أكد الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، ضرورة تسليط الضوء على الحضارة الإسلامية و السلوك الحضاري الإسلامي في الوقت الذي يختزل بعض المسلمين الإسلام في بعض المظاهر أو الشعارات.
جاء ذلك خلال كلمته أثناء المشاركة في أعمال المؤتمر الدولي الذي ينظمه المجلس الإسلامي الأعلى بالجزائر في مدينة "وهران" تحت رعاية الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، والذي بدأ فعالياته اليوم السبت وتستمر على مدار ثلاثة أيام، بعنوان "السلوك الحضاري.. وعي، فعل وتعايش".
وأوضح شوقي علام، أن الإسلام هو دين الرحمة وعندما أراد الله - سبحانه وتعالى - أن يصف الحبيب صلى الله عليه وسلم بوصف واحد جامع مانع بأسلوب الحصر والقصر قال فيه (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) ومن أسمائه صلى الله عليه وسلم أنه نبي الرحمة ونبي المرحمة.
وقال إنه إذا كانت الحضارة مشتقة لغويا من الحضر ومن الحضور الذي هو ضد الانعزال، فإنها تعني في حقيقتها: مجموع ما تقدمه الأمم الحضارية من قيم وأخلاق وثقافات وعلوم تجريبية وإنسانية، مشيرا إلى أنه من مجموع حضارات الأمم والشعوب عبر التاريخ تنجلي معالم الحضارة الإنسانية بشكل عام بما اشتملت عليه من خير أو شر.
وأضاف أن " الحضارة الإسلامية عبر التاريخ تميزت بالإسهامات العلمية الهامة التي أشادت واعترفت بها جميع الأمم والشعوب، بيد أننا لابد أن ندرك أن أهم ما قدمته الحضارة الإسلامية للإنسانية هو القيم والأخلاق السامية النابعة من القرآن الكريم ومن أخلاق وسلوك النبي صلى الله عليه وسلم، وصدق صلى الله عليه وسلم إذ يقول : «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ» رواه عبد الرزاق في مصنفه.
وقال صلى الله عليه وسلم «إِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ، وَلمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ» رواه أحمد في مسنده وحينما طلب منه أن يدعو على المشركين الذين آذوه وهو وأصحابه صلى الله عليه وسلم قال : «إنما بُعثت رحمةً ولم أبعث عذابًا» رواه البيهقي في شعب الإيمان".
وأشار مفتي الجمهورية إلى أن بعض الناس يستهينوا بضرورة وجود القيم والأخلاق والسلوك بالنسبة إلى الحضارة ويعطوها أهمية تالية على المنتج الحضاري العلمي والمادي، ويتساءل:" ما أهمية القيم والأخلاق والسلوك من الرحمة والعدل والصدق والأمانة والتعاون، في عالم التقدم التقني والمادي، وفي عالم تتسابق فيه الدول والشعوب لتحقيق أكبر قدر من هذه المنجزات المادية التي تخدم الإنسانية في كافة المجالات".
وتابع قائلا إن الحضارة الإنسانية إذا تجردت عن السلوك القويم والقيم الأخلاقية وحصرت مقاصدها وغاياتها في المنتج المادي فقط، فإنها مهما اتسمت بالبريق واللمعان الخارجي الذي يخطف العقول والأبصار قد تصبح -بلا ريب- وبالا على أصحابها وعلى البشرية جميعا إذا ما تجردت عن القيم والأخلاق.
وأضاف أن "كل حضارة تتجرد من القيم الروحية والأخلاقية وإن بدت في الظاهر قوية براقة إلا أنها تحمل عوامل هدمها وانهيارها وتآكلها في داخلها ومن ذاتها، وهو ما أشار إليه المفكر الألماني أرنولد شبينجلر في كتابه (انهيار الحضارة الغربية)".
وأضاف أن الشريعة الإسلامية في جميع أحكامها الجزئية ومقاصدها الكلية العليا، تقر بالمحافظة على الدين والنفس والمال والنسل والعرض، وهو ما يسهم في استمرار البناء الحضاري المبني على القيم والأخلاق.
وقال إن الحضارة الإسلامية - وإن توارت بعض الشىء بالمعنى المادي - فإن الأساس القيمي والخلقي الذي قامت عليه نا زال باقيا إلى اليوم، ويصلح لإعادة بناء الحضارة عليه وبعثها حية نابضة من جديد، وأنه إذا أردنا أن نحيي الحضارة فلنحيي أولا في شعوبنا القيم الروحية والأخلاق المحمدية والنموذج المعرفي الإسلامي الذي يجعل نفع الإنسان وصلاحه غاية الحضارة والبناء".
وفي ختام كلمته، أعرب الدكتور شوقي علام عن أمله في أن يسهم هذا المؤتمر في التأسيس لنظرية شاملة عامة في السلوك الحضاري الإسلامي تصلح للتطبيق على أرض الواقع كي تصبح الأمة الإسلامية بقيمها وأخلاقها شريكا حضاريا إنسانيا نافعا.