الوطن فوق الجميع ليس شعاراً حماسياً يُلهب المشاعر بل يجب أن يكون اعتقاداً جازماً بأنه لا شيئ مهما كانت قيمته أغلى من الوطن ، و الوطنية تسمو على كل انتماء ، وفى الازمات نكون نحن والوطن فى أمس الحاجة للتكاتف والاصطفاف وتفويت الفرص على كل متربص بالداخل أو بالخارج فالوطن يعلو ولا يُعلى عليه ، و الحياد حال تعرض الوطن وأبنائه للمخاطر يُعتبر خيانة للوطن .
وتعيش الأمة المصرية أزمة إقتصادية حقيقية تحاول اجهزة الدولة الخروج من هذه الأزمة بأقل تأثير والعبور بالوطن رويداً رويداً الى بر الأمان دون ترك مساحة تكُن ذريعة يستغلها الكارهون لمحاولة تحقيق غايات وأهداف وأحلام تستهدف الكيان العظيم والشعب الأصيل ، نعم هناك غلاء فى الأسعار السلع والخدمات ، وهذا الغلاء لا يُنسينا مواجهة التحديات مع ضرورة المطالبة بضبط الأداء الإقتصادى وترشيد وضغط النفقات الحكومية وكذا تعميق ثقافة الترشيد بشكل عام فى إستهلاكات الموارد الطبيعية وتعميم ثقافة الشراء وفتح افاق انتاجية للسلع الاستراتيجية ورفع كفاءة جهاز حماية المستهلك ومحاسبة المحتكرين ودعم الرقابة على الأسواق .
إن نشر روح الإنهزامية وتصدير الإحباط بين جموع الشعب ومحاولة اللعب على مشاعر المواطنين لا يأتى بخير مطلقاً ، بل مناقشة الواقع وطرح الحلول الإيجابية والتفكير فى المصلحة العامة هو ما نحتاجه فى المرحلة الحالية .
و المتأمل بصدق فى الكثير من المواقف للبعض من أبناء الوطن سيجد أن هناك من أسقط من حساباته ، بقصد وعمد قيمة الوطن ومحبته و الواجبات التى تفرضها خطورة المرحلة ، ذلكم الوطن الذى ينتمون إليه ويعيشون على خيراته ، لقد نسوا أو تناسوا أن حب الوطن والإيثار من أجله والحفاظ على مقدراته ومنعته وكرامته و عزته من كمال الإيمان .
إننا جميعاً ندرك أن الوطنية وحب الوطن ليست بالشعارات التى نتغنى بها فى المناسبات ولا مصطلحاً نتحدث به فى المحافل و التصريحات ، إنما الوطنية والإنتماء مبدأ سامى تتجلى معانيه بذلاً وسخاءاً ومثابرة من أجل النهوض بالوطن، وتغليب مصلحتة على غيرها من المصالح ، ويتطلب حُب الوطن العمل على النهوض و الارتقاء به بين الدول ، وبذل كل جهد من أجل أمنه واستقراره و إعلاء شأنه ومكانته .
و الحقيقة أن ما نعانيه اليوم من أزمات اقتصادية ما هو الا نتاجاً طبيعياً لطمع وجشع فئة من التجار الذين يستغلون الأزمات ويقومون بإخفاء بعض الاحتياجات اللازمة لخلق حالة من عدم الاستقرار وذلك لتغليبهم مصالحهم الخاصة على مصالح المواطنين .
وبقدر حاجتنا الى تعميق الإنتماء فإننا نحتاج أيضاً الى تضافر وتكاتف جهود وزارات التعليم والثقافة والإعلام والأوقاف والشباب والرياضة لخلق وايجاد استراتيجية متكاملة لتقوية الإنتماء فى عقول وقلوب أبناء الوطن بإختلاف فئاته ، كما أننا فى ذات الوقت ننتظر من الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدنى و الأزهر والكنيسة تبنى ثقافة تعميق الإنتماء عن طريق برامج توعوية لكافة فئات المجتمع .
ولكى يتحقق الإنتماء فى قلوب أبناء الوطن لا سيما المميزين فإنه من الواجب أن يستشعروا مكانتهم وأن دورهم قادم فى تبوء مكانة يستحقونها بعد عناء البحث والدراسة والشعور بعدم تهميشهم وان لهم دوراً فاعلاً فى مجتمعهم حتى لا يكونوا عرضة للياس ولا يصيبهم الإحباط .
إن من عوامل تعميق الإنتماء فى قلوب أبناء الوطن استحضار جوانب العظمة والإبداع والتألق فى حاضرهم لبناء مستقبلهم ، حيث أن الولاء الحقيقى يكون حين يرى الفرد نفسه جزءاً من كل أو ترساً فى آلة ، أو جندياً فى جيش يحمى الوطن ومقدراته ، وعلى كل فرد من افراد الوطن أن يُظهر انتمائه بالعمل على نبذ الكراهية وإرساء مبادئ وقواعد المحبة ومحاربة الفساد والفاسدين ، والتعلم ثم التعلم على أحدث التكنولوجيات وارقاها وتقديم كل فكر بناء للوطن .
وأنه ينبغى على الأجهزة المعنية التربية و التعليم والثقافة والاعلام و الأزهر والكنيسة والاحزاب السياسية وكافة منظمات المجتمع المدنى اعادة صياغة مواد وبرامج تتعلق بالوطنية وتعميق الإنتماء ، وأن يعمل الجميع فى منظومة واحدة لتجاوز مرحلة الشعارات الرنانة بتعميق مفهوم شامل للمواطنة ، بدمج فئات المجتمع بطرق علمية ونفسية كل حسب اختصاصه وفكره وذلك لبناء مجتمع متماسك، وإعادة صياغة و ترتيب مفهوم الانتماء والإخلاص للوطن.
عاشت مصر