ثقافة الاختلاف ورفض الآخر!

ثقافة الاختلاف ورفض الآخر!محمد رفعت

الرأى15-1-2023 | 14:43

من يتابع المعارك المحتدمة على مواقع «السوشيال ميديا» الآن، يلاحظ تراجعًا رهيبًا فى مستوى أدب الحوار، للدرجة التى تحولت فيها تلك المواقع إلى منصات لتبادل الشتائم والاتهامات بالعمالة والتخوين والتكفير، وهو ما يجعل البعض منا يتمنى أن يعود بنا الزمن إلى تسعين عامًا مضت، وبالتحديد فى بداية الثلاثينيات من القرن الماضي، حينما أصدر أحد المثقفين كتابًا بعنوان «لماذا أنا ملحد»، فلم يطالب أحد بتصفيته، لكن رد عليه شيخ الأزهر وقتها بكتاب يقرع به الحجة بالحجة، ويرد على الفكرة بالفكرة، وأسماه «لماذا أنا مؤمن»!

والغريب أنه فى الوقت الذى تدعو فيه السلطة السياسية، إلى الحوار الوطنى المحترم فى كل المجالات، لمحاولة البحث عن حلول لأزماتنا الفكرية ومراجعة بعض الأفكار التى تعطلنا عن ركب التقدم والحضارة، والتخلى عن العادات والأعراف الاجتماعية التى تزيد حياتنا صعوبة، مثل المبالغة فى تجهيزات الزواج، لدرجة تدفع بالغارمات والغارمين إلى الحبس.

وفى الوقت الذى تفتح فيها الإدارة السياسية باب النقاش والحوار حول العديد من القضايا الشائكة والمسكوت عنها طوال عقود، والتى تؤذى قطاعات عريضة من المصريين وتسمم العلاقات بينهم، مثل قضية التعدى على ميراث النساء خاصة فى الريف والصعيد، ومساوئ الطلاق الشفهي، والقوانين التى تنظم العلاقة بين المالك والمستأجر، نفاجأ بضيق أفق رهيب من جانب كثير ممن يطلقون على أنفسهم لقب النخبة والمثقفين، الذين يرفضون أى فكرة حتى ولو كانت مفيدة وإيجابية بسبب المكابرة والمعاندة والمكايدة مع السلطة.

والحكمة القديمة تقول إنه «لولا اختلاف الأذواق لبارت السلع»، والمثل اليابانى الشهير يؤكد أنه «لا نقاش فى الأذواق».. والعقل والمنطق يؤيد ذلك بل يحث عليه، فأصابع اليد ليست مثل بعضها، والاختلاف والتنوع مقبول وطبيعى.. لكن الخلاف هو المشكلة، الخلاف هو الذى يولد التباغض والانقسام.. وهذا ما يحدث مع الأسف فى كل شىء فى حياتنا.. فى الرياضة والفن والسياسة والدين.

أنت أهلاوى ولا زملكاوى.. فيروزى ولاّ كلثومى.. عمراوى ولاّ تمراوى، حكومى أم معارض.. سنى أم شيعى.. وقليل منا من يحترم اختيارات الآخر، أو يعترف بحقه فى التميز والاختلاف، مادام لا يضرنى أو يسفهنى أو يتعدى على حقوقى أو يسخر من تفضيلاتى، أو يريدنى أن أكون مثله، وإلا أصبحت خائنًا أو عميلاً أو غبيًا.

والمؤسف أن منطق «من أحبنى أحب كلبى»، وهو مثل انجليزى معروف يشير إلى ضيق البعض بالرأى الآخر، لدرجة تجعله لا يطيق أن يسمع كلمة نقد حتى فى كلبه!

ومبدأ «من ليس معى فهو ضدى»، يبعد الغالبية عن البحث عن الحق والحقيقة، ويؤدى إلى التشكيك فى كل شيء وتشويه الرؤية، ويزرع الضغينة بين الناس ويفرض الرأى بالقوة، ويجعل الكثيرين يتحولون إلى قطيع بلا رأى أو رؤية

أضف تعليق