تمثل قضية الزيادة السكانية أزمة حقيقية للدولة؛ لأنها تزيد من حجم الإنفاق وترفع من الأعباء، كما تؤثر على فرص التنمية وتعطل مسارات كثيرة وأهداف تسعى الحكومة إلى تحقيقها.
ونتيجة لما يترتب على القضية السكانية من أضرار وأثار سلبية على خطط الدولة التنموية خاصة في ظل الزيادة المفرطة في معدلات الإنجاب، كانت محل اهتمام الحوار الوطني المصري، حيث تم طرحها ضمن قضايا (موضوعات) المحور المجتمعي، أحد محاور الحوار الثلاثة.
وقد خصص للقضية السكانية جلستان في الأسبوع الثاني من مناقشات قضايا المحور المجتمعي، عقدا الخميس 25 مايو 2023، وتم خلالهما مناقشة هذه القضية وتقديم العديد من المقترحات لحلها من جانب الحضور.
من جانبها قالت النائبة أميرة العادلي، عضو مجلس النواب عن تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، إن القضية السكانية إحدى التحديات الكبيرة والمعوقات التي تواجه الدولة المصرية، فمعدل الزيادة السكانية بلغ في الفترة من 1980 إلى 2020، حوالي 59 مليون شخص وهو رقم ضخم جدًا يجب التوقف عنده وتحليله، سواء على مستوى خطط الدولة لضبط النمو السكاني أو على مستوى الأداء الإعلامي والوعي أو الموروث الثقافي والديني.
وأضافت "العادلي" - خلال كلمتها في جلسة لجنة القضية السكانية بالمحور المجتمعي، في الحوار الوطني لمناقشة قضية "تشخيص الحالة السكانية في مصر وتحسين الخصائص السكانية"، أن استمرار معدلات الإنجاب بهذا الحجم يمثل قنبلة موقوتة تمتد آثارها لأجيال كثيرة قادمة، مشيرة إلى أن الاستمرار في الزيادة السكانية لن يعرقل التنمية فقط بل سيأكل الأخضر واليابس.
وأوضحت أنه بالفعل هناك تجارب دولية نجحت في حل هذه القضية فلم يعد الأمر اختياريا للدولة والمواطن، بل لزم أن يكون إجباري ومن هذه الدول (تركيا، وتونس، وإيران، وبنجلادش، وإندونيسيا)، وذلك على سبيل المثال لا الحصر، وهذه الدول نجحت حين وضعت قوانين صارمة وحوافز سواء إيجابية أو سلبية، وخطط وإطار مؤسسي.
وأشارت "العادلي"، إلى أنه انطلاقا من الدستور في المادة (٤١) والتي تلزم الدولة بعمل برنامج سكاني يهدف إلى تحقيق التوازن بين معدلات النمو السكاني والموارد المتاحة، فإنها توصي بضرورة وجود تشريع لضبط النمو السكاني بما يتناسب مع موارد الدولة.
ودعت إلى ضرورة إيجاد حوافز إيجابية وسلبية، مشيرة إلى أن الحوافز الإيجابية يمكن أن تكون كخفض الوعاء الضريبي للأسرة المكونة من طفلين، والحصول على قروض ميسرة، ومنح تعليمية، وغيرها من المزايا، بينما الحوافز السلبية من الممكن أن تكون عبارة عن زيادة رسوم الولادة بعد الطفل الثاني، أو الخروج من الدعم وغيرها من الإجراءات، وهناك العديد من التجارب الدولية التي نفذت تلك الحوافز ونجحت.
وأوصت عضو مجلس النواب عن التنسيقية، برفع سن الزواج إلى 21 سنة وتجريم وحظر زواج الأطفال، مؤكدة أن رفع سن الزواج سيكون له تأثير إيجابي وفوري في تقليل الزيادة السكانية، كما دعت إلى تمكين المرأة اقتصاديا.
وطالبت بإدخال ثقافة السكان والصحة الإنجابية في المناهج الدراسية للمدارس والجامعات، مطالبة تضمين السياسات والبرامج السكانية ضمن خطط التنمية المستدامة وتوفير التمويل اللازم لها.
كما أوصت بضرورة تجديد الخطاب الديني فيما يخص تنظيم الأسرة وسن الزواج، كما دعت إلى إعداد المقبلين على الزواج وتعريفهم بأهمية الأسرة الصغيرة والآثار الصحية والنفسية والاجتماعية لعدم تنظيم الأسرة وكثرة الإنجاب.
كما أوصت النائبة أميرة العادلي بإلزام ولي الأمر بحصول الأطفال على التعليم الأساسي والقضاء على التسرب من التعليم، داعية إلى وجود مؤشر لقياس الأداء وأثر السياسات السكانية لمتابعتها وتقييمها، ودعت إلى تضافر الجهود بين مؤسسات الدولة المعنية والمجتمع المدني على مستوى حملات التوعية أو تقديم الدعم المادي والمعنوي.
ووفقا لأحدث تقارير للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء وصل عدد سكان مصر فى نهاية مارس الماضي 104 ملايين و750 ألف نسمة، بزيادة قدرها 750 ألف نسمة خلال 180 يوما منذ أكتوبر من العام الماضي.
وتُشير الدراسات إلى أنه بحلول عام 2050 من المتوقع أن يصل عدد سكان مصر إلى 153.4 مليون نسمة، ثم يتوالى الارتفاع ليصل عدد السكان بنهاية القرن الحادي والعشرين إلى 198.7 مليون نسمة أو ما يعادل أكثر من ضعف سكان مصر عام 2015.
وساهم ارتفاع معدلات البقاء على قيد الحياة فى تفاقم مشكلة السكان، حيث إن توقع البقاء على قيد الحياة وصل إلى 75.9 للإناث و73.4 للذكور عام 2020 مقابل 73.3 للإناث و70.5 للذكور عام 2016، فى حين كان 71.7 للإناث و69.0 للذكور عام 2012.
ومن جانبها قالت شيماء الأشقر، عضو تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، إن الإعلام يجب أن يلعب دورًا كبيرًا وفعالاً في توصيل الرسائل المتعلقة بالتوعية بخطورة قضية الزيادة السكانية، مضيفة أنّ الحوار الوطني يناقش تضافر جهود الدولة ومؤسسات المجتمع المدني من أجل التعامل مع هذه القضية، وإذا حدث هذا الأمر يجرى التواصل بشكل صحيح مع المواطنين لمنحهم التوعية.
وأضافت "الأشقر" أن سن الزواج يجب أن يكون من 21 عاما وليس 18، ويجب أن يقنن على ذلك السن، موضحة أن 21 عاما مناسب أكثر من 18، لأن الأخير "صغير"، حيث في هذا السن تكون الفتاة أصبحت أنضج وتكونت لديها شخصية مسؤولة، وكذلك تكون على درجة أعلى من الإدراك، وتكون على درجة أعلى من الفهم.
وتابعت أنه عندما تتزوج الفتاة في سن 18 عاما، تنجب أطفالاً وهي مازالت في سن صغير، كما تنجب أطفالاً أكثر، مضيفة: "نحرص على توعية المرأة اقتصادياً، لأنه ثبت أن المرأة العاملة هي الأقل إنجابا للأطفال والأكثر وعيا وتربية للأطفال بالتربية الصحيحة، كما أن البطالة تزيد من معدلات الإنجاب، ففي المناطق النائية والريفية هم الأكثر إنجابا والأقل وعيا، حيث يعتمدون على الأطفال كمصدر رزق لهم".
واختتمت: "الأشقر"، قائلة إن: الأمر يعتمد على التوعية بالطريقة الصحيحة، الحملات يجب أن تستهدف الوجه القبلي وتحديدا المناطق الريفية والنائية، لأن فيها أكثر الكثافات السكانية.