنية من أجل الوحدة الفرنسية فى الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وأصبح يشكل الكتلة الثالثة فى البرلمان، واستخدامه خطابًا شعبويًا تجاه قضايا الهجرة واللجوء، وتقديم نفسه على أنه المدافع الأول عن الشعب الفرنسى وعن رفاهية ونقاء الفرنسيين فى مواجهة تمدد المهاجرين، كل هذا ساعد على خلق وترسيخ مشاعر العداء والكراهية لدى الشعب الفرنسي متسلحا بشعارات من قبيل «الدفاع عن الفرنسيين»، و«الفرنسيون أولاً».

وقد أشارت «سكاى نيوز» فى تقرير لها إلى أن الاعتداءات التى تستهدف الأقليات سواء فى فرنسا أو غيرها أصبحت متوقعة لعدة أسباب منها تصاعد لهجة الكراهية وإقصاء الأجانب، وترجمة هذه الأفكار إلى اعتداءات إرهابية، ونجاح اليمين المتطرف فى استثمار خطاب الكراهية، وتحميل المهاجرين مسئولية كل الأزمات، واستقطاب الرأى العام لهذه الأفكار.

وقد نجحت أحزاب اليمين المتطرف على مدى الأشهر الماضية فى تحقيق نتائج متقدمة فى الانتخابات البرلمانية فى عدة دول أوروبية، فى ألمانيا كان صعود حزب البديل من أجل ألمانيا فى الانتخابات الأخيرة، وفى فرنسا فاز تكتل اليمين المتطرف بأكثر من 100 مقعد فى الانتخابات البرلمانية، وفى إيطاليا تولت زعيمة حزب «إخوة إيطاليا»، جورجيا ميلونى، رئاسة الحكومة، بعد فوز تحالفها فى الانتخابات، وفى السويد حقق تيار اليمين المتطرف نتائج متقدمة فى الانتخابات.

أضف تعليق

إعلان آراك 2