تعاني الاقتصادات في جميع أنحاء العالم نتيجة لـ التوترات الجيوسياسية، بما في ذلك الحرب الروسية الأوكرانية، فضلاً عن اختناقات سلسلة التوريد والتعافي غير المتكافئ من أزمة كورونا.
وأدت هذه الظروف معاً إلى معاناة الاقتصادات المختلفة من تضخم فاحش ونمو منخفض لأول مرة منذ السبعينيات.
ووفق منظمة العمل الدولية، فإن تكلفة المعيشة المرتفعة تدفع الناس أيضاً إلى الفقر المطلق أو النسبي في جميع أنحاء العالم، وأدى تضخم الأسعار إلى خفض الطلب على السلع والخدمات من البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، مما يهدد التوظيف.
وأشارت إلى أن "التقدم المحرز في الحد من الفقر خلال العقد الماضي قد تعثر إلى حد كبير، والتقارب في مستويات المعيشة وجودة العمل آخذ في التوقف مع تباطؤ نمو الإنتاجية في جميع أنحاء العالم"، مشددة على ضرورة "معالجة الأزمات المتشابكة التي نواجهها" من أجل الحفاظ على القوة الشرائية ورفاهية الإنسان.
لكن صندوق النقد الدولي يرسم صورة قاتمة لما هو آت، إذ قالت مديرة الصندوق إن الوضع لن يتحسن قريباً بسبب "التضخم الذي لا يزال صلباً" وفي مواجهته "لم ينته عمل المصارف المركزية بعد"، مشددة على أن "الأزمة لم تنته بعد على الأرجح".
وبالنسبة للبلدان ذات المديونية المرتفعة والتي يتم تصنيف إصداراتها بالدولار، ستكون الآثار كبيرة، خاصة عندما يضاف إلى ذلك تخفيض قيمة العملة، ما يؤدي إلى صعوبات كبيرة للسكان.
وأوضح صندوق النقد أن جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا زادتا من توتر العلاقات التجارية، التي تعاني من تعاف ضحل وغير متكافئ منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008، بالإضافة إلى خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي والتوترات التجارية المستمرة بين الولايات المتحدة والصين.
وحث على أهمية ضمان التعاون التجاري بشأن السلع العامة العالمية والمنافسة العادلة، مع الحفاظ على الحد الأدنى من التعاون من خلال الممرات الآمنة لتمكين حركة السلع والخدمات الهامة. ويأتي التقرير مع وجود مؤشرات متعددة على تباطؤ الاقتصاد العالمي بنهاية 2022 ودخوله مرحلة ركود خلال العام الجاري، تحت وطأة التضخم المرتفع وارتفاع أسعار الفائدة، إلى جانب التحديات التي سببتها الحرب في أوكرانيا وتأثيرات فيروس كورونا في الصين.
حذرت منظمة العمل الدولية في تقرير نشرته على موقعها الإلكتروني، من أن المزيد من العمال سيضطرون لقبول وظائف أقل جودة وذات أجور متدنية مع ساعات عمل أطول هذا العام نتيجة التباطؤ الاقتصادي العالمي.
وأشارت المنظمة التي تتخذ من جنيف مقراً لها في تقييمها الأخير لحالة سوق العمل، إلى أن حالة عدم اليقين "المرتفعة والمستمرة" بشأن حالة الاقتصاد العالمي تؤدي إلى انخفاض الاستثمار في الأعمال التجارية، وتآكل الأجور الحقيقية ودفع العمال إلى العمل غير الرسمي.
قال الخبير الاقتصادي، الدكتور خالد الشافعي، إن العالم يعاني من أزمات اقتصادية متتالية منذ نهاية 2019 وحتى الآن حيث لم يستفق الاقتصاد العالمي من جائحة كورونا وتأثيراتها السلبية التي أدت لانكماش اقتصاديات الدول حتى الكبرى منها وتراجع معدلات النمو لديها وتباطؤ سلاسل الإمداد والإنتاج وتوقف حركة التجارة العالمية والسياحة والنقل والبورصة، ثم تلتها الحرب الروسية الأوكرانية التي نتج عنها تضخم اقتصادي لم تشهده دول العالم منذ 40 عاما مضت؛ لذلك ما زال العالم يعاني من تداعيات هذه الأزمات المتتالية التي أدت إلى ارتفاع أسعار السلع والمنتجات وأضرت بكافة دول العالم.
وأضاف الشافعي في تصريحات صحفية، أن التغير المناخي لعب دورًا كبيرًا أيضًا في الأزمة الاقتصادية العالمية حيث أدى إلى تصحر وجفاف بعض الدول وفيضانات في دول أخرى؛ مما أضر كثيرا بالإنتاج الزراعي وبالتالي ارتفعت الأسعار لذلك لابد من تحرك الدول الكبرى سريعا لمواجهة هذا الواقع من خلال صرف تعويضات من الدول المتسببة في هذا الضرر للدول المضارة لمساعدتها في مواجهة هذه المشكلة، وإذا لم يتم التوصل لهذا الحل فلابد أن تبدأ كل دولة على حده بمواجهة هذه الكارثة البيئية مع الاستعانة بخبرات أبنائها،لافًتا إلى أن قمة المناخ "كوب27" التي عقدت مؤخرا في مصرناقشت تداعيات وسبل علاج تلك الأزمة وكيفية التحول التدريجي إلى الاقتصاد الأخضر واعتبار الطاقة النظيفة والمتجددة هى العمود الفقري لكل المشروعات في الفترة القادمة.
وأوضح الشافعي أن مصر والكثير من الدول كانت تعتمد اعتمادا كبيرا على استيراد القمح من روسيا وأوكرانيا لكن الحرب المشتعلة بين الطرفين أوقفت عمليات الاستيراد، لذلك بدأت مصر في استصلاح المزيد من الأراضي الصحراوية ودعم المزارعين بإنشاء شبكة ري بالتنقيط لتوفير المياه في ظل أزمة محدودية المياه لزيادة حجم الإنتاج وسد الفجوة بينه وبين الاستهلاك وتحقيق الاكتفاء الذاتي تدريجيا، من ناحية أخرى قدمت القيادة السياسية مبادرة "ابدأ" لتحفيز المستثمرين والتحفيز الضريبي للمشروعات في الأنشطة المهمة للمواطنين لتحقيق الاكتفاء الذاتي بها والتوقف عن الاستيراد بحيث تكون الصناعة المصرية قادرةعلى تلبية احتياجات وطموح المواطنين.