عقدت ندوة دينية بعنوان "خصائص الأشهر الحرم"، حاضر فيها الدكتور صفوت محمد عمارة، من علماء الأزهر الشريف، مؤكدا أنَّ اللَّه عزَّ وجلَّ ذكر الأشهر الحرم الأربعة (رجب، وذُو القعدة، وذُو الحجة، والمحرم)، إجمالًا في القرآن الكريم.
قال تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِى كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} {التوبة:36}، وورد تعيينها في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي بكرة نفيع بن الحارث رضي اللَّه عنه، عن النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال: «إنّ الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق اللَّه السماوات والأرض: السنة اثنا عشر شهرًا، منها أربعةٌ حُرم: ثلاثٌ مُتوالياتٌ: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، و رجب مضر الذى بين جمادى وشعبان» [متفقٌ عليه].
وتابع «عمارة»، أنّ اللَّه فضَّل الأشهر الحُرم عن غيرها من شهور العام، وجعل لعباده في هذه الأزمنة الفاضلة نفحات، وهذه النفحات تأتينا نفحة بعد نفحة، ولقد حثنا النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم، على اغتنام هذه النفحات فى مواسم الطاعات حيث قال:- «افعلوا الخير دهركم، وتعرضوا لنفحات رحمة اللَّه، فإن للَّه نفحات من رحمته، يصيب بها من يشاء من عباده، وسلوا اللَّه أن يستر عوراتكم، وأن يؤمن روعاتكم» {أخرجه الطبرانى} أي: افعلوا الخير فى عمركم، وتعرضوا لنفحات رحمة اللَّه فى مواسم الخيرات وأزمنة البركات التى يصيب اللَّه بها من يشاء من عباده.
وأضاف الدكتور صفوت عمارة، أنَّ اللَّه جعل الطاعات والعمل الصالح في الأشهر الحُرم أفضل ثوابًا وأعظم أجرًا، كما جعل الظلم فيها أشد إثمًا وأعظم وزرًا عما سواها من الشهور، وذلك بسبب شرف الزمان الذي حرمه اللَّه، فقال تعالى: {فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ}، فسرها ابن عباس رضي اللَّه عنهما فقال: أي في الشهور كلها، ثم اختص من ذلك أربعة أشهر فجعلهن حرامًا، وعظم حرماتهن، وجعل الذنب فيهن أعظم، والعمل الصالح والأجر أعظم [تفسير ابن كثير]، وقال القرطبي في تفسيره: "لا تظلموا فيهن أنفسكم بارتكاب الذنوب، لأن اللَّه سبحانه إذا عظّم شيئًا من جهة واحدة، صارت له حرمة واحدة، وإذا عظمه من جهتين أو عدة جهات، صارت حرمته متعددة، فيضاعف فيه العقاب".
وأشار صفوت عمارة إلى أنَّ الأشهر الأربعة الحُرم استمدت تسميتها وحرمتها حتى قبل الإسلام حيث كانت العرب في الجاهلية تحرم القتال في هذه الأشهر الأربعة، فكانت هذه الأشهر معظمة فى شريعة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، واستمر ذلك التعظيم عند العرب حتى جاء الإسلام فأقره، وسبب تحريمهم لذي القعدة وذي الحجة والمحرم هو تأمين أداء شعيرة الحج، فكانوا يحرمون قبله شهرًا ليتمكنوا من السير إلى الحج، ويسمونه القعدة لقعودهم عن القتال فيه، ثم يحرمون ذا الحجة وفيه أداءُ مناسكهم وأسواقهم، ثم يحرمون بعده شهرًا ليعودوا إلى ديارهم، وحرموا القتال في شهر رجب وسط العام لأجل زيارة البيت والإعمار، حتي يأمن قاصدُ البيت الغارة فيه، وقال ابن كثيرٍ في تفسيره: "كان الرجلُ يلقى قاتل أبيه فى الأشهُر الحُرم فلا يمُدُّ إليه يده"، إلا إذا بادر أحد في الإعتداء على أحد فحينئذ يسوغ له مقاتلته دفاعًا عن النفس ودرء للضرر اللاحق به.