يعمل القادة العسكريون فى الولايات المتحدة على تطوير وسائل لرصد ومراقبة واستهداف الخصوم وضربهم من مسافات أبعد بنوعيات فائقة الدقة من العتاد والتسليح.
يأتى ذلك فى ظل تحول دفة اهتمام الجيش الأمريكى ليصبح أكثر تركيزاً على منطقة المحيطين الهندى والهادى الإندو-باسيفيك، وهو ما تصفه الدوائر الاستراتيجية بـ"الالتفاتة أو التحول".
وللتوصل إلى نتائج عملية فى هذا المضمار، شرعت وحدات الجيش فى تكثيف عمليات التحديث لتقنيات "الاستشعار العميق"، على حد وصف مسؤولين عسكريين أمريكيين بارزين، من بينهم وزيرة الجيش كريستين وورموث، وقائد الأركان الجنرال جيمس ماكونفيل.
وأثناء مشاركتها فى مؤتمر "ماكاليز أند أسوشييتس" المتخصص فى برامج الدفاع، وصفت وزيرة الجيش وورموث "الاستشعار العميق"، بأنه "عائلة" قيد التطوير من أدوات متخصصة لرصد المواقع تتضمن "نظم طبقة الأرض" TLS، التى تزود الجنود بالمساعدة الفنية القتالية السيبرانية والإلكترونية؛ و"منظومة الفحص والاستغلال عالية الدقة" HADES، وهى طائرات رصد ومسح واستطلاع مجهزة بمستشعرات متقدمة؛ علاوة على "نقطة الاتصال للاستهداف التكتيكى الاستخباراتى" TITAN، والتى تعنى تركيز وتسريع عمليات جمع البيانات وتحليلها وتوزيعها.
ونقلت مجلة "ديفينس نيوز" عن وزيرة الجيش الأمريكية قولها "أول حتمية عملياتية بالنسبة للجيش فى 2030 تتمثل حقيقة فى أن يكون قادراً على الاستشعار بقدرات تفوق أعدائنا على جميع المستويات فى أرجاء ميادين المعارك.. لذا كيف سنقدر على ذلك؟ يتعين علينا أن نكون قادرين على جمع وتحليل كميات غير مسبوقة من البيانات من مصادر عديدة ومختلفة".
وتشير المجلة المعنية بالشؤون العسكرية إلى أن وثائق موازنة الجيش الأمريكى للعام المالى 2024 سلطت الضوء على الاستشعار باعتباره أمراً ضرورياً لمواجهة تحديات "منطقة الإندو- باسيفيك"، التى تضم بعض أضخم جيوش العالم، وثلثى الاقتصاد العالمى.
وكشفت الموازنة أيضاً عن خطط لإنفاق 191 مليون دولار على "منظومة الفحص والاستغلال عالى الدقة" HADES، و143 مليون دولار على "نقطة الاتصال للاستهداف التكتيكى الاستخباراتى" TITAN.
وفى عام 2022، كلف الجيش الأمريكى شركتى "لوكهيد مارتين" و"جنرال ديناميكس" لنظم العمليات، للعمل على نوعيات مختلفة من "نظم طبقة الأرض" TLS، إضافة إلى تكليف شركتى "إل 3 هاريس تكنولوجيس"، و"رايثون لتقنيات الإشارات التطبيقية" للعمل على تطوير نظم مستشعرات HADES.. وفى العام السابق عليه، تحول إلى شركتى "بلانتير" و"رايثون" لتعزيز نظم TITAN التكتيكية الاستخباراتية.
واستطردت وزيرة الجيش الأمريكى فى حديثها أمام المؤتمر، الذى يعقد سنوياً فى واشنطن دى سى ويحضره نخبة من كبار العسكريين والخبراء الأمريكيين لمناقشة برامج الدفاع، مؤكدة أنه "من أجل تطوير قدراتنا للاستشعار العميق، استثمرنا فى تقنيات الاستشعار، وتحليل البيانات، ومعينات تحديد الأهداف ورصدها.. وقد تضمن المقترح الأخير لموازنة الجيش ارتفاعاً قدره 185.5 مليار دولار، وهو ما يزيد بحوالى 5 فى المائة عن المقترح السابق عليه".
وبعيداً عن مجرد الحملات الحربية الأقل حجماً لمكافحة العنف، وبينما تتهيأ الولايات المتحدة لصراع محتمل مع الصين وروسيا، يشدد مسؤولو الدفاع على أهمية المراقبة والرصد والاستطلاع من مسافات بعيدة المدى علاوة على سرعة اتخاذ القرار.
وتقول المجلة إن تلك العقيدة الأمريكية يمكن تجسيدها بجلاء من خلال برنامج البنتاجون المعروف بـ"مبادرة القيادة والسيطرة لجميع الجبهات"، أو ما يعرف اختصاراً بـJADC2، التى تهتم بارتباط الجيش وتلاحمه، عبر تدفقات معلوماتية مُؤَمنَّة تنتقل من وإلى القوات البرية، والجوية، والبحرية، والفضائية، والسيبرانية.
وفى ضوء مبادرة JADC2، فإن كل سلاح داخل الجيش الأمريكى لديه إسهاماته الخاصة فيها.. ولدى الجيش الأمريكى "مشروع تلاحم"، وهو تدريب يمتد لأسابيع ويعمل كبوتقة يتم خلالها تجريب تكنولوجيات وتكتيكات الشبكات فى ظل بيئات وسيناريوهات واقعية.. وقد شهد عام 2022، تجربة لتدريبات مماثلة فى سلاح الجو والبحرية علاوة على مشاركة قوات من المملكة المتحدة وأستراليا وكندا ونيوزيلندا كعناصر مراقبة للتدريبات.
من جانبه، قال رئيس أركان الجيش الأمريكى، الجنرال ماكونفيل، "لقد أصبح لدينا فعلياً حزمة قدرات استخبارات ومراقبة واستطلاع ISR، التى يمكن لنا ربطها سوياً.. بعضها يمكن استخدامه على مستوى مشترك، وبعضها يخصنا نحن.. وهنا يبرز المغزى الحقيقى من التلاحم وحدوده".
ورأى الجنرال ماكونفيل أن "الخلطة السرية الفعلية"، تتمثل فى القدرة على تنسيق المعلومات المتاحة، والاستفادة منها، وتمريرها "إلى المُصوِّب المناسب، أو الآلية الفعالة"، وبذلك فإن القوات التى أُحسن تموضعها فى الجبهات يكون بوسعها السيطرة على لوحة الأوامر، وأجهزة التشويش، والبنادق، أو ما هو أكثر من ذلك.
ويختتم رئيس أركان الجيش الأمريكى حديثه أمام المؤتمر قائلاً "إذا كان علينا القيام بتوجيه نيران موجهة بعيدة المدى عالية الدقة، فإنك بحاجة إلى التعرف على الأهداف بدقة من مسافات بعيدة، ولكى نحقق ذلك، يتعين أن يكون لديك قدرات الاستشعار العميق".