أفكر دوما في الأسباب التي تمنعنا من إنتاج أفلام، مثل أفلام ديزني المرحة الخفيفة: فيها أفكار بسيطة، وخيال كبير، وتصلح لكي يشاهدها الأطفال، وفيها عناية خاصة بالإبهار، ويقوم ببطولتها نجوم معروفون.
ربما يكون سبب ندرة هذه المحاولات طبيعة السينما المصرية، التي تلعب عادة في المضمون، والتي لا تغامر إلا قليلا، بعيدا عن السائد والمألوف، مع أنني متأكد أن نجاح فيلم واحد من تلك المحاولات، سيفتح المجال أمام إنتاج المزيد منها، وسيشجع نجوما كثيرين على القيام ببطولة هذه الأفلام، بل وربما يفتح المجال لظهور أفلام كارتون روائية طويلة ناجحة، مثلما نشاهد في أعمال ديزني الشهيرة.
لا بد بعد هذه المقدمة أن أسجّل تقديرى لهذه المحاولة الجديدة لعمل فيلم مختلف جدا، فيه الكثير من الخيال والطموح، وفيه حلم يقترب من عالم ديزني، وأعنى بذلك فيلم عيد الفطر "مغامرات كوكو"، من تأليف وإخراج إسماعيل فاروق، وسيناريو وحوار إيهاب ناصر، ومن بطولة بيومى فؤاد و شيرين رضا وخالد الصاوى وأوس أوس، ومن إنتاج عمرو طنطاوي.
هناك ملاحظات بالتأكيد سأذكرها حالا، ولكن أن تقوم مجموعة من الفنانين ببطولة فيلم مكرّس للدفاع عن الحيوانات، وأن يكون ذلك من خلال فكرة فانتازية مرحة وجيدة، تجعل طبيبا بيطريا قادرا على الكلام مع تلك الحيوانات، وفهم معاناتهم، وعلاج أمراضهم، ثم وضع الفكرة فى إطار مبهج ومسلي، وفيه عناصر بصرية جميلة، كل ذلك يجعلنى متحمسا وداعما للتجربة وللمحاولة، دون إغفال العيوب والمشكلات.
حكايتنا تشبه أيضا قصص الكوميكس، سواء من خلال رسم شخصيات كارتونية ظريفة، أو عن طريق الملابس الملونة المبهجة، أو من حيث الجو العام الذى حققه المخرج إسماعيل فاروق، فمحور الأحداث هو الطبيب البيطرى كوكو (بيومى فؤاد)، الذى يحب الحيوانات ويعالجها بضمير وذمة، بينما تكرس زوجته ماجى (شيرين رضا) تجاربها المعملية فى المنزل، لإنتاج حقنة تعالج الحيوانات من كل الأمراض، بينما يقوم المساعد باسم (أوس أوس)، بمعاونتهما بكثير من الغباء، والحماقة، وسوء التصرف.
فى المقابل، يبدو الطبيب البيطرى فوزى (خالد الصاوي) شخصية انتهازية، تتربج من المهنة بكل الطرق غير المشروعة، ولا مانع لديه من الكذب والغش، ويتعاون فى ذلك مع طبيب آخر هو عزيز (إيهاب فهمي)، الذى يدير علاقات مشبوهة مع شركات إطعام الحيوانات.
تتحدد معالم الصراع بين الطرفين، عندما يشتهر دكتور كوكو، يقبل عليه الزبائن، فقد حقنه باسم بالخطأ باختراع لماجي، مما جعل كوكو قادرا على فهم الحيوانات، والحديث معها، ففهم طبيعة أمراضها، وصار من المألوف أن يتحاور مع أرنبة أو ببغاء أو كلب، دون أن يمتلك الآخرون تلك القدرة، وسيحاول فوزى وعزيز وفريقهما البحث عن سر نجاح كوكو، ثم محاولة الحصول على الحقنة، التى تجعل الطبيب قادرا على فهم الحيوانات ومخاطبتهم.
فكرة ذهبية لامعة جدا، قدم الفيلم من خلالها مشاهد مرحة وظريفة، بل وفطن إسماعيل فاروق إلى مغزاها بأن يلفت أنظار الناس إلى أن الحيوانات تمتلك لغة وأحاسيس، وينقصها فقط التعبير عنها، وعلينا فى كل الأحوال أن نكتشف لغة للتواصل، وللحوار، ولتفهم تلك الكائنات الجميلة.
ولكن الفكرة الذهبية لم تتطور، ولم تنتقل المعالجة إلى نقطة أبعد من هذا الصراع للحصول على الحقنة، بل وأغرت المواقف المرحة السيناريو بأن ينتقل مع الطبيب كوكو ومساعده باسم إلى جنوب إفريقيا والسعودية ولبنان، فيما يشبه الإسكتشات، وأخذنا ندور ونلف فى إطار معركة محدودة، حتى ظهر خط جيد يمثل تنويعة على ضرورة التفاهم والإحساس بالآخر، ذلك أن الطبيب كوكو يعانى من انشغال زوجته العالمة، وعدم إحساسها بمشاعره، فتسوء بينهما العلاقة، إنه لا يفهمها، ولا تفهمه، بينما يفهم الحيوانات، ويتحاور معها، والمعنى أن الحكاية صارت عن الإحساس بالآخر عموما، وليست عن الإحساس بالحيوان فقط.
من الملاحظات الواضحة ذلك التشوش بين حقنة فهم الحيوانات والحديث معها، وحقنة علاج كل أمراض الحيوانات، مما أحدث بعض الارتباك، ثم الملاحظة الأهم فى عدم تحديد الجمهور الذى يخاطبه الفيلم، فالحبكة والخيال والعلاقة بالحيوانات مناسبة جدا للأطفال الصغار، ولكن بعض الإيفيهات والمشاهد فيها إيحاءات لا تناسب الأطفال الصغار، وتأخذ العمل الى تصنيف آخر، وهذا الإرتباك واضح جدا وملحوظ أيضا فى تجارب وأفلام سابقة، هدفها صناعة عمل يخاطب الطفل، ولكنه يبدو فى النهاية فى بعض مشاهده فى منطقة ملتبسة، تحتاج الى وعى أكبر من المرحلة السنية التى يخاطبها.
ولكنى كنت سعيدا على وجه العموم بمواقف كثيرة بمرحة، وسعدت أكثر بضحكات طفلة صغيرة، كانت بجانبى مع والديها، فقد انبهرت بالكلاب والحمير وبالسلحفاة وبالطاوويس وهى تتكلم، وكانت مندهشة من جمال الألوان، ومن بهجة أغنية ظريفة جدا يؤديها بيومى وشيرين و أوس أوس فى الفيلم، وكلها إشارات مهمة تؤكد تعطش أطفالنا لمثل هذه النوعية من الأعمال المختلفة.
بالإضافة الى دور إسماعيل فاروق كاتبا للقصة ومخرجا لها، فإن بيومى و أوس أوس كانا مميزين، بينما كانت شيرين وخالد الصاوى أقل فى الأداء، فالأولى بالغت كثيرا فى الصراخ، والثانى لديه مشكلة حقيقية فى الإلقاء ووضوح الحروف، بسبب السمنة غالبا، لأن خالد ممثل مسرحى مميز بالأساس، ولم تكن مخارج ألفاظه متعثرة على هذا النحو، سوى بعد زيادة وزنه اللافتة، ولكنه يستحق التحية على قبوله المشاركة فى العمل، بشخصية كاريكاتورية ظريفة، ولا أنسى حضور الممثل أوتاكا المرح فى مشهدين فقط، ولكنهما من أظرف مشاهد الفيلم، ولا تفوتنى كذلك الأصوات المعبّرة والمميزة لممثلين معروفين قاموا بأداء أصوات الحيوانات مثل علاء مرسى وعبد الله مشرف وسامى مغاوري.
أتوقف أيضا عند أبطال حقيقيين يقفون وراء الكاميرا، وهؤلاء لهم فضل كبير فى ثراء الصورة، وفى الجو العام الحافل بالخفة، وأعنى بذلك دور مهندس الديكور محمد المعتصم، وستايلست الفيلم مايا البياضي، ومؤلف الموسيقى التصويرية المميزة مودى كامل.
هذه الأسماء مواهب حقيقية أثرت الفيلم، وأكدت لى من جديد أن لدينا من يستطيع تقديم أعمال جيدة ومنافسة للأطفال، لو توفرت الإمكانيات، وجسارة المغامرة والإبتكار، وحرية الخيال، وحماس ودعم النجوم والنجمات للتجارب الجديدة. ساعتها فقط ستكون لدينا أفلام مثل ديزنى ولكن على الطريقة المصري.