«القاهرة - نيودلهي» شراكة استراتيجية .. في مواجهة التحديات

«القائد الشجاع الذي أنقذ بلده من براثن الإرهاب» .. كان هذا هو العنوان الذي اتخذته الصحافة الهندية لتصف به الرئيس عبدالفتاح السيسي خلال زيارته للهند استجابة لدعوته كضيف رئيسي للاحتفال بيوم الجمهورية، فلم يأت اختيار الرئيس السيسي لحضور احتفال الهند بعيدها الوطني من فراغ، لكنه جاء لما للقيادة السياسية المصرية من احترام وتقدير فى العالم أجمع، وقد جاءت حفاوة الاستقبال لتؤكد على عمق العلاقات بين البلدين وعلاقة الصداقة القوية التي تربط بين رئيس الوزراء الهندي، وناريندارا مودي والرئيس السيسي.

حفاوة بالغة بالرئيس السيسي، ظهرت واضحة فى الفعاليات واللقاءات التي قام بها الرئيس خلال الزيارة، وسجلتها وسائل الإعلام الهندية المختلفة.

إنها علاقة شراكة قوية انتقلت إلى مرحلة مهمة فى تاريخها، «الشراكة الاستراتيجية» بين البلدين، والتي بنيت على أسس قوية وراسخة مستهدفة مصالح الشعبين فى مواجهة التحديات، والمتغيرات الدولية، وآثار الأحداث العالمية على الأوضاع الاقتصادية.

ففي ظل الأزمات المتلاحقة والتحديات الكبرى.. تظل الشراكات القوية هي أكثر فاعلية فى مواجهة تلك التحديات.

فابتداءً من محاولات تغيير خارطة الشرق الأوسط وآثارها على المنطقة وانهيار الدولة الوطنية فى عدد من الدول وانتشار الإرهاب فى محاولة للانقضاض على دول أخرى، مرورًا بأزمة جائحة كورونا، وانتهاءً بالأزمة الاقتصادية العالمية الحالية والتي جاءت بسبب الحرب الروسية الأوكرانية وضعف سلاسل التوريد، مما أصاب العالم بأكبر أزمة فى قطاع الغذاء.

يظل دائمًا الطريق الصحيح لمواجهة كل ما سبق هو مزيد من التنمية والشراكة من أجل مستقبل أفضل.

(1)

العلاقة بين مصر و الهند علاقة قوية وممتدة ومتطابقة فى العديد من المسارات وضاربة فى عمق التاريخ، ففي الوقت الذي تتمتع فيه مصر بإرث حضاري فى مصر الفرعونية كانت هناك حضارة وادي السند.

كما كان هناك تطابق بين البلدين فى العصر الحديث فى كفاحهما ضد المحتل الإنجليزي. ويقول مهاتما غاندي: «إن ثورة 1919 كانت الملهمة له فى الكفاح ضد المحتل، وقال غاندي عن سعد زغلول: «اقتديت بسعد فى إعداد طبقة بعد طبقة وعن سعد أخذت توحيد العنصرين ولكني لم أنجح كما نجح فيه، إن سعدًا ليس لكم وحدكم ولكنه لنا أجمعين.»

إنها علاقة قوية وراسخة بين الشعبين، وتطورت العلاقات عقب ثورة يوليو 1952 وكانت هناك صداقة قوية بين الرئيس، جمال عبد الناصر، والرئيس الهندي، جواهر لال نهرو.

وتطابقت الرؤى بين الزعيمين فى السياسة الخارجية فكان التوجه نحو حركة عدم الانحياز، وكانت الهند من الدول المساندة لمصر فى مواجهة عدوان 56 وهدد نهرو بالانسحاب من الكومنولث، وأيدت الموقف المصري فى استعادة الأراضي المحتلة عقب عدوان 67؛ وعقب حرب أكتوبر 1973 ووصفت موقف مصر بالشجاع عندما قرر الرئيس السادات الدخول فى عملية السلام.

وفى عام 1995 منحت الهند الرئيس الأسبق حسني مبارك جائزة «جواهر لال نهرو للسلام والتفاهم الدولي».

وحرصت مصر و الهند على تطوير العلاقات بين البلدين فى ظل تطابق الرؤى فى العديد من القضايا، وهو ما ظهر واضحًا عقب لقاء الرئيس السيسي لرئيس الوزراء الهندي وناريندارا مودي، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة أعقبها زيارة الرئيس السيسي للهند فى 2015، ثم زيارة أخرى فى عام 2016؛ وتعد الزيارة الحالية هي الزيارة الثالثة للرئيس السيسي إلى نيودلهي.

بحث الطرفان خلال الزيارة العديد من الملفات والقضايا ذات الاهتمام المشترك بين البلدين وكذلك زيادة حجم التعاون بين البلدين السياسية على المستوى الاقتصادي والسياسي والعسكري والأمني والثقافى للوصول إلى الشراكة الاستراتيجية.

(2)

وقد ارتفع حجم التبادل التجاري بين مصر و الهند بنسبة 20.8% خلال الأشهر العشر الأولى من عام 2022 ليصل إلى 5.2 مليار دولار، وبلغ حجم الاستثمارات الهندية فى مصر 3.2 مليار دولار فى العديد من القطاعات التي يأتي فى مقدمتها البتروكيماويات والمنتجات الغذائية والكربون والسياحة.

وبلغ حجم التجارة بين البلدين خلال العام 2021-2022، نحو 7.26 مليار دولار (بزيادة 75 بالمئة) عن العام 2020-2021.

ومن المستهدف وصول حجم التجارة الثنائية إلى 12 مليار دولار أمريكي فى غضون السنوات الخمس المُقبلة.

كما بلغ حجم الصادرات المصرية إلى الهند خلال العام 2021-2022 حوالي 3.52 مليار دولار (بزيادة 86 بالمئة)، وبلغت حجم واردات مصر من الهند 3.74 مليار دولار (بزيادة 65 بالمئة) خلال العام ذاته.

بلغ عدد الشركات الهندية فى مصر أكثر من 50 شركة (بإجمالي استثمارات 3.15 مليار دولار) تُوفر نحو 35 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة، على رأسها شركة تي سي آي سانمار (بأكبر استثمار بقيمة 1.5 مليار دولار)، تليها الإسكندرية كربون بلاك وكيرلوسكار، ودابر الهند، وفليكس بي فيلمز، ودهانات سكيب، ومجموعة غودريج، ومجموعة ماهيندرا، ومونجيني.

وتبلغ قيمة تحـويلات المصريين العاملين ب الهند 5.82 مليـون دولار خلال العام المالي 2020-2021، وفقًا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

وتعد الهند من الدول المتقدمة فى مجال تكنولوجيا المعلومات والأمن السيبراني، فقد استطاعت أن تقفز قفزات كبرى خلال الفترة الماضية لتأتي فى ترتيب الدول العشر الأولى على مستوى العالم فى قطاع البرمجيات والتكنولوجيا.

وتسعى مصر للاستفادة من ذلك بالتعاون فى قطاع البرمجيات وتكنولوجيا المعلومات فى ظل توافر الفرصة لدى الدولة المصرية بعد قيامها بإنشاء بنية تحتية قوية جاذبة للاستثمارات فى ذلك القطاع بمنطقة محور قناة السويس الذي يعد مدخلًا للسوق الإفريقية والأوروبية والمصرية والعربية.

يوفر ذلك فرصًا واعدة للشركات الهندية الراغبة فى الاستفادة من موقع مصر الاستراتيجي، كمركز للإنتاج وإعادة تصدير المنتجات إلى مختلف دول العالم، التي تربطها بمصر العديد من اتفاقيات التجارة الحرة، لاسيما فى المنطقتين العربية والإفريقية.

كما يوفر ذلك فرصة واعدة لجذب الاستثمارات ونقل التكنولوجيا وتوطينها فى مصر، وهو ما أكد عليه الرئيس السيسي خلال لقائه الموسع برؤساء كبرى الشركات الهندية ورجال الأعمال فى الهند، وذلك بمشاركة وزير التجارة والصناعة بجمهورية الهند بيوش جويال.

كما توفر مصر فرصًا واعدة فى مجالات صناعة الدواء (مدينة الدواء المصرية) فى ظل تقدم الهند فى تلك الصناعة، مما وضع التعاون بين البلدين فى ذلك القطاع كأحد الأولويات، وقد ظهر ذلك خلال جائحة كورونا من تعاون فى إنتاج الدواء واللقاحات.

وبالنسبة لقطاع الصناعات الدفاعية، الذي تعد الهند من أكثر الدول تقدمًا فيه، يوجد برنامج تعاون طموح فى ذلك القطاع بين البلدين، مما يخلق مزيدًا من الفرص الاستثمارية.

وبالنسبة لقطاع الطاقة النظيفة، فمن المتوقع أن يبلغ حجم استثمارات الشركات الهندية فى مجال قطاع الهيدروجين الأخضر المصري 8 مليارات دولار خلال الفترة المقبلة، فى ظل تعاون يمثل نموذجًا فى قطاع الطاقة النظيفة، حيث تم إنشاء محطة بنبان للطاقة الشمسية من أكبر محطات للطاقة المتجددة فى العالم بالتعاون مع الهند.

وتعد الهند من الدول ذات الإنتاج العالي من القمح وقد حرصت على أن تكون ضمن قائمة الدول المصدرة لهذه السلعة الاستراتيجية، وهو ما جعلها سوقًا بديلًا خلال الحرب الروسية الأوكرانية، وقد حرصت مصر على التعاون مع الهند فى ذلك القطاع، لتوفير جزء من الاحتياجات المصرية من القمح.

هذا بالإضافة إلى التعاون فى العديد من المجالات الأخرى، فقد تم توقيع عدد من مذكرات التفاهم والتعاون بين البلدين فى مجالات تكنولوجيا المعلومات، والأمن السيبراني، والشباب والرياضة، والإذاعة، والثقافة، خلال الزيارة الأخيرة.

(3)

لقد جاءت زيارة الرئيس السيسي، التي استمرت ثلاثة أيام خلال الفترة من 24 وحتى 26 يناير الحالي، بمثابة تأسيس لمرحلة جديدة ومتميزة من الشراكة الاستراتيجية، وهو ما شمله البيان المشترك، فى ختام الزيارة. والذي جاء فى 38 نقطة شملت كافة ملفات التعاون المشترك بين البلدين والتشارك فى كافة القضايا والرؤى.

لقد استطاعت الهند خلال فترة العشرين عامًا الأخيرة أن تقفز قفزات نوعية فى مستوى النمو، مما جعلها مؤهلة لتصبح من أقوى الاقتصاديات العالمية خلال السنوات القليلة القادمة.

كما استطاعت ضبط مؤشر النمو السكاني لينخفض من 1.7 خلال الفترة من عام 2000 وحتى 2021 ليصل إلى 0.8 وفق تقديرات الأمم المتحدة، مما أثر بشكل إيجابي على حجم النمو الاقتصادي والتنمية، وهي ما تُعد من التجارب الناجحة فى ضبط النمو السكاني، والذي يُعد أحد التحديات الكبرى لدولة وصل تعداد السكان بها إلى حوالي مليار و400 مليون نسمة.

إن انتقال العلاقات المصرية الهندية إلى مرحلة الشراكة الاستراتيجية سيعزز من حجم التعاون فى المجالات الاقتصادية والسياسية والعسكرية والأمنية خاصة فى مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة والأمن السيبراني.

إن الزيارة التي قام بها الرئيس لنيوديلهي تُعد بمثابة انطلاق لمرحلة شراكة قوية بين البلدين.

مجزرة جنين والصمت الدولي

ما حدث الخميس الماضي من جانب قوات الاحتلال الإسرائيلي فى مخيم جنين، هو بمثابة جريمة حرب جديدة مكتملة الأركان يرتكبها جيش الاحتلال ضد أبناء الشعب الفلسطيني.

تسعة شهداء من الأشقاء الفلسطينيين سقطوا و20 مصابًا، بينهم أكثر من خمسة فى حالة خطرة، وسط صمت من القوى الدولية على تلك الجريمة النكراء ولم نسمع منظمة من منظمات حقوق الإنسان الدولية المتشدقين بالحريات تدين، ولو ببيان، المجزرة التي قام بها الاحتلال الإسرائيلي.

وأكدت الخارجية المصرية أن استمرار مثل تلك الاعتداءات على الأرواح والممتلكات الفلسطينية يزيد من حالة الاحتقان والشعور بالغبن بين أبناء الشعب الفلسطيني، ويقوض من كافة الجهود التي تسعى لإحياء عملية السلام.

كما دعت مصر كافة الأطراف الدولية المحبة للسلام، والأمم المتحدة وأجهزتها المعنية، إلى الاضطلاع بمسئولياتها.

لكن هل تدرك إسرائيل أن ما تفعله لن يزيد شعبنا الفلسطيني إلا صلابة للدفاع عن وطنه؟ فعليها إذن أن تتحمل نتائج ما تقوم به من إرهاب منظم.

وهل يدرك المجتمع الدولي أن صمته لن يزيده إلا قبحًا ونفاقًا، كما سيزيد من كشف ازدواجية معاييره التي يتشدق بها؟!

أضف تعليق

أصحاب مفاتيح الجنة

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2