ورد سؤال إلى دار الإفتاء يقول: هل القصاص يسقط عقوبة القتل في الآخرة؟ وهل يُسقط القِصاصُ فى الدنيا عقوبةَ القتل فى الآخرة ولو دون توبة؟،
أكدت دار الإفتاء أن القصاصُ لا يُسقط عقوبةَ الآخرة إلا إذا تاب القاتلُ إلى الله توبةً نصوحًا؛ قال تعالى: ﴿وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ مَتَابًا﴾ [الفرقان: 71].
قالت الإفتاء إن القتل العمد من أكبر الكبائر، وقد قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾ [النساء: 93]، فإن قتل القاتل عمدًا واقتُصَّ منه أو عُفي عنه من أولياء المقتول فلا يعاقب في الآخرة عن هذا القتل في حق المقتول، لكن إن لم يتب توبةً صحيحة بقي حقُّ الله تعالى يحاسب عليه في الآخرة.
وتابعت: فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن للقاتل عمدًا ظلمًا توبةً كسائر أصحاب الكبائر؛ للنصوصِ الخاصة الواردة في ذلك، والنصوصِ العامة الواردة في قبول توبة كل الناس؛ من ذلك قول الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا • يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا • إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا • وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ مَتَابًا﴾ [الفرقان: 68- 71]، ولأن توبة الكافر بدخوله إلى الإسلام تقبل بالإجماع، فتوبة القاتل أولى.
واستدلت الإفتاء بما قاله الحافظ ابن حجر في "تحفة المحتاج في شرح المنهاج" (8/ 375): [وَأَكْبَرُ الْكَبَائِرِ بَعْدَ الْكُفْرِ الْقَتْلُ ظُلْمًا، وَبِالْقَوَدِ أَوْ الْعَفْوِ لَا تَبْقَى مُطَالَبَةٌ أُخْرَوِيَّةٌ، وَمَا أَفْهَمَهُ بَعْضُ الْعِبَارَاتِ مِنْ بَقَائِهَا مَحْمُولٌ عَلَى بَقَاءِ حَقِّ اللهِ تَعَالَى؛ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ إلَّا بِتَوْبَةٍ صَحِيحَةٍ، وَمُجَرَّدُ التَّمْكِينِ مِنْ الْقَوَدِ لَا يُفِيدُ إلَّا إن انْضَمَّ إلَيْهِ نَدَمٌ مِنْ حَيْثُ الْمَعْصِيَةُ وَعَزمٌ أَن لا عَوْدَ] اهـ.