من النساء التي ذكرها الله في القرآن الكريم، كما أنها المرأة الوحيدة التي أوحى إليها الله من فوق سبع سماوات، نحاول في هذا التقرير تسليط الضوء على قصة أم موسى التي أوحى الله إليها.
وُلِدَت أم موسى ، وعاشت في مصر، كانت كريمة الأصل، عريقة المنبت، مؤمنة صالحة، تزوَّجت عمران بن قاهت بن لاوي بن سيدنا يعقوب -عليه السلام-.
ولم يذكر القرآن اسم أم سيدنا موسى عليه السلام صراحةً، ولم يَرد كذلك في السنة النبوية المطهَّرة، وقد اختلف العلماء في تحديد اسمها، فقيل: محيانة بنت يصهر بن لاوي، وقيل: يوخابذ بنت لاوي بن يعقوب، وقيل: يارخا، وقيل: يارخت، وقيل غير ذلك.
وأخت سيدنا موسى -عليه السلام -هي مريم بنت عمران، وافق اسمها اسم السيدة مريم أم عيسى -عليه السلام -وقيل: إن اسمها كلثمة، وقيل: كلثوم.
قال الدكتور محمد علي، الداعية الإسلامي، إن الله عز وجل كان يهتم بالأم، وهذا واضح في قوله تعالى "وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ ۖ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ۖ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ"، لافتًا إلى أن الله ذكر في هذه الآية أمرين ونهيين وبشارتين، أما الأمرين فهما: "أرضعيه، وألقيه"، وأما النهيين فهما: "ولا تخافي ولا تخزني"، والهدف من هذا النهي من الله هو طمأنة الأم، لأن الله عز وجل يعلم مكان الأبن لدى الأم، أما البشارتين فتتمثل في قوله تعالى: "إنا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ".
وتابع "علي"، أن قوله تعالى: "وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا" نزل في سعد بن أبي وقاص وأمه.
وأوضح أن أم سعد بن أبي وقاص كانت مشركة، فجاءت لسعد، وقالت له: "علمت أن إلهاك وصاك بي، وأنا أمك وأأمرك أن تترك دين محمد صلى الله عليه وسلم"، وحلفت ألا تكلمه وألا تأكل ولا تشرب، ومكثت 3 أيام، فأغشي عليها، فجاء عمارة شقيق سعد فأطعمها، فعندما استفاقت دعت على سعد بن أبي وقاص، لأنه لم يستجب لكلامها.
وتُعد قصة سيدنا موسى -عليه السلام- من أكثر قصص القرآن ذِكْرًا، فقد ذُكِرَت بجميع حوادثها وتفصيلاتها منذ مولده، بل قبل مولده.
وورد ذكر أم سيدنا موسى عليه السلام وأخته في موضعين في القرآن الكريم، الأول في سورة طه، وهو قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى * إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى * أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي * إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى﴾ [طه: 37 - 40]
والثاني في سورة القصص وهو قوله تعالى: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ * فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ * وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ * فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [القصص: 7 - 13]
وذكرت هذه الآيات الإيحاء إلى أم سيدنا موسى -عليه السلام- بإرضاعه وإلقائه في اليم وذلك لما خافت عليه من فرعون وجنوده أن يقتلوه؛ لأنهم كانوا يقتلون أطفال بني إسرائيل بسبب رؤيا رآها وفسرها له المفسرون بأن هلاكه سيكون على يد طفل من بني إسرائيل.