«أكتوبر» تكتب نهاية عصر الرأسمالية

«أكتوبر» تكتب نهاية عصر الرأسماليةحرب اكتوبر

قرار «أوبك» بعد الحرب عصف باقتصادات أمريكا وأوروبا

أدت التداعيات الاقتصادية لحرب السادس من أكتوبر 1973 لتغيير فى مسارات الاقتصاد العالمي، وكشفت دراسات علمية حديثة أجرتها جامعات عالمية ومراكز بحثية دولية أن هذه التداعيات تسببت في موجات تضخم شديدة، عصفت باقتصاديات الولايات المتحدة، ودول أوروبا الغربية لسنوات، وامتدت تأثيراتها لغالبية دول العالم، نتيجة للأزمات الاقتصادية الخانقة التى أوجدها قرار منظمة «أوبك»، بحظر تصدير النفط إلى الولايات المتحدة، وحلفائها الغربيين والدول الداعمة لإسرائيل، والذى أدى إلى ارتفاعات متلاحقة فى أسعار الوقود، مما تسبب في نقص حاد في مصادر الوقود خاصة فى ظل خفض منظمة «أوبك» لمعدلات الإنتاج، مما تسبب فى اختلالات جوهرية فى جميع قطاعات الصناعة فى الولايات المتحدة الأمريكية، والدول الأوربية، مما أدى إلى إغلاق العديد من المصانع والشركات، وهو ما أدى بدوره إلى ارتفاع معدلات البطالة بصورة غير مسبوقة.

بحسب الدراسات تسببت هذه الأوضاع فى حالة من الركود الاقتصادى الكبير مع ارتفاعات غير مسبوقة فى معدلات التضخم فى اقتصاديات الدول الكبرى ليعرف الاقتصاد العالمى للمرة الأولى ظاهرة «الركود»، كما أسقطت حرب أكتوبر «العصر الذهبى للرأسمالية»، وأدى ذلك لارتفاع معدل البطالة وللمرة الأولى ظهر ما يسمى «الركود التضخمى»، وتقف أمامه حكومات الدول الكبرى عاجزة عن مواجهة هذه الأزمات، وتعلن عن تطبيق سياسات التقشف، وبرامج الطوارئ.

وكشفت الدراسات أنه للخروج من هذه الأزمات بذلت الولايات المتحدة الأمريكية قصارى جهدها للعمل على مستويين، الأول: هو المساعى الجادة لإنهاء الحرب وتعزيز العلاقات مع مصر والعديد من الدول العربى فى منطقة الشرق الأوسط، والثانى البحث عن مصادر بديلة للطاقة، مما فتح المجال أمام اكتشاف وتطوير مصادر الطاقة المتجددة، وذلك بالتزامن مع وضع وتنفيذ برنامج لزيادة مخزونات الولايات المتحدة من الوقود.

وأضافت دراسة حديثة أجرتها جامعة «ولاية إمبوريا» الأمريكية، أن التداعيات الاقتصادية لحرب السادس من أكتوبر 1973 أدت إلى تغيير مسارات الاقتصاد العالمي، وخلفت معايير أساسية ما زالت تمثل أهم محاور رسم السياسات الاقتصادية لأكبر الاقتصاديات العالمية، مشيرة إلى أن القرار الذى أصدرته المملكة العربية السعودية، وأعضاء منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) لمعاقبة مؤيدى إسرائيل، خلال فترة استمرار القتال فى 17 أكتوبر 1973 بالإعلان عن خفض إنتاج النفط بنسبة 5%، ورد الرئيس الأمريكى «نيكسون»، والكونجرس بتقديم مبلغ إضافى قدره 2.2 مليار دولار للإسرائيليين، مما دفع السعودية لإصدار قرار بدعم من أوبك، بالذهاب إلى أبعد من ذلك بفرض حظر على شحنات النفط إلى الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية، وهو القرار الذى تسبب فى أول أزمة نفطية فى السبعينيات.

سفارة السعودية بالقاهرة تنشر فيديو دعم الملك فيصل لمصر عقب انتصارات أكتوبر  - اليوم السابع

وأرجعت الدراسة الأسباب إلى أنه فى عام 1960، شكلت خمس دول هى «إيران، والعراق، والكويت، والمملكة العربية السعودية، وفنزويلا»، منظمة أوبك. ومع انضمام سبع دول إضافية بحلول عام 1973، أصبح إنتاج دول أوبك يمثل نصف إنتاج العالم من النفط، كان لدى أوبك نفوذ قوى فى تحديد إنتاج الإنتاج، وفى تحديد سعر قياسى للنفط الخام فى العالم، وكانت مستعدة لاستخدام هذا النفوذ سياسيا فى عدد من الأزمات فى السبعينيات.

أضرار جسيمة
وشددت الدراسة على أن قرار «أوبك»، بحظر شحنات النفط إلى أمريكا ودول أوروبا الغربية ألحق أضرارا بالغة بالاقتصاد الأمريكى أدت إلى تعثر جميع قطاعات الصناعة الأمريكية، وارتفاعات قياسية فى أسعار الوقود، نتيجة للنقص الحاد فى الوقود، وأرجعت الدراسة الأسباب الى أنه بحلول عام 1973، كان استهلاك الولايات المتحدة من النفط، هو الأعلى أيضًا فى العالم؛ وذلك لأن الولايات المتحدة التى تضم 6% فقط من سكان العالم فى ذلك الوقت، تستهلك ثلث إنتاج النفط العالمى. علاوة على ذلك، ومع النمو الصناعى الهائل والتوسع فى الطرق السريعة وإنتاج السيارات، أصبحت واردات النفط ضرورية على نحو متزايد لدعم التوسع والنمو الاقتصادى فى أمريكا، وبحلول أوائل السبعينيات، شكلت الواردات حوالى 30% من النفط المستهلك فى الولايات المتحدة، التى بدأت فى تقليص الإنتاج المحلى والتنقيب بسبب المخاوف البيئية واللوائح الحكومية.

وأضافت الدراسة أنه من هذا المنطلق أظهر حظر «أوبك» القوة الجديدة للمنظمة فى الاقتصاد العالمى، وصدم العديد من الأمريكيين، وأعطى مثالا آخر على تراجع بلادهم فى السبعينيات، لافتة إلى أنه فور فرض الحصار، قفزت أسعار النفط من دولارين للبرميل إلى 11 دولاراً، وأصاب التأثير المستهلكين الأمريكيين بمحافظهم، حيث ارتفعت أسعار التجزئة للبنزين بنسبة 40% فى نوفمبر 1973.

ارتفاع الأسعار
أوضحت الدراسة أنه مع نقص البنزين، اصطف الأمريكيون عند محطات الوقود للتزود بالوقود بينما رفعت محطات الوقود أسعارها عدة مرات فى اليوم. وكشفت خطوط الوقود عن الذعر الذى ساد خلال فترة الحظر، حيث كان سائقو السيارات يشعرون بالقلق من أنه إذا لم يمتلئوا بالوقود خلال اليوم، فقد يرتفع السعر غدًا، وذلك ليس من المستغرب، مع ارتفاع الطلب، ونفاد الوقود فى العديد من المحطات، وأصبحت اللافتات التى تقول «عذرًا، لا يوجد وقود اليوم» شائعة جدًا فى أواخر أشهر الخريف.

وفي سياق متصل كشفت الدراسة أن دول أوروبا الغربية واليابان، الحلفاء الرئيسيين للولايات المتحدة، واجهوا مشاكل أكثر صعوبة مع الحظر، وذلك لأن هذه الدول اعتمدت على دول أوبك فى الحصول على 45% إلى 50% من احتياجاتها من النفط.

ولفتت الدراسة إلى أن هذه الأزمة استمرت حتى يناير 1974 عندما التقى مستشار الأمن القومى الأمريكى فى ذلك الوقت «هنرى كيسنجر» مع الملك فيصل ملك المملكة العربية السعودية، وأقنعه بأن شروط الحصار قد انتهت بانتهاء حرب يوم الغفران، مؤكدة أن الرئيس المصرى أنور السادات لعب دورا أساسيا فى إنهاء الحصار، وأنه بعد أن تفاوض كيسنجر على شروط المصالحة وساعد فى إنهاء الحصار، زار الرئيس «نيكسون» إسرائيل ومصر والمملكة العربية السعودية فى مايو 1974 وحصل على دعم هائل من الشعب المصري، الذى رحب بالرئيس الأمريكي، وهو أول من يزور مصر على الإطلاق. وبعد ثلاثة أشهر، استقال نيكسون من الرئاسة.

الشيخ زايد آل نهيان.. تاريخ من العلاقات الوطيدة مع رؤساء مصر - اليوم السابع

أزمة النفط
وأشارت الدراسة إلى أن أزمة النفط، وما صاحبها من ارتفاع تكاليف الطاقة كان عاملاً أساسياً في تفجير أزمات اقتصادية خامدة فى الاقتصاد الأمريكى واقتصاديات أوروبا، وهو ما كانت أهم نتائجه موجات شديدة من التضخم الكبير، الذى عصف باقتصاديات الغرب خلال السبعينيات، لافتة إلى أن الأسعار ارتفعت فى الولايات المتحدة لعدة أسباب، من أهمها توسع الإنفاق الحكومى على البرامج الاجتماعية والحرب فى فيتنام، وأسعار الفائدة المنخفضة التى وضعها مجلس الاحتياطى الفيدرالى والتى شجعت المزيد من الاقتراض من قبل الشركات، علاوة على ارتفاع تكاليف الطاقة.

وأضافت أنه من أهم هذه الأزمات أيضا أن عام 1971، شهد نهاية نظام «بريتون وودز»، النقدى الذى ربط قيمة الدولار الأمريكى بقيمة الذهب، وكانت النتيجة ارتفاع أسعار المستهلك بشكل كبير فاقت الزيادات فى أجور العمال، مما دفع الرئيس الأمريكى «نيكسون» إلى الاستجابة لتطبيق ضوابط مصطنعة على الأجور والأسعار ع وبدأت هذه الضوابط فى حل الأزمة، إلى أن الأسعار ارتفعت مرة أخرى بعد 90 يومًا.

وأشارت الدراسة إلى أن التضخم استمر لسنوات، وأن الرئيس «جيرالد فورد»، فشل فى السيطرة على التضخم، إلى أن قام الرئيس جيمى كارتر بكبح جماح الإنفاق الحكومى من خلال الحد من نموه، وبدأ فى تحرير الصناعة، لكنه أبقى على السيطرة على أسعار النفط، كما عين «كارتر»، «بول فولكر»، أحد الصقور المناهضين للتضخم، رئيسًا لمجلس الاحتياطى الفيدرالى فى عام 1978، وقد أدت سياسته المتمثلة فى رفع أسعار الفائدة إلى إنهاء التضخم الكبير بحلول عام 1983 ولكن النتيجة كانت الركود فى الفترة 1979 - 1980 ثم مرة أخرى فى أعوام 1981 - 1982 - 1983.

وبحسب الدراسة فإن الأمر الأهم هو أن أزمة النفط غذت جولة جديدة من التضخم لأن السكك الحديدية وشركات الطيران تضررت بشدة بسبب أزمة الوقود ورفعت الأسعار استجابة لذلك، تحدث الرئيس الأمريكى «جيمى كارتر» عن هذا الموضوع فى «خطابه المؤلم» عام 1979، حيث وصف أزمة النفط بأنها «المعادل الأخلاقى للحرب»، إلا أنه اختار عدم التخفيف من القيود التنظيمية المفروضة على إنتاج النفط فى الولايات المتحدة لتوسيع العرض وخفض الأسعار لتلبية احتياجات النفط. وأضافت الدراسة هذه السياسة التنظيمية دخلت حيز التنفيذ بعد انتخاب «رونالد ريجان»، حيث أراد ريجان توجيه البلاد نحو قدر أكبر من الاستقلال فى مجال الطاقة.

توجهات جديدة
وكشفت الدراسة أن الصدمات النفطية فى السبعينيات كان لها تأثير عميق على الاقتصاد والسياسة الأمريكية، لافتة إلى أن تداعيات هذه الأزمات دفعت نحو توجهات اقتصادية جديدة، من أهمها بداية دراسة مصادر الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. وفى نهاية المطاف، تم دعم إنتاج الإيثانول من الذرة أيضًا من قبل الحكومة الفيدرالية فى محاولة لإنتاج بدائل للنفط فى تكرير البنزين. وجاء ذلك مصحوبا باتجاه منتجى السيارات نحو تصنيع سيارات أصغر وأكثر كفاءة فى استهلاك الوقود. (ومع ذلك، عندما انخفضت أسعار النفط، عاد المستهلكون الأمريكيون إلى الشاحنات المتعطشة للوقود والمركبات الرياضية متعددة الاستخدامات)، كما تلقت مصادر الطاقة المحلية والمنتجون تشجيعًا جديدًا من إدارة ريجان، وبحلول منتصف العقد الأول من القرن الحادى والعشرين، أدى تطوير التكسير الهيدروليكى، واستخدام الرمال والمياه ذات الضغط العالى لفتح النفط المخزن فى الصخور الصخرية، مما ساهم فى تطوير حقل نفط فى داكوتا الشمالية والحوض البرمى فى تكساس. ومع هذا التطور، بحلول عام 2018، أصبحت الولايات المتحدة مرة أخرى أكبر منتج للنفط فى العالم.

تبعات الأزمة
كشفت الدراسة أن الأزمات الاقتصادية المتلاحقة نتيجة لتداعيات حرب أكتوبر انعكست على الحياة السياسية فى الولايات المتحدة الأمريكية، لافتة إلى تحرير النفط ساهم فى الثورة المحافظة فى السياسة الأمريكية، كما خسر كارتر محاولة إعادة انتخابه بسبب المشاكل الاقتصادية التى كانت تعيشها البلاد وأزمة الرهائن فى إيران، فى حين شجعت الإدارات الجمهورية الصديقة (لمصر ودول الشرق الأوسط والدول المنتجة للنفط) بما فى ذلك إدارات ريجان، وجورج دبليو بوش، ودونالد ترامب، على زيادة الإنتاج والاستكشاف الأمريكى لحقول النفط، إلا أنه على الرغم من ذلك، لا يزال سوق النفط متقلبًا، وعلى الرغم من أن دول الشرق الأوسط تنتج نفطًا أقل نسبيًا، مما كانت عليه فى السبعينيات، إلا أنه من المرجح أن تجعل الجغرافيا السياسية والطلب على الطاقة من النفط جزءًا أساسيًا من السياسة العالمية فى المستقبل المنظور فى ضوء التأثيرات الجيوسياسية لسلاح النفط فى حرب أكتوبر.

صدمات الأسعار
وكشفت ورقة بحثية أصدرها مؤخرًا مركز «ويلفريد مارتنز» للدراسات الأوروبية، (المعروف أيضًا باسم مركز مارتنز وكان سابقًا يعرف بمركز الدراسات الأوروبية، هو مؤسسة فكرية وسياسية لحزب الشعب الأوروبى «EPP»، يضم شبكة كبيرة من المؤسسات السياسية فى جميع أنحاء الاتحاد الأوروبى)، أن تعميق التزام الولايات المتحدة تجاه إسرائيل، ورد «أوبك»، بقيادة العاهل السعودى الملك فيصل، بفرض حظراً نفطياً على الولايات المتحدة وحلفائها، بما فى ذلك المملكة المتحدة وهولندا والبرتغال، أدى إلى صدمات شديدة فى الأسعار وتغيير خطوط الصدع بين عشية وضحاها للاقتصاد العالمى.

وشددت الدراسة على أن الاختلالات فى الاقتصاد العالمي، استمرت لسنوات حتى تمكنت الجهود المبذولة لحل الصراع الطويل الأمد حول سيناء، بعد خمس سنوات، إلى التوصل إلى اتفاقات كامب ديفيد، ثم اتفاق السلام بين مصر وإسرائيل فى عام 1979، لافتة إلى أن هذه الإختلالات أحدثت تغييرات جذرية فى مسارات الاقتصاد العالمى.

فيصل السادات الأسد و بو مدين | منتدى الصورة من رأس كتان

الركود التضخمي
ووصفت مجلة «عين على أوروبا» التأثيرات الاقتصادية لحرب السادس من أكتوبر على الاقتصاد العالمى بالمدمرة، لافتة إلى أنه رغم أنها حرب قصيرة من حيث مدة القتال إلا أن تأثيرها على الاقتصاد العالمى لا يقل عن تأثير الحرب الروسية الأوكرانية.

وأشارت إلى أن الحصار الذى فرضته منظمة «أوبك»، تسبب فى نقص إمدادات النفط فى كافة الاقتصاديات الغربية، من الولايات المتحدة إلى أوروبا، فضلاً عن ارتفاع أسعار المنتجات على مستوى العالم، بعد فترة طويلة من النمو المستقر خلال فترة، ما يسمى «العصر الذهبى للرأسمالية»، بدأت الدول الغربية تعانى من ارتفاع معدل التضخم (رقم مزدوج)، وارتفاع معدل البطالة والركود، وكانت هذه هى المرة الأولى التى تحدث فيها مثل هذه الظاهرة الاقتصادية، وهى ظاهرة لم يعتقد العديد من الاقتصاديين أنها يمكن أن تحدث: «الركود التضخمى».

وأضافت مجلة «عين على أوروبا» أنه لمحاولة التعافى من هذه الآثار المدمرة، كان على جميع الحكومات الغربية التدخل بشكل كبير فى الاقتصاد من خلال المساعدات وكذلك تأميم بعض الشركات، وأنه علاوة على ذلك، وفى محاولة للحد من النقص فى الوقود (وغيره من المنتجات البترولية)، تم تطبيق العديد من التدابير من أجل تقليل استهلاك النفط، مثل «أيام الأحد سيرًا على الأقدام»، وحظر التجول أثناء المساء والليل والحد من الإضاءة العامة مما ساعد على توفير ملايين اللترات من الوقود.

أضف تعليق

حكايات لم تنشر من سيناء (2)

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2